غورباتشوف ينفي إقامته في ألمانيا: أحنّ إلى أيام الاتحاد السوفياتي

مقابلات

ميخائيل غورباتشوف كان ضيف الشرف في افتتاح الدورة الثالثة للمنتدى الدولي للاتصال الحكومي في الشارقة مطلع الأسبوع. وعلى رغم دوره الفاعل في إنهاء الحرب الباردة، وتفكك الاتحاد السوفياتي السابق الذي كان آخر رئيس له، إلا أن غورباتشوف (83 عاماً) لا يزال ناشطاً في قضايا السلم العالمي، وحلّ النزاعات.

وبعد تقاعده حدثت متغيرات كثيرة، لعلّ أهمها عودة روسيا الاتحادية للقيام بدور يسعى لاستعادة ندّيتها القطبية مع الولايات المتحدة، ما حمل كثيرين على القول إن الحرب الباردة بُعثت من جديد.

وأحدث المتغيّرات ثورات ما سمي «الربيع العربي» التي انتهت بما لم تنادِ به شعوب الدول التي تأثرت بتلك الاضطرابات، خصوصاً مع ظهور جماعات الإسلام السياسي. ومن المتغيرات أيضاً، الحرب الدائرة في سورية وأخيراً الثورة في أوكرانيا. لذلك كلَّه، كان ضرورياً أن تسعى «الحياة» إلى الالتقاء بغورباتشوف، ليدلي بآرائه في الأحداث الساخنة. وتطرّق غورباتشوف في حواره مع «الحياة» في حضور صحيفة «الخليج» الإماراتية، إلى عدد من القضايا الدولية، منها ما يتعلق بالاتحاد السوفياتي السابق وروسيا من بعده، مروراً بالأوضاع في أوكرانيا، وانتهاء بالأحداث في مصر وسورية وغيرهما. وفي ما يتعلق بالشأن الداخلي الروسي، قال: «أعتقد أن الرئيس فلاديمير بوتين عمل جيداً لاسترجاع الدور الدولي الأساسي لروسيا، وأنه قام بتحقيق الكثير من الإنجازات، وعليه الاستمرار في ذلك».

وتالياً نص الحوار:

> مرّ حوالى ثلاث سنوات على الأوضاع المأسوية في سورية، وأعداد الضحايا في ازدياد، وغالبيتهم من الأطفال، ولا تلوح نهاية واضحة لهذه الأزمة حتى الآن، في ظل التخاذل الدولي. كيف ترى نهاية الأزمة السورية؟

– أعتقد أنه لا تزال هناك فرصة لأن يحصل اتفاق، ومؤتمر جنيف شكَّل اتفاقاً لا بد من اتباعه، وأعتقد بضرورة إعطاء فرصة للحوار، وكل ما هو مطلوب ممن هم معنيون به يقتصر على استغلال الفرص المتاحة حتى يقتربوا من الاتفاق. ويجب استحداث المزيد من العناصر التي تؤدي إلى اتفاق في نهاية المطاف، لإنهاء الأزمة لا استمرارها.

> أليس بشار الأسد هو المسؤول عما آلت إليه الأوضاع في سورية؟ ما هي رسالتك له؟

– في ما يتعلق بهذا الشأن، أعتقد أن المبادئ التي يقوم عليها مؤتمر جنيف صحيحة ودقيقة ولا بد لها من الاستمرار، ولا بد من أن نقوم بالمزيد لدعم المشاركين في المؤتمر وضمان نجاحه ونزاهته وما ينجم عنه من اتفاق، والشعب السوري هو من له الحق في تقرير مصيره، لا أن يتدخل أحد في ذلك.

> يعيش بعض الدول العربية حالياً أوضاعاً غير مستقرة بسبب ما شهدته من ثورات، كيف تقوّم الأوضاع في مصر مثلاً؟

– اتخذت الأوضاع في مصر منحى لم أكن أرغب في أن أراه، فنحن في روسيا كنا نأمل بأن تكون البلاد على الطريق الصحيح، لكننا رأينا أيضاً بعض التظاهرات الصعبة التي أدخلت البلاد في دائرة الخطر، ونأمل بأن تستعيد مصر عافيتها، وأن تنطلق من جديد. نحن لا نريد من القوى العظمى أن تتمركز حول البلدان التي تشهد أوضاعاً غير مستقرة، وإذا أرادت المساعدة فعليها أن تقوم بذلك على أساس المبادئ والقيم الدولية، وبطرق سليمة مشتركة، وأن تضع القليل من المبادئ التي تستند إلى أساليب ذكية جداً.

 روسيا والخليج

> كيف يمكن أن تصف العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا في ظل التباين السياسي حيال الأزمة السورية وغيرها؟

– لطالما كانت لروسيا مصلحة بالغة في العالم العربي ومنها «دول الخليج الست». ومنذ أن كنتُ رئيساً للاتحاد السوفياتي وحتى قبل ذلك، نسعى إلى أن نبني علاقة جيدة مع الدول العربية. وحتى في نهاية الحرب الباردة بات اهتمامنا أكبر. لكن، للأسف بعد نهاية الحرب الباردة لم نستغل كل الفرص التي سنحت لنا، وكانت متوافرة في الوضع الجديد. وأظن أنه لم يفت الأوان للقيام بذلك، فلا تزال هذه الفرص سانحة، وعلينا أن نقترب أكثر وأن نستفيد منها من دون أن نسمح لأي كان بأن يعطل هذه العملية، حتى إن وجدنا وجهات نظر مختلفة فيجب ألا ننسى أنه ومنذ القدم هناك علاقة جيدة بين روسيا القديمة والخليج العربي، وهي أشبه بعلاقة متجذّرة، والعلاقات والمصالح المشتركة كثيرة بين روسيا ودول الخليج.

> أنت الآن تزور دولة الإمارات. كيف ترى تجربة هذه الدولة في التنمية والعناية بالإنسان؟

– دولة الإمارات قامت بلا شك بمقدار كبير من العمل، وآمل بأن تستمر في هذا الجهد الممتاز الذي رأيناه جلياًً في المؤتمر الدولي للاتصال الحكومي الذي تحتضنه إمارة الشارقة، وهي جزء من الإنجاز الإماراتي ككل. أذكر عندما زرت الشارقة في عام 1993، كانت الإمارة تتكون من عدد قليل من المباني، لكنك اليوم تنظر إليها وقد أصبحت أكثر جمالاً وتطوراً، وكذلك الأمر بالنسبة إلى بقية إمارات الدولة، وأتمنى من الإماراتيين أن يستمروا بهذا التقدم، فشعب الإمارات أدرك ذلك جيداً، واستطاع أن يكرّس هذا المفهوم، وأعتقد أنهم يستحقون جائزة نوبل نتيجة التطور الذي أحدثوه في بلادهم.

> كيف يمكن أن تصف الوضع حالياً في أفغانستان؟

– احتفلنا بانسحاب القوات الروسية من أفغانستان قبل 25 عاماً، وأدعو الجميع إلى القيام بما فعلنا في ذلك الحين. ويجب أن يكون الانسحاب الكامل هو الهدف الأساسي للقوات الأجنبية في أفغانستان، على أن يتم فعل الكثير على المستوى الوطني لأجل تحسين الوضع الداخلي وتوطيده في أفغانستان، فالأمور صعبة هناك، وتفتقر إلى الشعور بالمسؤولية، وعلى الأفغان أن يبادروا إلى تحسين أوضاعهم، وبناء دولة حقيقية، إضافة إلى أن يقوم المجتمع الدولي ببناء علاقة جيدة وطبيعية مع أفغانستان لدعمها بالشكل الصحيح.

> مرّ حوالى ربع قرن على تفكك الاتحاد السوفياتي. كيف ترى وضع روسيا، خصوصاً في ظل محاولات الرئيس فلاديمير بوتين استعادة دور الاتحاد السوفياتي السابق؟

– أعتقد أن بوتين عمل بقوة لاسترجاع الدور الدولي الأساسي لروسيا، وأعتقد أنه قام بتحقيق الكثير من الإنجازات، وأن عليه الاستمرار، على رغم أن بعض الناشئة لا يقرّون بهذا النجاح، وبعضهم يشكك بروسيا، ولا يعجبهم دورها. ولهم حرية الرأي وما يقولونه وإن كان خطأ، فإن روسيا تريد أن تبني علاقة إيجابية وطيّبة مع جيرانها ومع المجتمع الدولي.

> ألا تزال تحنّ إلى عهد الاتحاد السوفياتي السابق؟

– طبعاً، وبكل تأكيد، أحنّ إلى الاتحاد السوفياتي، لكن عليّ أن أعطيك إجابة أكثر دقة: أحن إلى أي حركة باتجاه اندماج أكثر وتحرك أكبر، وتعاون أعظم بين دول الاتحاد السوفياتي السابق.

وبالنسبة إلى تلك الدول، مثل روسيا وروسيا البيضاء وكازاخستان وأوكرانيا، فإنها كانت تريد أن تنشئ اتحاداً مالياً واقتصادياً، وقمنا وقتها بجمع أكثر من 70 في المئة من الأوراق والمستندات اللازمة التي لا بد منها للبدء بذلك المشروع. لكن، بعد ذلك، خرجت أوكرانيا عن هذا الاتفاق. ولو تمكنت هذه الدول الأربع من الحفاظ على هذا الاندماج لاستطعنا أن نؤدي أكثر من 80 في المئة من النجاح في خدمة هذا الاتحاد. لكن، لا تزال روسيا البيضاء وكازاخستان وأوكرانيا قريبة جداً من روسيا، والصلات بينها قديمة جداً.

وبعدها أُريدَ إنشاء اتحاد على مستوى الجمارك بدلاً من الاتحاد الاقتصادي، بالشراكة بين ثلاث دول، هي روسيا وروسيا البيضاء وكازاخستان، واستفادت روسيا من هذا الاتحاد أيضاً، وكانت هناك دول أخرى ترغب في الانضمام إلى هذا التكتل، لكن المشكلة التي حصلت – وأنا أقول رأيي بكل صراحة – أن الاتحاد الأوروبي استعجل وبسرعة كبيرة جداً امتصاص هذه الدول، ما أحبط محاولة إنشاء الاتحاد، ووضع هذه الدول في مواجهة مشكلات كبيرة في الوقت الراهن.

> ما أبرز ما تختزله ذاكرة غورباتشوف للحظات التي سبقت انهيار الاتحاد السوفياتي السابق في عام 1991؟

– كان سباق التسلح بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في تلك الفترة وصل إلى أعلى مستوى له، ومئات الرؤوس الحربية بين الدولتين ودول أخرى تهدد بانفجار الحرب دفعة واحدة، وبسبب الأزمة النووية لم تلتقِ أميركا والاتحاد السوفياتي حوالى ست سنوات. وعندما وصلتُ إلى الحكم في عام 1988، رأينا أن نأخذ الخطوة تجاه المحافظة على الموارد، وتجنيب العالم أخطاراً محدقة به. وعقدتُ أول اجتماع مع الرئيس الأميركي آنذاك رونالد ريغان، واتفقنا على إنهاء حرب التسلح، وإعلان وعود بأن الحرب النووية خاسرة، كما توصّلنا إلى إعلان مشترك بأن روسيا وأميركا لن تحاولا أن تثبتا فوقية نووية.

> كزعيم سابق وسياسي نال جائزة نوبل للسلام، كيف تصف حال العالم اليوم؟

– تأثيرات عالم اليوم «المعولمة» سلبية على الأصعدة كافة، لكن هذا لا يعني أنه ليس أفضل من حقبة القرن الماضي التي كانت دموية وشرسة أيضاً.

الحقيقة أن الشعوب لم تتعلم من التجارب، ولم تتمكن حتى اليوم من تحقيق العيش جنباً إلى جنب في سلام وتناغم.

بعد انتهاء الحرب الباردة، تبنّى العالم سياسة «العولمة» وسار فيها خلف الدول الكبرى، ما أنتج فروقاً كبيرة وواضحة بين الدول، وقسّمها إلى دول منتجة وأخرى مستهلكة. وكل الفوائد تتحقق للدول المتقدمة على حساب الدول الأخرى.

خيبة العولمة

> هذا يعني أن غورباتشوف ضد العولمة وغير مقتنع بها؟

– قلتُ في كلمتي خلال المنتدى، إن المراهنين على أن العولمة ستساعد في تكريس المساواة في العالم، ونشر قيم التسامح والانفتاح الفكري، سيعترفون بإخفاقهم، فمثلاً هناك دول تحاول مواجهة القوى العظمى التي تهمشها. أيضاً هناك مشكلات الهجرة غير المشروعة ومسبباتها، وطغيان النعرات العرقية والدينية والصراعات، والتأخر في حل مسائل نزع أسلحة الدمار الشامل، وعودة انتشار فكر سباق التسلح عند الدول النامية، بدلاً من استثمار الموارد في التنمية البشرية والاقتصادية لمصلحة الإنسان.

> هل تقيم في موسكو أم في ألمانيا؟

– ما يشاع بأن ميخائيل غورباتشوف يقيم حالياً في ألمانيا ويقوم بزيارات إلى روسيا بين الحين والآخر، ليس صحيحاً، إنها أقاويل نُشرت عبر «الإنترنت»، فابنتي لارينا متزوجة برجل أعمال روسي، وهو ينشط في مجال الأعمال في كل من روسيا وألمانيا، ولربما كان ذلك سبب الإشاعة، كما أن حفيدتيَّ تخرجتا في جامعة موسكو، وتعملان في مجال العلاقات الدولية، وحفيدتي الأصغر درست في برلين، وهي تعمل وتقيم هناك، وحفيدتي الكبرى تعمل متنقلة بين ألمانيا وفرنسا وروسيا في مجلة للأزياء، وكلهن مقيمات في روسيا بمن فيهن ابنتي، وأنا أقيم في روسيا وفي موسكو تحديداً، حيث عانيت أخيراً من وعكة صحية كنت على أثرها أزور الأطباء في موسكو، وأجد عناية خاصة.

المصدر: الشارقة – جميل الذيابي – الحياة