إعادة تقييم تكاليف البناء.. تعرقل نشاط قطاع المقاولات في السعودية

أخبار

طفت على السطح مؤخرا إعادة عدد من شركات ومؤسسات المقاولات صياغة عقودها الإنشائية للكثير من المشاريع، حيث لوحظ تزايد أعداد طلبات تلك الشركات بإعادة تقييم وحساب تكاليف البناء من جديد، خصوصا المرتبطة بعقود طويلة، التي لم تعمل حسابا لعدم وضوح الرؤية العامة لمستقبل القطاع، الذي يعيش تكهنات متعددة نتيجة تخبطات واضحة عما سيكون عليه خلال الأيام المقبلة.

وتنوعت مسببات إعادة تقييم عقود الإنشاءات ما بين ضغط سماسرة العقار الذين ينقلون العمالة الماهرة إلى الخارج، وتضارب القرارات بين الجهات، وتخوف التجار من انخفاض الأسعار، إضافة إلى سيل المشاريع القائمة، جميعها أمور بلورت الأسعار الحالية، التي ضغطت على السوق وأوصلتها إلى هذا المستوى من الارتفاع.

وأكد المهندس سمير الشبيلي نائب الرئيس التنفيذي لـ«مجموعة الجذور العربية» أن غالبية المشاريع التي وقعت في السعودية خلال العام الحالي والتي لا يزال بعضها قائما، تشهد تفاوضا جديدا في سعر التكلفة إما مع نهاية العام الحالي، وإما من خلال الإضافات التي تتم على المشاريع والتي لا يكاد يخلو منها مشروع إما بتحسين وإما بإضافة.

ولفت الشبيلي إلى أن الأسعار المرتبطة بالمقاولات شهدت ارتفاعا بسيطا في سعر فاتورة الكلفة، إلا أن هذا لن يؤثر كثيرا في السعر مستقبلا، وبذلك لن ينعكس أثرها على المستهلكين على أقل حال، بحسب واقع مجموعتنا، مشيرا إلى أن هذه الخطوة لم تقُم بها جميع الشركات وإنما البعض منها.

وعن حجم سوق المقاولات في السعودية قال الشبيلي إن سوق المقاولات والبنية التحتية التي تشهدها السعودية تعتبر الأضخم في المنطقة، وقد تكون من الأوائل عالميا بقيمة ستتجاوز 3 تريليونات ريال (800 مليار دولار) خلال الأعوام السبعة المقبلة، على حد وصفه، مؤكدا أن أغلب الشركات الكبيرة في السعودية وقعت على عقود لمشاريع متنوعة، تمتد على الأقل إلى ثلاثة أعوام مقبلة، ما أسهم في تحويل السعودية إلى ورشة عمل كبيرة على مختلف المناطق والأصعدة، وهذه المشاريع ستسهم في التنمية المستدامة للسعودية وتقوية البنية التحتية لها كذلك.

وعن فترة التشييد والبناء في السعودية وإلى متى ستستمر قال الشبيلي إن التنمية في السعودية ستمتد لفترة طويلة، فهي تحتاج إلى الكثير من المشاريع، فهناك بناء لمستشفيات ومدارس وربما جامعات جديدة، بالإضافة إلى الترميم الذي قد يطال الكثير من المباني المختلفة، مشيرا إلى أن هناك اتجاها إلى توسعة قطاع النقل العام في السعودية، ما سيوسع نطاق المقاولات كثيرا، خصوصا مع توجيه الكثير من فائض الميزانية في هذا القطاع.

ولوح إلى إشكاليات التأخر في تنفيذ بعض المشاريع وعدم ملائمة بعضها كذلك للشروط، فقد قال نائب الرئيس التنفيذي لـ«الجذور العربية» إن الذي يقع عليه اللوم دائما هو المقاول، في حين أن اللوم لا يطاله والسبب عدم وجود مراقبين أكفاء على جميع المشاريع عادة، إضافة إلى التغيير لخططها بعض الأوقات، وهذا الأمر يربك العمل كثيرا.

وعاب الشبيلي آلية ترسية المشاريع التي تقر على الأقل سعرا، وليس على من قام بتغطية نظام السعودة بشكل أكبر أو من وضع مواصفات عالية للمشروع على سبيل المثال، في حين أن مسؤولي الدولة ومن تتبع المشاريع لهم يهتمون بشكل كبير حتى يتم إنجازها بشكل أكثر من جيد، وبالمواصفات المتفق عليها لذلك يوكلون أعمالهم للشركات الكبرى التي ستقوم بها لهم بحسب طلبهم، ولا يسهمون بإحراجهم أمام من أوكلهم بهذه المهام.

وأشار إلى أن البيروقراطية هي القاتل الأكبر للمشاريع بنسبة تتجاوز 50 في المائة، كما أنها المساهمة الأولى في تأخير تنفيذها، لافتا إلى أن العرض في مجال المقاولات أقل من الطلب، ولا يوجد ما يكفي من الشركات لتنفيذ المشاريع، كما أن الجهات الحكومية تسعى لتسهيل جميع العقبات التي تواجه القطاع، ومنها مرور الملاحظات بعدة لجان ومناقشاتها ومحاولات حلها، ويصعد للجهات العليا ما صعب إنجازه.

وأكد الشبيلي أنه لا توجد أي شركة تعمل في السوق دون تمويل بنكي أو حكومي، مهما كان حجم الشركة، مشيرا إلى أن شركات المقاولات في السعودية وصلت إلى خبرة ودرجة عالية من النضوج، قد لا تتوفر لدى الكثير من الشركات الأخرى غير الوطنية، التي قد تكون أعلى إمكانيات في بعض الأحيان، إلا أن نسبة نجاحها ليست كبيرة.

وقال نائب الرئيس التنفيذي لـ«مجموعة الجذور العربية» إن ما تحتاج إليه شركات المقاولات من خبرات خارجية لا يتجاوز 5 في المائة، وهي عادة تصب في جانب التصميم والأمور الفنية العالية فقط، وضرب مثلا بالشركات الصينية التي قدمت إلى السعودية ولم تنجح، لأسباب كثيرة.

وعن التكتلات في المقاولات وغيرها التي طرأت على السوق، قال الشبيلي: «التكتلات عادة لا تنجح لدى الجميع في الشركات، لأن الجميع يرغب في الحصول على الإدارة والإشراف على الشركة الكبرى، لافتا إلى أنه من العقبات الكبرى التي تواجه القطاع في السوق هو تضارب التوجه إلى القطاع، مثل تضارب القرارات بين بعض الجهات، التي قد لا تكون منطقية، فمثلا بعض الشركات تصعب بشكل كبير سعودة منسوبيها، نظرا لطبيعة عملها كشركات المقاولات وشركات النظافة.

وفي صلب الموضوع، أبدى ياسر المريشد الذي يمتلك مؤسسة خاصة بالإنشاءات أن ارتفاع أسعار العمالة ألقى بظلاله سلبا على أسعار العقار بشكل مباشر، وخصوصا في قطاع الإنشاءات التي باتت تتكبد خسائر طائلة نتيجة ارتفاع تكلفة العمالة، أو حتى تدريبها لتصبح عمالة محترفة، مبينا أن بعض العمال يأتي للسعودية للتعلم، ومن ثم الذهاب إلى الخارج للعمل هناك، بعد أن يصبح ذا خبرة واحترافية، كاشفا أن هناك شركات سمسرة تغري العمالة المدربة للعمل في الخارج فور وصولهم إلى مرحلة الاحتراف.

وأضاف أن «وفرة وكثرة المشاريع المقامة أنشأت سوق محترفين أشبه بعالم كرة القدم، أي أن من يدفع أكثر يستطِع ضم أمهر العمالة، مما يعني مزايدة في الأسعار، التي انعكست سلبيا على تكلفة الإنشاءات في دولة تعيش نهضة عمرانية عملاقة، تحتاج إلى سنوات طويلة لتصل إلى الاكتفاء من إقامة المشاريع».

من جانبه، كشف إبراهيم العبيد المستشار الإنشائي أن التخوف من انهيار أسعار السوق، والتقارير التي تثير فزع المستثمرين، تحضهم على الاستفادة القصوى من المرحلة الحالية، تحسبا لأي انخفاض مستقبلي قد يطغى على السوق، وأن قصر مدة إنشاء المشاريع الضخمة سبب في زيادة أسعار العقود، لافتا إلى أن الشركات تتجه حاليا إلى إبرام العقود قصيرة المدى لحين التبين من حالة القطاع، والتثبت من مستقبله المجهول.

ويزيد العبيد بأن القطاع يعيش تخبطا واضحا في تحديد مستقبله، الأمر الذي دفع إلى رفع الأسعار تحسبا لأي طارئ، وأن هناك ارتفاعا حقيقيا في عقود الإنشاءات وإعادة تقييم الموقع منها، لضمان حقوق التجار الذين يفضلون أن يكونوا على بينة واضحة، وأنهم يتوجسون خيفة من مستقبل العقار، خصوصا حول زيادة الحديث عن وقوع محتمل في العقار، بعد إقرار الدولة حزمة من البيانات والتسهيلات، آخرها لائحة «ساما» لتنظيم عمليات التمويل العقاري.

يشار إلى أن السعودية تعيش نهضة عمرانية كبيرة، وتقف على إقامة مشاريع إنشائية ضخمة، ستضخ حلولا سكنية متعددة للمواطنين المحليين، في الوقت الذي أقرت فيه الحكومة مؤخرا رزمة من التسهيلات المادية والحلول التملكية، لتوفير السيولة اللازمة لتملك المساكن، الأمر الذي يتوقع أن يدفع بالسعودية إلى تصدر المشهد العالمي في أكثر الدول تركيزا على قطاع الإنشاءات.

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط