استقواء قطر بإيران انعدام للرؤية الاستراتيجية

أخبار

قال اللواء الدكتور محمد مجاهد الزيات، الخبير الاستراتيجي والرئيس السابق لمركز دراسات الشرق الأوسط، إن قطر تفتقد للرؤية الاستراتيجية، فهي حين استدعت تركيا لإقامة قاعدة عسكرية على أرضها، وعندما ذهبت لاستدعاء إيران على خط الأزمة، فإن ذلك يؤكد عدم إدراكها لأبعاد الأمن القومي العربي، وأمن دول الخليج.

وأضاف الزيات في حوار مع «الخليج» أن منح قطر قاعدة عسكرية لتركيا من شأنه أن يدفع الشعب القطري للتساؤل لماذا ندفع أموالاً باهظة؟

وممن الخوف إذا لم يكن هناك عداء خليجي مصري؟

وانتقد الزيات موافقة تركيا على تحريك قوات لها لقاعدة في قطر على خلفية الأزمة الحالية، متناسية مواقف دول المساندة لتركيا في أزماتها، وقال إن التواجد التركي في المنطقة سيلقي بظلاله مستقبلاً على التطورات في العراق لاسيما بعد الاستفتاء على استقلال الأكراد.. وإلى نص الحوار.

* ما خطورة القاعدة التركية على أمن دول الخليج والأمن القومي العربي؟

– منذ وصول الأمير حمد الأب إلى الحكم وبدلاً من أن يندمج مع المنظومة الخليجية ويحتمي بها، خطط لأعمال عدائية مع دول الخليج، واستشعر أن هذه الأعمال العدائية سترتب مزيداً من التوتر مع دول الخليج، ففكر في حماية خارجية، وكانت أول نقطة هي قاعدة «العديد» التي تعتبر مقر القيادة العسكرية المركزية الوسطى، وفي الفترة الأخيرة عندما حدثت سلبية في العلاقات مع دول الخليج راهن الأمير الابن على قوى إقليمية أخرى يرتكز عليها، فركز على التعاون مع إيران، ووجد أن هذا سيحدث أثراً سلبياً لدى الولايات المتحدة الأمريكية «الرعاة الأصليين»، للنظام فاتجه إلى تركيا التي تطابق رؤيتها بشأن بعض القوى الإسلامية، مثل جماعة الإخوان وغيرها.

وكان يقصد عاملين من وراء ذلك، الأول أن النظام القطري قضيته الأساسية في المنطقة النظام السياسي في مصر منذ أيام الرئيس مبارك، باستثناء فترة حكم جماعة الإخوان الإرهابية، وبالتالي فالنظام القطري يسعى إلى كيفية محاصرة مصر من خلال اللجوء إلى قوى إقليمية أخرى تحول دون استعادة مصر لدورها الإقليمي، وتفسح المجال للقوى الإقليمية الأخرى، وكانت تركيا نموذجاً خاصة بعد سقوط حكم جماعة الإخوان وتصاعد الخلاف بين تركيا ومصر، وعندما حدثت الأزمة الأخيرة مع الدول الأربع لجأ إلى إعطاء تركيا قاعدة عسكرية، متصوراً أن تلك القاعدة ستكفل مركزاً لتركيا في منطقة الخليج، وتجاهل أنه وقع بذلك في تناقض لأنه يمكن أن يحدث تحالف تركي – إيراني، لأنه من شأن ذلك إقلاق دول الخليج وإيران في الوقت نفسه.

واعتقد أن القاعدة العسكرية التركية ليس بمقدورها أن تحدث قلقاً، أو تأثيراً سلبياً في دول الخليج، لاسيما وأنها لا تضم أكثر من 7 إلى 8 آلاف جندي، فالواقع يؤكد أنه لن تحدث مواجهات عسكرية بين دول الخليج وقطر، وأن قطر أصغر من أن تفكر دول الخليج في القيام بعمل عسكري ضدها، لكن الإشكالية أن الرئيس رجب طيب أردوغان استثمر الوجود العسكري التركي في قطر، ليؤكد حضوره في المعادلة السياسية التي ستتم في المرحلة المقبلة، لاسيما وأن المنطقة ستشهد تطوراً جديداً بعد تحرير الموصل من تنظيم «داعش»، وليس هذا فقط، فهناك عناوين كثيرة داخل العراق أبرزها الاستفتاء على الاستقلال الكردي في سبتمبر/‏أيلول المقبل، واحتمال تقسيم العراق، إضافة إلى الدور السياسي المستقبلي ل»الحشد الشعبي» الذي نجح في أن يصبح كياناً مستقلاً ومندمجاً في المؤسسات العراقية، وانعكاسات ذلك على الإطار المذهبي العام في العراق، كل ذلك يؤكد أن التطورات في العراق لن تكون في مصلحة تركيا، وعندما تعطيها قطر قاعدة عسكرية، فهي تمنح تركيا مجالاً أوسع للحركة لتحقيق استراتيجيتها، ما يحد من حركة قوى إقليمية أخرى مثل مصر والمملكة العربية السعودية، وأعتقد أن الوجود العسكري التركي المحدود في قطر لن ينعكس سياسياً بصورة مؤثرة في دول الخليج، غير أنه سيظل محل استثمار من جانب قطر فقط.

* إذاً، ما هي الوظيفة الفعلية للقاعدة التركية في ظل وجود القاعدة الأمريكية؟

– القاعدة التركية جاءت كحماية إضافية للنظام القطري، لأن الحماية الأساسية في قاعدة «العديد» الأمريكية، وكلتا القاعدتين تكلف قطر ثمناً باهظاً، وحديث الرئيس الأمريكي قبل أسابيع قليلة حول إمكانية انسحاب القاعدة مبالغ فيه، وأشبه بمن يبيع الحديث للنظم المتضررة من قطر، ليضغط به على الدوحة، لكن ربما يكون هناك توسعات وتمركزات عسكرية أمريكية أخرى، وهنا يشير إلى أن الوجود العسكري الأمريكي في الدوحة ليس ضمانة لقطر التي ترعى الإرهاب، التي يجب أن تدرك أن وجود القاعدة الأمريكية لن يسمح لها بالتجاوز في قضية الإرهاب.

* ما هي الأضرار المستقبلية على قطر من وجود القاعدة التركية ذاتها؟

– قطر لا تنظر إلى الأمور من هذه الزاوية، فهي تسمح بتواجد قوى عسكرية أجنبية متناقضة على أرضها، على أمل أن تكون هناك خطوط اتصال مع هذه الدول، وتضمن أن يكون هناك مساندة سياسية واستراتيجية في المنطقة، لكن قطر لن تدخل في معارك مع الدول الخليجية، وبالتالي فالقاعدة العسكرية لن تكون ذات شأن على المستوى العسكري، لأنها تستثمر حالياً سياسياً من جانب تركيا أكثر من السياسة القطرية، واعتقد أن الإجراءات التي قامت بها دول المقاطعة العربية، واستدعاء قطر لقوات تركية دفع القطريين أنفسهم للتساؤل لماذا ندفع كل هذه الأموال؟ حيث لا يوجد عداء خليجي، أو مصري لقطر، لكن يوجد إذعان وشغب من جانب قطر لهذه الدول، ولو توقف هذا الشغب والممارسات القطرية فلن يكون هناك تهديد لها، وأعتقد أن هناك تركيزاً في الفترة الأخيرة من جانب دول المقاطعة على الفصل بين النظام وبين الشعب، ولكن ما الذي يمكن أن يفعله الشعب مستقبلاً، اعتقد أنه يحتاج إلى دراسات، لكون قطر بلداً محدود السكان، وثرواته تستوعب الآخرين، والمعارضة الداخلية ليست بالحجم الكبير المؤثر حتى الآن، لكن هناك تنافس داخل أركان النظام وهو ما يقلق الأمير تميم.

* الموقف الإيراني الآن مؤيد للإجراءات القطرية، ومن بينها الاستدعاء العسكري لتركيا.. كيف ترى الوضع مستقبلاً حال التوصل إلى حلول للأزمة؟

– بلا شك إيران تعلن دعمها للموقف القطري على كل المستويات، بما في ذلك التواجد العسكري التركي، وأعتقد أن استدعاء إيران على خط الأزمة ناجم عن عدم وجود رؤية استراتيجية لدى قطر، بقدر ما لديها ازدواجية في الرؤى، فمنذ فترات طويلة النظام القطري يتعامل مع دول الخليج، ويمد يده أيضاً مع أعداء دول الخليج قبل الأزمة.

التناقض التركي – الإيراني قادم وبصورة كبيرة، رغم المصالح الاقتصادية بين الطرفين، والميزان التجاري المرتفع، والأمور ستحتدم بينهما عند نقاط حادة، من سيكون له النفوذ في دائرتين هما العراق وسوريا؟ لما لهما من درجة أهمية للبلدين، وهنا سيحدث التناقض التركي – الإيراني، الذي لن يسمح لأي دور لقطر على هذا المستوى.

* ما انعكاس السلوك القطري الحالي من استدعاء قوات أجنبية على المنطقة عسكرياً وسياسياً؟

– السلوك القطري لن يحدث تغييراً عسكرياً، لأن قطر أصغر من أن تقدم على أي عمل عسكري معاد حتى في ظل استدعائها لقوات أجنبية، خاصة أن هناك قاعدة مركزية أمريكية، كما ترتبط أمريكا بعلاقات قوية مع الدول العربية الأربع المقاطعة لقطر، كما أن الوجود التركي لن يغير من موازين القوى بالمنطقة، لأن عدد القوات التركية قليل، وتركيا ذاتها أكدت أن قواتها في قطر ليست موجهة لعمل عدائي مع أي دولة في الخليج، كما أن المصالح التركية مع دول الخليج أكبر من أن تضحي بها من أجل قطر. غير أن تركيا ترغب في إبقاء هذه القاعدة لاستثمارها كورقة يمكن أن تتنازل عنها مستقبلاً لإرضاء دول الخليج، ومن ثم تحقيق مكاسب ثنائية، غير أن وجود القاعدة التركية في قطر من شأنه إعطاء انعكاسات سلبية على المستوى السياسي مع دول الخليج، لذلك فإن جولة أردوغان للرياض والدوحة هي محاولة لشرح الموقف التركي، وأعتقد أن تركيا أخطأت التقدير حين وافقت على أن تأتي بقوات إلى قطر، ولم تتذكر الموقف الإماراتي المساند لها ضد جماعة فتح الله جولن.

المصدر: الخليج