الاحتراق الذاتي

أخبار

لفتني بقوة تقرير وثائقي شاهدته حديثا عن رصد لتجارب أناس التهمت أجسادهم نار جعلت بعضهم رمادا لا يصلح حتى للدفن، ونجا آخرون ببدنهم منها مع بعض الآثار الجلية على الجسد. هذه النار لم تأتِ من عوامل خارجية قط، وهو ما جعل هذه القضايا لغزا للعلماء والمحققين بحوادث الحرائق الذين وقفوا مدهوشين أمام ضحايا الاحتراق الذاتي. أما الاحتراق الذاتي فيعرف علميا على أنه حالة احتراق داخلي للجسم دون أي عامل أو مسبب خارجي ويحدث على مستويات خفيفة كحروق بسيطة أو بثور أو مستويات كبيرة كالاحتراق الكامل المؤدي للموت. أسبابه محل دراسات كبيرة، النتائج اختلفت باختلاف الحالات التي تم تسجيلها مصابة باحتراق ذاتي. وهناك، بالمناسبة، تساؤلات كبيرة حول حقيقة هذه الظاهرة أو زيفها، إمكانية حدوثها لأي شخص تحت أي ظرف أم لا.

وأنا أشاهد هذا التقرير خطرت لي أفكار كثيرة بعضها كانت متعلقة بما رأيت وأخرى ليست كذلك. وتذكرت حينها قصة الشاب التونسي الذي حرق جسده بيديه لينهي حياته ويعلن بدء عصر جديد يسمى “الربيع العربي” أو “ربيع الثورات العربية” أو ما شابه. ذلك الشاب حرق نفسه أيضا لكن الفرق هو أن احتراقه الذاتي سبقه احتراق داخلي لم تظهر ندباته على جسد الضحية، لذا وحينما شعر أن أحدا لم يشعر باحتراقه الداخلي قرر أن يفعل ذلك بنفسه. ربما لم يكن واعيا، وربما كان بكامل وعيه حين فعل، لكن الحقيقة أن هذا الحريق الذي نشب بجسده سبقه حريق أشد حرقة على نفسه جراء الظلم الذي يعيشه.

والأمثلة كثيرة، فعلماء النفس كثيرا ما حذرونا من عواقب الغضب وكتمانه، والحزن، وضيق النفس. وأذكر حين كنت في السادسة أنني كنت غاية في الغضب بسسب علاماتي الناقصة, وسوء العيش تحت ظروف الحرب وأسباب أخرى. توجهت إلى مرشدتنا التربوية المدرسية التي نصحتني أن أمسك وسادتي وأصرخ بها ما استطعت لأنفّس الغضب والحزن بداخلي. وكانت طريقة مجدية صدقا واعتمدتها حتى اليوم لأن الإرهاق النفسي أشد فتكا بالجسد من الإرهاق الجسدي. وهذا ما حدث فعلا في غالب الشعوب التي ثارت. شيء من الغضب غير المحمود جراء الظلم وحبس الحرية ولدت هذه الظروف رغبة بالثورة لأن الكتمان بالضرورة كان سيؤدي لنتائج أعظم.

حنين عساف
‫لمزيد من المعلومات عن الكاتب انقر هنا