«الروهينجا».. مأساة قديمة متجددة لـ«شعــب مسلوب الهوية»

أخبار

مرة أخرى، تتجه الأنظار إلى حدود بنجلاديش التي تشهد مأساة نزوح عشرات الآلاف من أقلية الروهينجا المسلمة من ولاية أراكان (راخين) في ميانمار (بورما سابقاً) المجاورة، في أزمة قديمة متجددة يدفع ثمنها الأبرياء بشراً وحجراً ولجوءاً في مخيمات عشوائية تهددها فيضانات الأمطار الغزيرة والأمراض. بينما يقف العالم شاهداً لا يتحرك إلا بلغة الإدانة والاستنكار للعنف ونبذ الطائفية.

الروهينجا.. نظرة تاريخية

شعب الروهينجا، أو الروينجا، قومية عرقية تنتمي إلى عائلة الشعوب الهندية وتقطن في ولاية أراكان (راخين) غربي ميانمار (بورما سابقاً)، يبلغ تعدادهم، بحسب الكثير من التقديرات الرسمية، نحو 1.1 مليون نسمة من أصل نحو 1,5 مليون موزعين في عدد من الدول بينها بنجلاديش، ماليزيا، باكستان، تايلاند، والهند، وتعتبرهم الأمم المتحدة بأنهم أكثر الأقليات اضطهاداً في العالم.

يعتقد البعض أن مصطلح روهينجا مشتق من الكلمة العربية رحمة، ويعود إلى سفينة عربية تحطمت بالقرب من جزيرة رامري بها تجار عرب، وقد أمر ملك أراكان بإعدام التجار العرب الذين كانوا يصيحون: «الرحمة الرحمة»، فأطلق على هؤلاء الناس اسم «راهام»، ومع مرور الزمن تبدل المصطلح إلى رهوهانج ثم روهينجا. لكن هذا التفسير التاريخي لا يجد سنداً قوياً، فقد خالفه كل من جهير الدين أحمد الرئيس السابق لمؤتمر مسلمي بورما والسكرتير السابق للمؤتمر نظير أحمد، اللذان يعتقدان أن موطن أسلاف الروهينجا هو الروها في أفغانستان، فيما يرى بعض المؤرخين أن مصطلح الروهينجا لم يكن موجوداً قبل سنوات، بل جاء من أسلاف البنجاليين سنة 1950 الذين هاجروا إلى أراكان فترة العهد البريطاني. لغة الروهينجا من اللغات الهندوأوروبية وهي مرتبطة لغوياً بلغة شيتاجونج المستخدمة في الجزء البنجلاديشي الجنوبي المحاذي لميانمار. وقد تمكن علماء الروهينجا بنجاح من كتابة لغتهم في نصوص مختلفة، مثل العربية والأردية والرومانية والبورمية. ووفق الكثير من المؤرخين ظهرت مستوطنات المسلمين في أراكان منذ وصول العرب إلى هناك في القرن الثامن ميلادي. ويعتقد أن السلالة المباشرة من المستوطنين العرب يعيشون الآن في وسط مركز أراكان موطن أغلبية الروهينجا.

تاريخ من الاضطهاد

طبقاً لبعض المصادر التاريخية، كان للمسلمين حضور بارز ولاسيما في القرن السابع عشر، حيث استمر ملوك أراكان في الحفاظ على الألقاب الإسلامية، كما استمروا في توظيف المسلمين في المناصب المرموقة وعملوا كتبة في المحاكم الأراكانية للغات البنجالية والفارسية والعربية. ومع أن أراكان استمرت بوذية في أغلبها إلا أنها اعتمدت أسلوبا إسلاميا. وكغيرها من مناطق العالم تعرضت أراكان لاحتلالات أجنبية، منها الغزو البورمي سنة 1785 الذي أجبر الآلاف على الفرار إلى مقاطعة شيتاكونج المجاورة التابعة للبنجال هرباً من اضطهاد البورميين وطلبا لحماية الهند البريطانية آنذاك.

وتشير بعض المصادر إلى أن أول ظهور لاضطهاد المسلمين لأسباب دينية وقعت في عهد الملك باينتوانغ 1550 – 1589 فبعد أن استولى على باغو في 1559 حظر ممارسة الذبح الحلال للدجاج والمواشي بسبب التعصب الديني، وأجبر بعض الرعايا للاستماع إلى الخطب والمواعظ البوذية سعياً لتغيير دينهم بالقوة. ومنع أيضاً عيد الأضحى وذبح الأضاحي من الماشية. واستمرت مشاعر الكراهية للهنود وللمسلمين معاً بعد الحرب العالمية الثانية في حكم الإنجليز، ففي سنة 1921 كان في بورما نصف مليون مسلم، ونصف الهنود الموجودين فيها كانوا مسلمين، وبالرغم من الاختلاف بين مسلمي بورما وبين الهنود المسلمين، إلا أن البوذيين قد وضعوهم في خانة واحدة وأضافوا إليهم هندوس الهند وأطلقوا عليهم جميعا لقب كالا، في إطار التمييز العنصري الممنهج ضدهم.

لا جنسية.. وولاية معدومة

وتندرج ميانمار في عداد الدول ذات التنوع العرقي، حيث يوجد في البلاد ثماني طوائف إثنية وطنية، هي، طائفة بامار التي تشكل ثلثي السكان تقريباً، وطائفة تشين، وطائفة كاتشين، وطائفة كاباه، وطائفة كابين، وطائفة مون، وطائفة راخين، وطائفة شان. ويشكل البوذيون نحو 90 في المئة من السكان، فيما يشكل المسلمون نحو 4 بالمئة، مقابل 4 بالمئة للمسيحيين، و2 بالمئة من الهندوس. ويشكل الروهينجا، أكبر نسبة من المسلمين في ميانمار، وهم طائفة مضطهدة بكل المقاييس الاجتماعية والسياسية والقومية، حتى أن سلطات ميانمار حظرت اعتبارهم من السكان خلال أول تعداد للسكان بعد ثلاثين عاما، في عام 2014.

وتعد أراكان (راخين) الولاية التي يعيش فيها أغلب المسلمين الروهينجا، من أكثر الولايات فقراً في البلاد، كما أنها تعاني من نقص ملحوظ في الخدمات والبنية التحتية، نظراً لإهمال يبدو متعمداً من قبل حكومة ميانمار، ناهيك عن النظرة التي تغذيها الحكومة بأن الروهينجا ليسوا من سكان البلاد الأصليين، وأنهم ليسوا سوى بنجاليين، وصلوا إلى ميانمار عبر هجرة غير شرعية، وهذه النظرة دفعت بالحكومات العسكرية في ميانمار إلى اضطهاد الروهينجا، أو غض النظر عن الممارسات التي قد تمارسها الطوائف الأخرى ضدهم.

حملة الإبادة 2012

وعلى الرغم من أن الاضطهاد الذي تعرض له شعب الروهينجا قديماً والذي يعود إلى عشرات السنين، دفع خلالها هذا الشعب الكثير دمه، ومعاناته ثمناً للقمع والتسلط، إلا أن عام 2012 يعد مرحلة بارزة في تاريخ معاناتهم، ففي هذا العام اندلعت أحداث دموية عبر محاولات الإبادة والقتل والتهجير القسري والحرق والاغتصاب التي تجددت على شعب الروهينجا في أراكان. ونتج عن هذه الجرائم والاعتداءات سقوط عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، بالإضافة إلى وقوع مئات حالات الاغتصاب للنساء ونزوح مئات الآلاف من السكان الذين أحرقت قراهم وصودرت ممتلكاتهم.

تاريخ معقد للأقليات

ويعد تاريخ الأقليات في ميانمار معقداً ومثيراً للجدل، فعلى الرغم من الاتفاق الذي وقع في مؤتمر باندونغ عام 1947، والمتضمن إنشاء دولة اتحادية على أساس الانتماء الطوعي والمساواة السياسية، إلا أن ميانمار تحولت إلى كيان تهيمن عليه طائفة بامار الإثنية، وغدت مع الزمن ساحة لصراعات ونزاعات مسلحة بين العديد من الطوائف لا سيما بعد وصول العسكر إلى الحكم عام 1962.

ورغم أن ميانمار شهدت بعض التحول منذ عام 2011، بعد عقود من سيطرة العسكر، توجت في انتخابات عام 2015 ونقل السلطة إلى حكومة مدنية، وهو ما كان بصيص أمل لدى الروهنيجيين، إلا أن المؤسسة العسكرية احتفظت بنفوذ كبير لا سيما في البرلمان. وبدلاً من أن ينعكس التغيير الديمقراطي إيجاباً على الحياة السياسية، تم استبعاد المسلمين من خوض انتخابات البرلمان. وفي وقت خلُص مراقبو الانتخابات عام 2015 إلى أن عملية الاقتراع وإحصاء الأصوات تمت بشفافية، نسي أو تناسى أولئك المراقبون حرمان الروهينجا من المشاركة في الانتخاب.

ووسط تهليل العالم بديمقراطية الانتخابات واستقبال زعيمة المعارضة البورمية الناشطة في حقوق الإنسان أونج سان سو كي رئيسة للوزراء معتبرين أن خلفيتها الحقوقية داعم أساسي للقضية المنسية (الروهينجا) وبمثابة آمال جديدة بتغيير حقيقي في حياة الروهينجي، إلا أن الآمال تبددت بعد تصريحات سوكي بشأن الملف، معتبرةً أن أعمال العنف الطائفية التي وقعت في بلادها ضد الروهينجا لا ترقى إلى مرتبة التطهير العرقي!.

عصابات البوذيين

وتكشف العديد من التقارير الدولية تواطؤ نظام ميانمار ضمنياً على الأقل مع عصابات البوذيين في شنّ عمليات تطهير عرقي وقتل وحشي وإبادة جماعية وتهجير قسري واغتصاب للفتيات المسلمات، في عمليات ممنهجة، تهدف إلى تهجير الروهينجا من ميانمار. إذ اعتبرت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 2016، أن أقلية الروهينجا قد تكون ضحية جرائم ضد الإنسانية، وتحدثت عن ارتكاب قوات الأمن عمليات اغتصاب جماعي وتعذيب وقتل. مؤكدةً أن نحو 34 ألفاً فروا من منازلهم، وتم تدمير مئات المباني.

وفي محاولة منها لإخفاء جريمتها، حظرت السلطات في ميانمار على الصحافيين الأجانب والمحققين المستقلين دخول المنطقة للتحقيق في الجرائم. ورأت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين أن معاملة ميانمار لـ»الروهينجا» يمكن أن تنحدر إلى جرائم ضد الإنسانية، مؤكدة ما تضمنه تقرير في يونيو 2016، حيث تكتظ معسكرات النازحين بأكثر من 120 ألفاً من الروهينجا منذ اندلاع العنف عام 2012. وقالت المفوضية في بيان: «إن الحكومة أخفقت في تنفيذ التوصيات الواردة في تقرير مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الذي تحدث عن احتمال أن يرقى مستوى الانتهاكات ضد الروهينجا إلى جرائم ضد الإنسانية». ولفت التقرير إلى اتهام قوات الأمن بإعاقة المحاسبة والعدالة وحفر المقابر الجماعية من أجل طمس الأدلة على ما وقع من جرائم.

لاجئو «الروهينجا»

رغم الاعتراف بـ «الروهينجا» في مارس 2017، بحسب قرار أصدره مجلس حقوق الإنسان، إلا أن هذا لم يمنع السلطات في ميانمار (بورما سابقاً)، من ممارسة أعمال العنف والقتال ضدهم.

العام .. عدد اللاجئين

1978 .. 200 ألف

1993 .. 220 ألفاً

1997 .. 180 ألفاً

2001 .. 190 ألفاً

2006 .. 200 ألف

2009 .. 400 ألف

2012 .. 400 ألف

2013 .. 420 ألفاً

2014 .. 430 ألفاً

2017 .. 107 آلاف

المصدر: الاتحاد