السعودية رقم عالمي مؤثر في معادلة النفط التقليدي.. والغاز الصخري

أخبار

على عكس الحال في الغرب، ليست العقبات التي تواجه تطوير الغاز الصخري في المملكة العربية السعودية سياسية، لكنها هيكلية واقتصادية. سوف تستغرق خطط المملكة العربية السعودية للتنقيب عن احتياطيها الضخم من الغاز الصخري – الذي ربما يحتل المرتبة الخامسة بين أكبر احتياطيات العالم – أعواما. وسوف يتوقف نجاح هذا المشروع على الجدوى الاقتصادية، لا سيما في ما يتعلق باحتياطي المياه المحدود الذي قد يتطلب توسيعا في إمكانات التحلية.

ربما يصبح الغاز الصخري السعودي عامل تغيير لقواعد اللعبة بالنسبة للدولة وأسواق النفط في العالم. فقد تسمح التكنولوجيا الناشئة للدولة في نهاية المطاف بزيادة إنتاجها غير الكافي من الغاز الطبيعي بصورة هائلة، والذي يستنزف بشكل غير مباشر عائدها من النفط، فيما تزداد النفقات الحكومية. ويعتبر العرض المحدود من الغاز من التحديات التي تواجهها المملكة العربية السعودية، وتزداد المشكلة سوءا مع ارتفاع حجم الطلب المحلي نتيجة زيادة تعداد السكان والتوسع الاقتصادي. ومن ثم، يعتبر التنقيب عن الغاز الصخري (أو أي مصدر غاز طبيعي، لهذا السبب) أمرا ملحا. ويتعين على المملكة العربية السعودية استهلاك نحو ربع إنتاجها من النفط البالغ 10 ملايين برميل يوميا لتلبية الطلب المحلي، ويعتبر نصيب الفرد فيها أكبر من أي دولة صناعية أخرى. ويعد استهلاكها من النفط بالنسبة إلى ناتجها الاقتصادي ضعف المتوسط العالمي.

يقول بول ستيفنز، زميل أبحاث الطاقة رفيع المستوى في «تشاتام هاوس»، المركز البحثي الكائن في المملكة المتحدة، وخبير الاقتصاد السياسي بالشرق الأوسط «الاستنتاج الواضح هو أنهم مهتمون بإحلال الغاز في محطات الطاقة محل النفط. يمكنهم تحقيق المزيد من المكاسب من بيع النفط. إنه تفكير جديد». ويقول الدكتور ستيفنز «إذا أرادت الحكومة تطوير الغاز الصخري لديها بشكل أسرع، فسوف تفعل. ليس الحال مثل أوروبا، حيث توجد معوقات تنظيمية. العائق هناك هو المياه، لكن بمقدورهم التغلب عليه».

بالطبع هناك بدائل عدة للغاز الصخري، من تطوير طاقة نووية أو متجددة إلى تقليل حجم الدعم الحكومي الضخم أو استيراد الغاز. لكن أيسر الخيارات – وربما أقلها تكلفة – هو إنتاج المزيد من الغاز في أرض الوطن. من دون المزيد من الغاز، سوف تصبح هناك قيود متزايدة على خبراء النفط السعودي والعائد منه، إضافة إلى قدرة المملكة العربية السعودية على الاحتفاظ بتأثيرها الجيوسياسي والاقتصادي العالمي. وقد خصصت الحكومة السعودية 130 مليار دولار للمساعدات و500 مليار دولار لمشروعات البنية التحتية لتحفيز الاقتصاد. «لدينا تقديرات تقريبية لـ600 تريليون قدم مكعب من الغاز الصخري غير التقليدي. إن الإمكانات هائلة جدا، ونحن نخطط لاستغلالها»، هذا ما قاله وزير البترول والثروة المعدنية السعودي، علي النعيمي، في وقت سابق من هذا الشهر. وقال إن التنقيب الاستكشافي سوف يبدأ هذا العام. وفي غياب أي بديل آخر يغير قواعد اللعبة، يمكن أن تكون احتياطيات الغاز الصخري الجواب عن التحديات المتزايدة التي تواجه الطاقة في المملكة العربية السعودية. يقول الدكتور ستيفنز «إنها مسألة تتعلق بالعثور على بدائل لتوليد الطاقة. ما حجم الطاقة التي سيتطلبها استخراج الغاز من الأرض؟ ربما تشير الحسابات إلى أن هذا إجراء يستحق القيام به، لا سيما إذا كان بإمكانهم تحرير النفط».

وتتمثل العقبة الوحيدة في الشك إزاء الجدوى الاقتصادية لمثل هذا المشروع. يتم استخلاص الغز الصخري من التكسير الهيدروليكي، وهو عبارة عن تكنولوجيا تعتمد على استخدام الطاقة والماء بكثافة والتي تقوم بدفع الماء والرمال والمواد الكيميائية المضغوطة في آبار رأسيا وأفقيا في تكوينات صخرية.

يقول منوشهر تاكين، وهو محلل بترول بارز متخصص في التنقيب والإنتاج بمركز دراسات الطاقة العالمية الكائن في لندن «لديهم الموارد والخبراء والمال، ومن ثم، يمكنهم التنقيب عن الغاز الصخري. أما عما إذا كانوا سيقومون بتطويره، فسوف يتوقف هذا على التكاليف في ذلك الوقت».

سوف تعتمد جدوى إنتاج الغاز الصخري بدرجة كبيرة على الأحجام الحقيقية للإنتاج، التي ستظل غير معروفة على مدى أعوام. يجب أن يكون الحجم ضخما، نظرا لأن أي جزء من غاز مستخلص سوف يتعين عليه في البداية توفير توليد الطاقة وثيق الصلة وإمكانات تحلية المياه المطلوبة. وبمجرد توفير كل عناصر البنية التحتية الإضافية اللازمة لتوصيل مصادر الاحتياطي البعيدة إلى الأسواق، سيكون السؤال الأحدث المطروح أمام المسؤولين هو ما إذا كان تطوير الغاز الصخري ذو التكلفة المرتفعة مجديا سياسيا واقتصاديا أكثر من البدائل الأخرى أم لا. ويزداد طلب السوق السعودية على الغاز، ومن أسباب ذلك التوسع السريع في صناعة البتروكيماويات والطاقة وتحلية المياه. فضلا عن ذلك، سيستمر غياب بدائل لتوليد الطاقة الكهربائية والحاجة إلى زيادة قدرة مشاريع تحلية المياه، وأيضا الدعم الحكومي الكبير للطاقة سواء في القطاع المنزلي أو الصناعي، في الحد من قدرات المملكة العربية السعودية في مجال تصدير النفط. ويبلغ الاحتياطي التقليدي السعودي 290 ألف متر مكعب، ويعد بذلك خامس أكبر احتياطي في العالم بعد روسيا وإيران وقطر والولايات المتحدة، لكن الجزء الأكبر من هذا الاحتياطي يرتبط بمشروعات إنتاج النفط. ويعني هذا أن نمو المخرج مقيد. كذلك ستتزايد تلبية الطلب من خلال نمو المخرج الذي تفوق تكلفته إنتاج النفط التقليدي لأنه سيكون على شكل غاز يحتوي على نسبة عالية من الكبريت، ويوجد قبالة الشواطئ ويحتاج تكرير وبنية تحتية. ويمكن للغاز الصخري الموجود في الصحراء تغيير ديناميكية الطاقة في المملكة العربية السعودية، حتى لو تطلب الأمر استثمارات ضخمة في الطاقة وتحلية المياه. وتدير مؤسسات بارزة في مجال تكنولوجيا التصديع الهيدروليكي مثل «هاليبرتون»، و«بيكر هيوز»، و«شلمبيرغر»، مراكز بحثية بالفعل في المملكة العربية السعودية.

وتمثل عملية التطوير الطويلة ميزة لأن تكلفة الطاقة والمياه اللازمة لعملية التصديع الهيدروليكي في السعودية سوف تستمر في الانخفاض مع تحسين التكنولوجيا للكفاءة المائية للتصديع الهيدروليكي والطاقة وتكلفة تحلية المياه. ويتمثل التحدي في جعل عملية تطوير الغاز الصخري مجدية.

لن يكون العمل على التساوي بين التكلفة والعائد هو العنصر الأوحد، حيث تعتمد المعادلة كذلك على كمية النفط التي سيتم اجتزاؤها من الاستهلاك المحلي للتصدير، وكذلك على الأسعار العالمية. وسيكون الوعي السياسي بزيادة سعر الاستهلاك أحد العوامل أيضا. ومن السابق لأوانه تحديد الدور الذي سيلعبه الغاز الصخري. يقول الدكتور تاكين «ليس هذا سوى حدس، فمن السابق لأوانه جدا الحديث عن الأمر. إنهم بحاجة إلى العثور على كميات كبيرة يمكن إنتاجها بتكلفة منخفضة».

من المعروف أن الرياض تواجه بعض الخيارات الصعبة خلال العقد الحالي، فعليها التكيف مع تزايد العرض العالمي، خاصة من الولايات المتحدة والعراق. سيكون العرض كبيرا في أسواق النفط خلال العقد الحالي رغم الطلب القوي من الدول النامية، مما يشكل ضغطا سلبيا على الأسعار العالمية. وستؤدي اقتصادات الدول الناشئة، بما فيها دول الشرق الأوسط، لكن بقيادة الصين، إلى زيادة سريعة في الطلب، لكن سوف يعزز العرض الإضافي لأميركا الشمالية والعراق، المخرج بشكل كبير على مدى العقد وستزداد سعة السوق.

لقد ألغى الإنتاج الأميركي من النفط سنوات من صافي الخسارة غير الكافية، وللمرة الأولى منذ سنوات ستفوق مكاسب الإنتاج العالمي مكاسب الطلب عام 2013، وسوف يتم بناء مخزون. لن تنخفض الأسعار بسبب التكلفة المرتفعة للإنتاج المرتبطة بالمخرج الجديد الذي سيظهر تدريجيا خلال العقد الحالي، سواء من مصادر غير تقليدية مثل تلك التي توجد على شكل تكوينات من الغاز الصخري أو من التنقيب في المياه العميقة. وتعد المملكة العربية السعودية من أكثر تلك المصادر المرجحة. وهناك احتمال كبير أن يتعين على المملكة العربية السعودية امتصاص خفض المخرج لتعويض مكاسب سعة الإنتاج في دول أخرى تابعة لمنظمة الدول المصدرة للنفط «الأوبك» خاصة العراق بحسب «أوراسيا غروب» المؤسسة التي تعمل في مجال استشارات المخاطر.

كذلك سوف يزيد ويحفز أي إلغاء للعقوبات المفروضة على إيران، الذي من شأنه أن يضيف الإنتاج الإيراني إلى السوق، هذا التأثير كما ترى الشركة. وسيتعين على السعودية إن آجلا أم عاجلا مواجهة التحديات التي يفرضها المشهد الجديد. وفي مثل هذه السوق يمكن للغاز الصخري أن يصبح الأفضل بين الكثير من الخيارات الأقل جاذبية.

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط