الصين تدعم التعاون الاقتصــــادي والشــراكة والسلام في المنطقة

أخبار

في خطاب ألقاه أمام جامعة الدول العربية في القاهرة يناير 2017، وصف الرئيس الصيني شي جين بينغ، رؤيته دور الصين في الشرق الأوسط بأنها تعتمد على تصور مفاده «بدلاً من أن نرسل وسطاء للشرق الأوسط، فإننا نشجع على الدفع قدماً بمحادثات السلام، وبدلاً من السعي لتحقيق نفوذ في المنطقة، فإننا ندعو جميع الأطراف للانضمام إلى دائرة الأصدقاء المنضوين تحت مبادرة الحزام والطريق؛ وبدلاً من محاولة ملء (الفراغ)، فإننا نبني شبكة شراكة تعاونية لتحقيق نتائج مفيدة للجميع».

بديل جديد

وفي ظل ازدرائه السياسة التقليدية للقوى العظمى في الشرق الأوسط، قدم الرئيس بينغ، الصين كبديل جديد قابل للحياة: قوة عظمى فريدة في المنطقة، تستخدم أساليب جديدة لتسوية المشكلات العصية. ويزداد توسع الصين الاقتصادي في الشرق الأوسط من خلال وارداتها النفطية، وصادراتها من الآلات والمنسوجات، ومبادرة الحزام والطريق، الطموحة التي وصفت بأنها أهم ميزة للسياسة الخارجية في عهد بينغ، والتي تهدف إلى إعادة البناء التدريجي لشبكة طريق الحرير الأسطورية للتجارة، والتي امتدت من الصين عبر آسيا الوسطى والشرق الأوسط إلى إفريقيا وأوروبا. وحافظت البلاد لعقود على سياسة «عدم التدخل» في الشرق الأوسط، وهي منطقة تظل فيها الولايات المتحدة اللاعب الرئيس. واليوم تحتل بكين موقع الصديق الفريد لجميع قادة الشرق الأوسط، ولا تعادي أيّاً منهم.

إلا أن تحركاتها الأخيرة قد تشير إلى سعي الصين لمشاركة دبلوماسية وأمنية أكبر في المنطقة. في عام 2016 وحده، بدأت الصين ببناء أول قاعدة عسكرية أجنبية في جيبوتي بالقرب من اليمن، وأصدرت أول «ورقة سياسية عربية»، وعينت مبعوثاً خاصاً للأزمة السورية. وهي تحتل حالياً المرتبة الـ15 في قائمة موردي الأسلحة إلى المنطقة، وتزيد مبيعاتها باطراد، ووقعت للتو اتفاقية لإنشاء مصنع لإنتاج طائرات بدون طيار في المملكة العربية السعودية، وهو المصنع الثالث فقط من نوعه خارج الصين، والأول في الشرق الأوسط. وقبل زيارة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى الصين في 16 مارس العام الماضي، اقترح وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، أن تقود بكين جهوداً دبلوماسية، وتلعب دور الوسيط في المحادثات بين السعودية وإيران، حيث إن هاتين الدولتين الإقليميتين المتنافستين تربطهما علاقات قوية مع الصين.

• اليوم تحتل بكين موقع الصديق الفريد لجميع قادة الشرق الأوسط، ولا تعادي أيّاً منهم.

• يتفق معظم المحللين الصينيين على أن الأولوية الأولى للسياسة الخارجية في بكين، هي تعزيز مصالحها الاقتصادية، ويبدو أن هذا ينطبق على سياسة الصين في الشرق الأوسط.

لقد أصبح وضع الصين كقوة عالمية صاعدة واضحاً الآن، ويتمثل ذلك في براعتها الاقتصادية، وقوتها العسكرية المتنامية. وموقفها الراسخ للغاية في آسيا، وأصابت تدابيرها في الآونة الأخيرة في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي صانعي السياسة الأميركيين بالقلق.

ويرى محللون أن دور الصين المتنامي في الشرق الأوسط يحاول ملء الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة، في ظل إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما. ومع ذلك، فإن هذه التدابير يمكن فهمها على نحو أكثر دقة كخطوات تدريجية تمثل استثماراً متعمقاً في منطقة استراتيجية، وليس بالضرورة خطة صينية لمد نفوذها في الشرق الأوسط.

لعبت الصين تاريخياً دوراً أمنياً ودبلوماسياً محدوداً في الشرق الأوسط، إلا أن الجدل الأخير، الذي دار في مجتمع السياسة الخارجية الصينية يعكس اهتمامها المتزايد في الاتجاه نحو الغرب الجغرافي.

المقال الذي انتشر على نطاق واسع عام 2012، والذي كتبه العالم السياسي الصيني البارز، وانغ جيسي، يقترح استراتيجية جديدة: «في الوقت الذي تتجه فيه الولايات المتحدة لخلق محاور لها شرقاً، وتتطلع كل من أوروبا والهند وروسيا أيضاً إلى الشرق، يجب أن يكون لدى الصين خطة استراتيجية للاتجاه نحو الغرب». وكان هذا المقال هو الأبرز من بين العديد من الموضوعات التي تدور حول الفكرة نفسها، حيث طفق جميع المحللين والباحثين الصينيين في إعادة تقييم استراتيجية بكين الكبرى، من زاوية التركيز الأساسي نحو الشرق، والسعي لنهج أكثر توازناً في كلا الاتجاهين. قد يكون الاتجاه نحو آسيا الوسطى والشرق الأوسط في جزء منه محاولة لفحص وموازنة الأنشطة الغربية في الشرق الأقصى. ومثلما ترى الولايات المتحدة الصين قوة رجعية، فإن الصين تشعر بالقلق من تحركات الولايات المتحدة لتعزيز تحالفاتها مع أستراليا واليابان والفلبين، بالإضافة إلى رؤيتها لماليزيا وسنغافورة وفيتنام كشركاء جدد.

الورقة الأولى

أصدرت بكين في يناير، 2016 أول «ورقة عن سياستها حيال العرب»، وذلك من أجل «ترقية العلاقات الصينية العربية لمستوى جديد وأعلى»، وتؤكد الورقة عزمها على زيادة التعاون العسكري والتبادل مع الدول العربية، بما في ذلك الجنود والأسلحة والتقنيات. وتعلن الورقة رغبة الصين في زيادة التعاون «للتصدي بشكل مشترك لخطر الإرهاب الدولي والإقليمي»، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخبارية. كما أنها تعزز التزام الصين بعمليات مكافحة القرصنة، وتقول إنها ستواصل إرسال سفن حربية إلى خليج عدن والمياه الصومالية. واستشهدت الصين في الورقة بعملياتها الشاملة لمكافحة القرصنة في خليج عدن، كواحد من الأسباب الرئيسة وراء قرارها بناء أول قاعدة بحرية لها في الخارج في جيبوتي.

الحزام والطريق

مشروع الصين «حزام واحد طريق واحد»، المعروف أيضاً باسم «مبادرة الحزام والطريق»، هو خطة طموحة لإعادة بناء الشبكة القديمة من الطرق التجارية التي تمتد غرباً من الصين عبر آسيا الوسطى والشرق الأوسط إلى إفريقيا وأوروبا، والمعروفة باسم طريق الحرير. وأطلقت بكين المشروع في عام 2014، باستثمار 40 مليار دولار، وتركز الاستثمار بشكل كبير على تطوير البنية التحتية، وأنابيب الغاز والنفط في جميع أنحاء آسيا الوسطى. وكجزء من المشروع تولت الصين في 2015 إدارة ميناء جوادر الاستراتيجي في باكستان، الذي سهل لها الوصول إلى مضيق هرمز (الذي يتم من خلاله نقل 20٪ من النفط الخام في العالم)، والخليج العربي. وبدأت تظهر علامات طريق الحرير الآن في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى نقاط اتصال مهمة في إيران، ومصر، وإسرائيل.

العلاقات الإقليمية

يتفق معظم المحللين الصينيين على أن الأولوية الأولى للسياسة الخارجية في بكين، هي تعزيز مصالحها الاقتصادية، ويبدو أن هذا ينطبق على سياسة الصين في الشرق الأوسط. وخلال زيارة الملك سلمان الأخيرة إلى بكين، قال الرئيس بينغ، «إن الحل للعديد من القضايا في الشرق الأوسط يكمن في التنمية». (وقعت الدولتان على مذكرة تفاهم بقيمة 65 مليار دولار للتعاون الاستثماري خلال تلك الزيارة)، وتعتبر الصين أكبر مصدر للسلع لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ وأكبر مستورد للنفط من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ 2010. ويرتفع ارتباطها الاقتصادي مع أقرب حلفائها في المنطقة، وينمو بالنسبة للآخرين.

لدى الصين، بصفتها أكبر مستورد للنفط في العالم، علاقات جيدة مع أكبر دولة مصدرة للنفط، وهي المملكة العربية السعودية. ونمت صادرات النفط السعودية إلى الصين بشكل كبير خلال العقدين الماضيين لتلبية الطلب المتزايد لهذه الدولة الآسيوية، وكانت المملكة العربية السعودية هي المصدر الرئيس للنفط للصين منذ عام 2002 إلى أن تفوقت عليها روسيا للمرة الأولى العام الماضي (بقيت المملكة العربية السعودية في المرتبة الثانية)، وظهرت تقارير خلال رحلة الملك سلمان إلى بكين في مارس تتنبأ بأن الصين قد تصبح المستثمر الرئيس في الطرح العام الأولي المزمع لشركة النفط المملوكة للسعودية (أرامكو).

الصين كمورد للأسلحة للشرق الأوسط

واعتمدت المملكة السعودية طويلاً على الصين في شراء الأسلحة، وهي علاقة تجارية نمت بمرور الوقت. وبدأت الرياض بشراء صواريخ بالستية صينية متوسطة المدى في الثمانينات من القرن الماضي، وهي أسلحة لا يرغب موردها الأول، وهو الولايات المتحدة، في بيعها بسبب معارضة إسرائيل. واليوم، تواصل الصين تزويد المملكة العربية السعودية بالأسلحة التي لا تستطيع شراءها من الولايات المتحدة، بما في ذلك الطائرات بدون طيار، التي يمكنها حمل الكاميرات والصواريخ. وفي احتفال أقيم في يناير، كشفت المملكة العربية السعودية عن إحدى طائراتها الصينية من طراز CH-4 بدون طيار، مسلحة بما لا يقل عن صاروخين صينيي الصنع.

وهذا يضيف المملكة السعودية إلى القائمة القصيرة للدول التي تمتلك طائرات مسلحة بدون طيار. كما أن الصين على وشك الانضمام إلى القائمة الأقصر للدول التي تنتج هذه الطائرات. وأعلنت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في المملكة العربية السعودية عن اتفاقية شراكة مع شركة الصين للعلوم والتكنولوجيا الفضائية، لتصنيع طائرات بدون طيار صينية الصنع في المملكة العربية السعودية، وهو أول مصنع من نوعه ترخصه الصين في الشرق الأوسط، والثالث فقط خارج الصين. أما المصنعان الآخران فهما في باكستان وميانمار. وسيتم استخدام الطائرات بدون طيار لأغراض عسكرية ومدنية على حد سواء، وسيتم تسويقها إلى بلدان أخرى في المنطقة. وفي خريف عام 2016، عقدت المملكة العربية السعودية والصين أول تعاون مشترك بينهما، ويتمثل في تدريبات مكافحة الإرهاب في مدينة تشونغتشينغ جنوب غربي الصين. وعكس ذلك نقطة مهمة في علاقتهما المتنامية في السنوات الأخيرة.

دور الصين في الصراعات الإقليمية

Submit

وضعت الصين خمسة مبادئ للتعايش السلمي، طرحها للمرة الأولى رئيس الوزراء السابق، تشو إن لاي في عام 1953، في اجتماع مع الحكومة الهندية، ومازالت تشكل الأساس الرسمي للسياسة الخارجية للصين، وتساعد على تفسير مقاربتها للصراعات في الشرق الأوسط. وتتمثل المبادئ في: الاحترام المتبادل للسيادة والسلامة الإقليمية، وعدم الاعتداء المتبادل، وعدم التدخل المتبادل في الشؤون الداخلية، والمساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي.

كما دعمت الصين باستمرار رئيس الحكومة اليمنية، عبد ربه منصور هادي، في حربه المستمرة ضد الحوثيين، مستشهدة بعدم التدخل واحترام السيادة. ورفضت الصين دعم جهود وفد الحوثي الذي زارها، وصرحت وكالة الأنباء الصينية الرسمية (شينخوا) بأن «قلق الصين من حكومة الحوثيين يعكس تأكيد دعمها للحكومة المعترف بها دولياً، ويشير إلى عزمها على لعب دور أكبر في إعادة السلام إلى اليمن». ويبدو أن هذا الموقف قد خلق توتراً في العلاقة بينها وبين إيران، التي تدعم ميليشيا الحوثي، وتزودها ببعض الأسلحة والتدريب. وفي أبريل 2015، صدرت الأوامر للقوات البحرية الصينية التي تشارك في دوريات مكافحة القرصنة في خليج عدن لإجلاء نحو 600 مواطن صيني، و225 من الرعايا الأجانب من اليمن، وسط قتال ضار. وقالت متحدثة باسم الحكومة الصينية، إنها المرة الأولى التي تساعد فيها الصين على إجلاء مواطنين غير صينيين من منطقة نزاع (كان من بينهم مواطنو باكستان وإثيوبيا وسنغافورة والمملكة المتحدة وإيطاليا وألمانيا)، وهي المرة الثانية التي تجلي فيها رعاياها (من ليبيا).

ويقول بعض المحللين إن تجربة الصين الصعبة في بداية الصراع الليبي قد تؤثر في نهجها الحالي في الحرب في سورية، وموقفها في المنطقة. وكانت بكين قد استثمرت اقتصادياً بشدة في ليبيا قبل بدء انتفاضات عام 2011، وكانت قد بذلت قصارى جهدها في البداية لتظل محايدة في النزاع بالامتناع عن التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لقرار يسمح بتدخل حلف شمال الأطلسي (ناتو) في ليبيا في أبريل من ذلك العام.

ومع ذلك، تم الكشف في يوليو عن استعداد الشركات الصينية لبيع الأسلحة والذخيرة لنظام الرئيس الليبي السابق، معمر القذافي، منتهكة بذلك عقوبات الأمم المتحدة. وبالإضافة إلى تلقيها ضربة لسمعتها، كافحت الصين أيضاً من أجل الإعداد لأكبر مهمة إجلاء في تاريخها، تتعلق بنحو 36 ألفاً من مواطنيها من هذا البلد المنكوب.

دعم مصر أمام صندوق النقد

الصين هي أكبر شريك تجاري لمصر، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية 11.6 مليار دولار في عام 2014، وذهب اختلال التوازن التجاري الكبير لمصلحة بكين. وكجزء من الدعم الثنائي الذي احتاجته مصر أخيراً لتأمين قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار، وقّع البلدان على صفقة مقايضة عملة بقيمة 2.6 مليار دولار في ديسمبر 2016، وكانت هذه أول مرة يتم فيها استخدام اليوان كعملة احتياطية؛ لتنضم إلى الدولار الأميركي واليورو والين والجنيه الإسترليني في سلة العملات المعترف بها رسمياً كعملات احتياطية لدى صندوق النقد الدولي، وتعتبر الصين مستثمراً كبيراً في قناة السويس.

موقف بكين من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

استطاعت الصين أن تشكل لنفسها موقفاً محايداً بشأن النزاعات الأكثر حدة في المنطقة، وقدمت المساعدة في مفاوضات عدة، وكانت من أوائل الدول التي اعترفت بفلسطين في عام 1988. ولم تقم علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل حتى عام 1992، وذلك خشية الإضرار بعلاقتها الوثيقة مع الدول العربية. وتستند العلاقة بين الصين وإسرائيل بشكل كبير إلى المصالح الاقتصادية المتبادلة، إلا أن الصين لاتزال تتعامل بحذر في دعمها العلني لإسرائيل، بسبب علاقاتها في جميع أنحاء العالم العربي.

وأثناء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى بكين في 21 مارس من هذا العام، قال الرئيس شي جي بينغ لنتنياهو إن السلام مع الفلسطينيين سيكون أمراً جيداً لكلا الجانبين، مضيفاً أن الصين «تقدر استمرار إسرائيل في التأكيد» على مقترح الدولتين «كأساس للتعامل مع القضية الإسرائيلية الفلسطينية». ودعت بكين إلى حل الدولتين، مع اعتبار القدس الشرقية عاصمة فلسطين، وهو موقف أكدته في «ورقة السياسة العربية» لعام 2016، إلى جانب دعمها حل الدولتين على أساس حدود ما قبل عام 1967. وفي عام 2013، زار الرئيس الفلسطيني، محمود عباس ونتنياهو الصين في تتابع قصير، على الرغم من عدم تداخل زيارتيهما، وقدم الرئيس بينغ خطة من أربع نقاط لإنهاء النزاع. وفي 2014، وضعت الصين خطة من خمس نقاط، لكنها لم تتحرك إلى الأمام.

المصدر: الإمارات اليوم