الطفلة عهد التميمي.. أسطورة في وجه الجبروت

أخبار

بعد اغتصاب فلسطين قبل قرن تغيّرت حياة شعب كامل.

قال قادة إسرائيليون «الكبار يموتون والصغار ينسون»، لكن الوقائع طيلة عمر الاغتصاب كذّبت هذا القول.

صحيح أن مسيرة النضال الفلسطيني مرت في مراحل رمادية، لكن الجمر كان على الدوام كامناً تحت رماد المرحلة، ليظهر وهجه دون استئذان من أحد.

انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة منتصف الستينيات ليقول عنها رئيس أركان جيش الاحتلال موشي ديان إنها «بيضة سأكسرها بيدي»، لكن يده كُسرت في معركة الكرامة وفقست البيضة نسوراً ثائرة.

وعندما انطلقت الانتفاضة الكبرى عام 1987، فوجئ الواهم الإسرائيلي أن جيل الانتفاضة كله من مواليد ما بعد النسخة الثانية للاحتلال والذي أتى على الضفة الغربية ومعها بقية القدس وغزة والجولان السوري وسيناء المصرية وأجزاء من أراضي لبنان والأردن.

كل حقبة نضالية كانت حبلى بالرموز المتحدية لجبروت الاحتلال. ودائماً كان للطفل الفلسطيني نصيبه من نوط الشجاعة. آخر تجليات الطفولة الفلسطينية المقاومة عهد التميمي التي سمع بها كل العالم قبل خمس سنوات، لنصحو فجر أمس على نبأ اعتقالها وهي لم تبلغ بعد سبعة عشر عاماً من العمر.

هذا العمر لا يكاد يفقس من بيضة الطفولة، ومع ذلك حرّك جيش الاحتلال كتيبة مدجّجة بالسلاح والحقد، يفوق عدد أفرادها عدد سكان قرية النبي صالح حيث تعيش عهد مع أسرة، كل أفرادها تعرّضوا للاعتقال والتنكيل.

مدلول إشعاعي

الأسماء في فلسطين لا تعطى للمواليد جزافاً على الأغلب، بل فيها مدلول إشعاعي له علاقة بأعدل قضية في الكون وبمسيرة نضال ضد واحد من أطول الاحتلالات وأشدها إرهابية في التاريخ.

عندما يسمع أي فلسطيني اسم عهد يروح ذهنه سريعاً لمقولة الشهيد ياسر عرفات «العهد هو العد والقسم هو القسم.. سيرفع شبل أو زهرة فلسطينية علم فلسطين فوق مآذن القدس وكنائس القدس وأسوار القدس».

كانت الطفلة الفلسطينية عهد في أوائل العقد الثاني من عمرها عندما حازت جائزة «حنظلة للشجاعة» الدولية.

ورغم صغر سنّها وأنوثتها الطافحة، إلا أن قصتها اجتاحت وسائل الإعلام بسرعة فاقت سرعة اجتياح جيش الاحتلال لقريتها المتربّعة فوق ربوة شمال غرب رام الله. ليتكرر المشهد هذه الأيام مع نضوج أكبر لعهد.

وسائل إعلام إسرائيلية شنّت حملة تحريض جنونية عنوانها أن أطفالاً فلسطينيين قاصرين يتحدون «هيبة» جيش الاحتلال، وبثّت لقطات للفتاة عهد وهي تطرد جنود هذا الجيش من أمام منزلها، وتظهر في أحد المقاطع وهي تصفع جندياً. ومن الواضح أن اعتقال عهد لم يكن قراراً عسكرياً، بل جاء من قمة الهرم السياسي.

فوزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قال تعقيباً على تصدي عهد لجنوده: «حتى أهل وأقارب الفتاة عهد التميمي لن يفلتوا من العقاب لطردهم جنود إسرائيليين من قرى رام الله». وأضاف بلا خجل: «من يعتدي بالنهار يعتقل بالليل».

الطفل الأسطورة

عهد ليست كسائر أطفال العالم، لم تكن تنتظر ساعات الليل لتسمع حكايات الجد والجدة عن الأساطير، بل اختارت أن تكون أسطورة نضالية تفوق عمرها. لم تفوّت تظاهرة ضد الاستيطان أو فعالية تضامنية مع الأسرى إلا وكانت في قلبها تتقافز بين غيوم الغاز المدمع مثل الفراشة حول الضوء، ولم تتردد في مهاجمة الجنود حين يمسكون أحد أترابها ليعتقلوه أو يعتقلوها.

هذا ما حصل قبل خمس سنوات في مشهد رأته كل عيون العالم، حين تكالبت مجموعة من الجنود المتوحشين على أخيها الطفل محمد باسم التميمي، فهجمت على الجنود محاولة بيديها الطريتين تخليصه من بين أيديهم التي لم تدع أصابعها تبتعد عن زناد النار.

عهد نموذج ليس وحيداً للطفولة الرافضة لتخيل غد فلسطيني فيه رائحة للاحتلال، كما أن عائلتها ليست حالة فريدة، وقريتها ليست في درب النضال يتيمة، ففلسطين ولّادة للأطفال المقاومين، وكما قال الشاعر الراحل نزار القباني: كل ليمونةٍ ستنجب طفلاً… ومحالٌ أن ينتهي الليمون.

المصدر: البيان