القاسمي: الثقافة في البادية تكمن في الصدور ونعمل لتعريف الآخرين بها

أخبار

أجرى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، حواراً متلفزاً، خص به قناة الوسطى من الذيد، التابعة لمؤسسة الشارقة للإعلام، حاوره فيه الدكتور راشد أحمد المزروعي، وتحدث سموه خلال المقابلة التلفزيونية عن ثقافة البادية والصحراء، وما تتمتع به المنطقة الوسطى لإمارة الشارقة من طبيعة وآثار وعادات وتقاليد وأسلوب حياة ونظام بيئي وقبلي، وأثنى صاحب السمو حاكم الشارقة على الجهود التي يقوم بها طاقم العمل الفني والإداري بقناة الوسطى من الذيد في إبراز ملامح تلك المنطقة التي ينتمون لها.

المنطقة الوسطى صحراء وبادية

واستهل صاحب السمو حاكم الشارقة حديثه حول طبيعة المنطقة الوسطى الصحراوية البدوية، حيث قال: كلمة (الصحراء) عربية، وإذا أعدناها إلى أصلها الثلاثي قلنا (صَحِرَ) أي تغير لونه غُبْرَةً بِحُمْرَة، حتى الأسد والذي يتميز بلون الصحراء يسمى المصحر وهو أحد أسامي الأسد، واللغة العربية واسعة، ولذلك شملت الصحراء دون تحديد، فقيل صحراء نسبة للونها فقط، وفي الدنيا صحارى كثيرة مثل صحراء نيفادا، صحراء كلهاري في أفريقيا، صحراء فيكتوريا في أستراليا، الصحراء الكبرى في شمال أفريقيا، كل ذلك يبيّن كما قيل أنّ الأرض تصحّرت، وكلمة (تَصَحّرَتْ) تعني زال النبات منها وبقيت الأرض بلونها الطبيعي، والتصحّر موجود في الصحراء الكبرى في أفريقيا، فنلاحظ أن العشب والخضرة تنزاح وتصبح الأرض صحراوية، أي ليس بها نبات ولا عشب ولا شجر.

ولكن المقصود هنا في كلمة صحراء، هي البادية، والبادية هي الصحراء، ولكن البادية لها صفات، مثلاً بادية الشام وبادية نجد، هذه المناطق لها معنى، فما هي؟ البادية من بَدَأ، والبدء هو إظهار أو إشهار العداوة. تبادى القوم بالعداوة، أي جاهروا بالعداوة، كيف أتى هذا الاسم؟ ذلك لأن أهل المنطقة قبل الإسلام كانوا يجاهرون بالعداوة في قصائدهم وأشعارهم لذلك سمّيت البادية. وهي اسم على مسمى نظراً لطباع أهل المنطقة. فيقولون على سبيل المثال (يا فلان افعل ما بدا لك) بمعنى أظهر العداوة وجاهر بها. أما السكان، فيُطلق عليهم اسم «بدو» نسبة للبادية، ومفردها «بَدَوي» أو «بِدْوي» ومؤنثها «بَدَوِيّة».

كيف كان يعيش هؤلاء الأقوام في البادية؟ كانوا يعيشون في صورة قبائل. فما معنى قبيلة وهي مفرد قبائل؟ يقال قَبِلَ الشرط أي وافق، إذاً فالقِبَالَة هو التزام مجموعة من الناس بدين وفكر وعادات وتقاليد، وهي الصفة نفسها فسموها القبيلة. وتبدأ القبيلة من ثلاثة أفراد، أب وأم وابن فأكثر. فالقبيلة تختلف بعاداتها وتقاليدها عن أي جنس من البشر خارج نطاقهم.

بداية تشكل الكثبان الرملية

وحول التكوين البيئي والتضاريس وجغرافية المنطقة الوسطى، قال سموه: «في القديم كانت الأودية تنزل من الجبال، وكل الخيران الموجودة على الساحل هي مصبّات أنهر، ولكن من بعد ذوبان الجليد تصحّرت الدنيا لأنها كانت خضراء، مثل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك تحركت الرمال من المناطق الوسطى بالجزيرة العربية (الربع الخالي) ووصلت لهذه الأماكن. ألا تلاحظون الأتربة التي تغطي مركباتكم عندما تهب الرياح وقت سهيل، فما بالكم بحدوث ذلك لملايين السنين، إما عن طريق الهواء أو التدحرج، فكانت هذه الرمال تتدحرج وتصل لهذه الأماكن وتُسمى هذه التلال الرملية بالسوافي أي يسفي أي ينثر. وقد قمت بتجربة من مدينة الشارقة وصولاً إلى الجبال في الإمارة، عند مطار الشارقة الدولي هناك رقعة اسمها (الرقعة الحمراء)، مروراً بمنطقة الصجعة، أرض ممتدة هي ذاتها طينية بطبيعتها، ومنطقة السيوح ومنطقة الرقاع، كلها تمثل الامتداد القديم للأرض الطبيعية».

جبال المنطقة الوسطى

وبّين سموه الفرق بين الجبال الظاهرة في المنطقة الوسطى وسلسلة جبال الجير الممتدة على الساحل الشرقي، بقوله «هذه الجبال ناتجة عن فلق وليس عن احتكاك، لذلك لا نرى فيها حدوث أي نوع من الزلازل، ويعتبر ما يفصلها فلق كبير، وقد تكون في هذه المنطقة مياه جوفية كثيرة من بعد هذا الفلق. ولكن السؤال هنا، هل تكوينة هذه الجبال هي نفسها تكوينة الجبال الحجرية في المنطقة الشرقية؟ فالجواب لا. الجبال في المنطقة الوسطى تتكون من صخور تسمى باللغة الإنجليزية (Limestone) حجر جيري، فمن أين أتى هذا الحجر؟ هذا الحجر في التكوين الأصلي لأن قاعدة هذه الجبال حجر جيري، والحجر الجيري هو حامل للبترول، ولذلك فإننا لا نجد الحجر الجيري على الساحل الشرقي إلا في جزء معيّن في إمارة الفجيرة، ويوجد به فلق كذلك، إذاً أين الحجر الجيري؟ الحجر الجيري في قاعدة عميقة تبرز بعد كيلومترات عدة في قاع البحر، ونستنتج أن قاعدة الجبل جيرية وليس من السطح».

مسميات المناطق ودلالاتها

وحول بعض المسميات التي تطلق على مناطق في إمارة الشارقة بشكل عام، والمنطقة الوسطى بشكل خاص، قال سموه «أولاً البدوي في البادية لا يترك له أثر، حتى ولو طبخ يدفن الرماد، لكن ما هي الآثار الموجودة في البادية؟ نلاحظ مثلاً الأثافي، وهو الحصى المستخدم في الطبخ والذي لم يُدفن. أما الأثافي من أَثَفَ، أَثَفَ الرجل بالمكان أي أقام به. وعند الطبخ تحضر حصاتان وتُركن الجهة الثالثة للجبل، ويقول بالمثل (رماه بثالثة الأثافي) والثالثة هي الجبل، وهي أشد شدة وأقوى من كل شيء. إذاً هذا المكان الوحيد الذي يُستدل عليه للأثر. فما هو الأثر؟ يقولون الأطلال، وهي كلمة مستعملة بالخطأ في اللغة العربية، لأن الأطلال هو المكان المرتفع المطل، وقيل الأثر. والشعراء يتغنون بالأطلال ولكن الأطلال هي الأماكن المرتفعة، ولكن هؤلاء الذين في البادية ليس لديهم مبانٍ مرتفعة ما عدا أولئك القريبين من نجد فكان بها قصور، إذاً لا يوجد شيء في الأرض يُخبرنا أو يُنْبِئنا عن هؤلاء القوم لأنهم رُحّل وأدواتهم في الترحال خيمة وخشب وحبال ولا تُعطِ هذه الأدوات أي دليل. لذلك أول ما بدأت في هذا الأمر، عمِلت على جمع كل النباتات في البادية، وعملت لها «بنك»، وحفظتها لأنها مهددة بالانقراض بسبب العمران والسيارات والقحط والرعي الجائر، خاصة أن بعض البهائم مثل الحمير والشاه تحفر في جذور النباتات نظراً للقحط، لذلك لم تكن تترك أية آثار. فجمعت بذور هذه النباتات ونميتها وزرعتها وكثرتها، وكذلك جمعت كل حيوانات البادية وعملت على تربيتها لأنها مهددة بالانقراض مثل الحيوانات الليلية التي تؤثر عليها أنوار الشوارع والمركبات، أعمل على إكثارها وإرجاعها إلى بيئتها.

أما ما تبقى من أثر البادية هو الدرب وما نطلق عليه مجازاً الطريق والبئر، وهو نوعان، إذا كان محاطاً بالحجر يسمى طوياً (أي طوينا عليه الحجر)، أما إذا كان محفوراً مثل البدع يسمى بير، ولما نعود لنرى طبيعة الشارقة، نجد الطريق باتجاه مليحة يبدأ من الصبخة في المنطقة الصناعية بطريق اسمه (درب الدراري) عملت منطقة باسم الدراري، وفي الطريق كذلك عود كبير يسمى (عود راكان) فهناك جسر اسمه جسر عود راكان على شارع سالم بن سلطان، وبالاستمرار باتجاه مليحة، تأتي منطقة البديع، ولم أشأ أن أشق طريقاً بها لأن بها مياهاً وسكناً ومرعى، لذا خططنا لانحراف الطريق، وتصادفنا منطقة السيوح، هذه بئر واسمه (بئر محمد بن صقر) منذ سنوات عديدة، لذا أحييت البئر باسم المنطقة. أما بالنسبة لطريق الذيد فهو كذلك درب وليس مطروقاً، ومن الشارقة إلى منطقة مويلح باتجاه الشرق نجد عود اليليل (الجليل) بالقرب من نادي الفروسية، وهي طرق للقوافل، وهناك طريق آخر يبدأ من الصبخة ويسمى درب الحومه مشهور لدى أهل البادية، مروراً بند الثعالب وند المفتاح إلى أن نصل إلى ما يسمى القبرين، مواصلاً لمنطقة ماغص ومن ثم طوي راشد فالحويه فاعشيو، ويسمى الدرب هنا درب اعشيو، هذا إحياء لهذه المناطق وسيتم تعريفها جميعاً باللوحات، وهي مسألة تعريف الأشياء مهما كانت بسيطة، وكذلك الأمر للأنفاق باتجاه خورفكان، كل نفق يأخذ اسمه الأصلي للإبقاء عليها كما كانت سابقاً، وكذلك الحال للأمور الأخرى كالآبار، أحافظ على البئر بحفظ اسمه، إحياء لآثار موجودة وصفات إما لجبال أو تلال أو آبار، هذه أمور استطعت أن أحافظ عليها والباقي في صدور الناس، وأحييت الأسماء التي تكاد تختفي.

كل الأسماء التي أطلقت على المناطق أو الآبار والتلال أو حتى الجبال استمدت من طبيعة وصفات الشيء المسمى عليه، ونتدخل فقط في إزالة الاسم الشائن لأنها لا تصح.

أما في تسمياتي لم أتعمق لما هو أكثر من الأمور العامة، لذلك أسماء الطرق كطريق مليحة وطريق الذيد وطريق خورفكان وطريق كلباء، أعرّف البلد بالطريق المتجه إليه ليسهل على الشخص استخدام هذه الطرق، تعريف مسبق بالوجهة».

الآبار ودرب القوافل

وحول طرق القوافل والكيفية التي كانت تقطع بها تلك الصحارى الجافة، أوضح سموه قائلاً «الآبار دائماً تقع في درب القوافل ليتمكن الرحال من شرب الماء، والمنطقة الوسطى فيها اتصال الشمال بالجنوب يربط الطبيعة، واتصال الشرق بالغرب يربط المدن، نلاحظ أن هذه المنطقة فيها ترحال، لنفترض أنك تريد الذهاب لرأس الخيمة، فهل ستسلك ند بن غرير والمرقبات وهذه المناطق؟ بالطبع لا لأن البئر يصعب حفره هناك لسمك الرمال إلى الأرض، لذلك لا أحد يسلك هذا الطريق، الطريق المأهول يمر في منطقة سهيلة، فهناك مجرى وديان، وعلى اليمين كل المنطقة جبال، فهو مكان تجمع مياه وهنا تحفر الآبار، وهذا هو الحال لنقل البضائع من جنوب عمان إلى توام في العين، وتسمى أقدام الجبال لوجود المياه المحجوزة بها للوصول إلى توام، وكانت البضائع تنقل إلى بئر يطلق عليه اسم «بينونة» وهو في التلال الرملية وليس في الصباخ لأن الماء عذب يشرب. قيل في التاريخ القديم إن هذا الطريق غطته الرمال وانقطع، وقيل إن التجارة كانت تنقل بالصحراء إلى «القرحا»، وقيل إن القرحا بين الكويت والبحرين، ومن هناك تشحن بالسفن إلى «أبولا» ميناء على «شط العرب». عملت دراسة وبحثت في الأمر وأجريت اتصالاتي بشركات الحفريات في المملكة العربية السعودية ومؤسسات الآثار، لكن لم أستطع الوصول إلى شيء، والأثر الذي من الممكن أن يوجد هي القبور لأشخاص ماتوا في القوافل خلال ترحالهم، من بعد حفريات القصيص لا يوجد ولا قبر إلى أن نصل إلى أم النار في أبوظبي على البحر.

الصباخ هذه قاتلة ولا تتوافر بها المياه، إذاً كيف كانوا ينقلون هذه التجارة؟ لدي خارطة بطليموس قديمة، وتتبعت الخارطة بالمكبر، وعند وصولي قريباً من بينونة رأيت القرحا بقربها، فتبين لي أن مينا البينونة يسمى القرحا وليس ما كتب في التاريخ العربي. فهذه الآبار تدل على القوافل، فلذلك الآن حتى البدو عندما يرحلون لا يحفرون بئراً في كل محطة يقفون بها لأنها مكلفة ومتعبة، ولكنها آبار أصلاً موجودة بطريق القوافل. الآبار مثل (مبيبيغ) و(طوي السامان) كل الناس الذين يسكنون هناك، يرتوون من هذه الآبار، ولا يسكنون مباشرة عند الآبار وإنما حولها بعيداً بعض الشيء.

ملوخه ومليحه

وقال سموه «في طوي الحصن توجد حصون أثرية مازال أثرها موجود، وبجانبها بئر سميت باسمها، ويقدر تاريخها نحو ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، كانت هناك مزارع بالقرب منها تم تعويض أصحابها. لماذا كانت المنطقة الوسطى كمليحة والمدام بهذا الحال؟ في هذه المنطقة، والتي تسمى الشرق الأوسط، كانت هناك حروب طاحنة بين الفرس والرومان، وكانت التجارة تأتي من الهند والسند والصين وتدخل من خلال الخليج العربي عند مضيق هرمز، والفرس مسيطرين على هذه المنطقة، أما الرومان فقد اتخذوا طريقاً آخر يأتي من (فَيْلَكَة) إلى البحرين رأساً إلى مليحه. والبضاعة تأتي كذلك إليها من عمان (من مسقط أو صحار)، والقادم من صحار يأتي من وادي القور، وعند انتهاء الجبال على هذا الطريق تأتي أرض واسعة تسمى سراج وباللغة اليونانية (ملوخة) تكتب حاء ولكنها تنطق خاء، من هنا أتت تسمية مليحة، حيث إنها لم تأخذ تسميتها من البئر ولا نسبة للماء المالح به. فهذه تسمية قديمة في التاريخ، ومذكورة كثيراً، ولكن المؤرخين لا يعلمون أين تقع هذه المنطقة، وقد أوضحت لهم أنها تقع في المنطقة الوسطى. في هذا الطريق وبالذات في هذه المنطقة ورغم الزخم الكبير من الاكتشافات والآثار بها، فإنه لا يوجد أثر فارسي بها رغم قربهم من المنطقة، وذلك يعود لسبب سيطرة الرومان على هذه المنطقة وصعوبة وصول الفرس عليها. فلدى مركز مليحة للآثار أختام للرومانيين، قالبين لصب النقود تعود لإسكندر المقدوني الأكبر، ما يدل على أن هذه المنطقة كانت غنية بالتجارة، والمرور فيها من الشمال إلى الجنوب».

أفلاج المنطقة الوسطى

وتحدث سموه حول أفلاج المنطقة الوسطى وطبيعتها، ذاكراً بعضاً منها ومسمياتها بقوله «هذه الأفلاج قديمة، واختراع تفصيل الماء أمر قديم، خاصة أن طبيعة الأرض مائلة (منحدرة) من الذيد باتجاه الشارقة، هم حفروا آباراً موجودة (عيون الفلي) (ثقاب)، وهي ثقب في الأرض ليس له وظيفة سوى التنظيف إنْ كانت هناك انسدادات، ولذلك حفروا للمياه ومشوا بها وجعلوا الماء ينساب بها، وبعد قطع مسافة توقفوا لصعوبة حبس الأنفاس لفترة أطول، لذا حفروا بئراً أخرى، وهكذا. لو كشفت هذه الآبار للنظر في مجرى المياه، فسيلاحظ أن المجرى الأول صحيح، والثاني قد يكون غير دقيق لعدم الرؤية ما اضطرهم لتوسعته حتى تتمكن المياه من الجريان، وقد شهدت تنظيف فلج الذيد وعملت عليه دراسة».

قناة الوسطى من الذيد

واختتم سموه حديثه الذي بث على قناة الوسطى من الذيد وارتبطت معها بقية قنوات وإذاعات مؤسسة الشارقة للإعلام، بقوله «أهيب بجميع العاملين بهذه القناة والمجتهدين والمساهمين معكم بالكلمة والفكرة، نحن لا نستغني عن هذا المكنون والمخزون، فلا بد له أن يبرز وأن يسجل وأن ينشر ويسمعه الآخرون ويطلعون عليه، ليعلموا أن هذه المنطقة حية، ويجب علينا ألا نفرض عليهم التمدن، ونحن نتمنى أن تبرز بطريقة لها نموذج معين، وهي ثقافة البادية، ونحن سعداء أن نرى أمثالكم يعملون في هذه القناة الفتية، واجتهادكم في البحث ووصولكم لمناطق، والتعريف بأهلها محل تقدير بالنسبة لنا، وبدوركم تحيون المنطقة، وأشكركم وأتمنى لكم التوفيق».

مشتل قصر البديع

بعد ذلك، رافق صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي محاوره الدكتور راشد أحمد المزروعي وطاقم عمل البرنامج من موظفي قناة الوسطى من الذيد، في جولة بمشتل قصر البديع، وتحدث سموه لهم عن تجربة زراعة شجرة القصد، وذكر سموه أنه في أثناء طريق عودته ذات يوم للقصر، صادف أنه شاهد شجرة القصد على تل رملي، وتساءل سموه عن سبب وجودها على التل لكونها لا تصلح في البيئة الصحراوية، قال سموه «توجهت إليها مباشرة، ووجدت أنها منطقة صغيرة، وتساءلت ما الذي جاء ببذرتها إلى هذه المنطقة». فأرجع سموه الأسباب إلى مرحلة إنشاء الطريق في مراحله الأولى خلال صب الأحجار الصغيرة (الكنكري)، حيث احتوت هذه الأحجار التي تم إحضارها من منطقة جبلية على بذور، حملتها الرياح والعوامل الجوية إلى هذه المنطقة.

ووجّه سموه المزارع إلى استخدام الهرمون في إكثار هذه الشجرة، ونجحت التجربة، وتعتبر من الأشجار المهددة بالانقراض في الإمارات.

وتطرق سموه إلى جهود إمارة الشارقة واهتمامها بالأشجار الصحراوية، حيث حرصت على إقامة المحميات، والتي تضم عدداً كبيراً من الأشجار والنباتات الصحراوية من (الغاف والسدر والسمر والدغابيس)، كما تم إكثار أكثر من 2 مليون شتلة، ويتركز أكثرها على الأشجار المحلية.

وأشار سموه إلى أن عدداً كبيراً من أنواع النباتات والشجريات يتم إنباته وإكثاره في مشتل القصر، بالإضافة إلى تجربة زراعة بعض الأشجار غير المحلية منها القضيم الأفريقي، حيث يستفيد منها الإنسان والحيوان، خصوصاً الطيور، مبيناً سموه أن أغلب الأشجار والنباتات الموجودة في القصر هي من البيئة المحلية، ويتم إكثارها وإعادة زراعتها في المحميات والمناطق الأخرى.

وأكد سموه ضرورة حماية وصون البيئة، والحفاظ على التنوع البيئي في البيئة البرية، وما تضمه من نباتات وأشجار، بهدف إعادة إعمار المناطق الصحراوية لتدب فيها الحياة كما كانت.

السدود الطبيعية وخزانات مياه الوديان في المنطقة الوسطى

أوضح سموه المواقع الغنية بالمياه الجوفية في المنطقة الوسطى، وسبب وفرة المياه فيها قائلاً: «هناك بقعتان مميزتان فقط، البقعة الأولى هي الفاية (الفاجّة)، لذلك نلاحظ منطقة البحايص (كانوا يبحصون الماء ويشربون)، والمنطقة الثانية عجارب (عقارب) بها كميات مياه كثيرة موجودة، هاتان المنطقتان فقط اللتان حجزتا مياه الوديان بسبب وجود الجبال الناتج من الفلق. أما المناطق الأخرى ليس بها ما يحجز الماء مثل الذيد وفلج المعلا، فالمياه تنحدر للبحر، فهناك مجرد حصاه (أثر حجر) بالقرب من (فريج بن محيان في الخلف) ومنطقة قرون البر (طوي السامان). (مجرى الوادي ليس به ما يحجز الماء) لذلك نجد المياه المنحدرة من الجبال تصل إلى البحر».

سبب إطلاق اسم القرحة على الوادي

قال صاحب السمو حاكم الشارقة «وادي القرحة فاضت فيه بطحاء الرفيعة وأصبح وادياً، كنت أستفيد من علم ومعرفة سلطان بن ضيخان، رحمه الله، وقد أخبرني أن البطحاء فاضت إلى أن وصلت وصبت في خور عجمان، حيث كان يسكن قط مفتاح، فهذه البطاح تغيَر مجراها، فمجرى البطحا الأصلي وهي ذاتها منطقة الفاية لم يكن يصل إلى الرفيعة، فقد كان ينحرف قبل البيوت الشعبية الحالية بالاتجاه إلى الشارقة، وهذا المجرى هو مكوّن سيح المصمود، ويصل هذا المجرى إلى بحيرة خالد ويصب فيها، وخلال الإنشاءات على بحيرة خالد وجدنا البحص أثناء عمليات الحفر دلالة على وصول الوادي محملاً بالبحايص لهذه المنطقة الساحلية.

أما بالنسبة لتسمية الوادي بهذا الاسم نسبة لمائها القريح أي الحلو، يمتلئ الوادي بمياه الأمطار، أي مياه حلوة، بالتالي فإن البئر التي حفرت هناك ماؤها عذب وليس ماء من جوف الأرض تراكمت به الأملاح.

عملت دراسة على آبار البديع، فهي تنتج 16 مليون جالون يغذي إمارة الشارقة في الماضي، الأمطار تسقط في المنطقة الوسطى في الشتاء، وفي الصيف ترتفع مياه الآبار، وذلك يعني أن المياه أخذت ما يقارب 6 أشهر للوصول، المياه تحمل أملاح الأرض وتصل بدرجة ملوحة تبلغ 1,500. أما الماء في مجرى الوادي، مختلفة وتبقى عذبة».

واحة النخيل والمشاريع المستقبلية

وحول تعمير واحة النخيل في الذيد، قال سموه «إن المنطقة الوسطى غنية بنخيلها، ولذلك كلها كانت متجمعة في هذا المكان، تروى بطريقة توزيع المياه بالأفلاج، ونعمل حالياً على إصلاح الأفلاج، ونستقطع أرضاً صغيرة لإقامة مشروع يخدم المنطقة».

وكشف سموه عن إقامة مشروع حيوي يخدم المنطقة الوسطى سيرى النور قريباً بإذن الله، يتمثل في إنشاء متحف متكامل في منطقة واحة النخيل أو بالقرب منها، يضم قسم حديقة تعريفية بأنواع النباتات الصحراوية كالموجودة لدى سموه في مشتل قصر البديع، لتعريف الناس بها.

كما يشمل مشروع المتحف، قسماً لحيوانات البيئة الصحراوية محنطة، وقسماً ثالثاً للأدوات والمقتنيات البدوية.

وبيّن سموه أن الخطوة القادمة من تطوير تلك الواحة وما يحيط بها من آثار ومعالم تاريخية وتراثية، هي إقامة جدران ذات طابع تقليدي لفصل العمران القائم، وسيرى المشروع النور قريباً بإذن الله.

وأشار سموه إلى أن النهضة العمرانية التي طالت المنطقة الوسطى، روعي فيها الحفاظ على خصوصية العوائل والقبائل وتجنب الخلافات التي قد تحدث لوجود الغرباء، حيث تم تقسيم الأفراد والعوائل على مجموعات تضم أفراداً من ذات العائلة فقط.

وبيّن سموه أن الثقافة في المجتمع الإماراتي لها ثلاثة أوجه، إما أن تكون ثقافة مدينة أو ثقافة ريف أو ثقافة بادية، وبأنواعها الثلاثة توجد في الشارقة، ولكون سموه رجل ثقافة أراد لها أن تعم بين أفراد المجتمع، ولذلك وضمن مشروعه الثقافي أمر بإنشاء وإقامة قناة الوسطى من الذيد لنشر ثقافة البادية الكامنة في صدور أبناء المنطقة الوسطى.

وتابع سموه «إني أتابع وبشكل مستمر المقابلات التي تجرونها لتعريف الناس بقصص وحكايات الصحراء وعادات أهلها وتقاليدهم، والتي يشارك فيها رجالهم ونساؤهم وكبارهم وصغارهم، وذلك سعياً منكم للحفاظ على التراث غير الملموس، من خلال توثيقه في فلم تسجيلي يحفظ للأجيال القادمة، فإني أولاً أتوجه بالشكر لكبار السن الذين يتم مقابلتهم في القناة الوسطى، فهم المعين الذي لا ينضب، وأشكر لكم أنتم جهودكم ومثابرتكم واهتمامكم».

وعكست رؤية صاحب السمو حاكم الشارقة في المنطقة الوسطى، الحفاظ على خصوصية عادات وتقاليد الأفراد وكيان المجتمع، وفي الوقت نفسه مواكبة التقدم والحضارة من دون التخلي عن العادات والتقاليد.

وكشف سموه عن مشاريع مستقبلية في المنطقة الوسطى، والاهتمام ببعض المهن والقطاعات وإعطائها مزيداً من الاهتمام كقطاع المزارعين وأصحاب العزب والرعاة وصيادي السمك.

وأضاف سموه «إن أصحاب الماشية بمختلف أشكالها وأنواعها ندرس احتياجاتهم، ومن هذه المتطلبات إقامة مشروع المحميات المسورة، وتخصيص أراضٍ كبيرة للرعي كالتي في منطقة حمدة وزراعتها وريها، بهدف رعي وتربية المواشي في مناطق مخصصة لها، وهنا أعمل اتزاناً بين الرعي والإنبات، وسيكون هناك مرعى آخر في منطقة مليحة، وأخصص لبعض المناطق مرعى. كما سنحرص على إيجاد سلالات من الماشية ذات إنتاجية أفضل في اللحوم والألبان والتكاثر كالماعز الخالدي والضأن النجدي والنعيمي».

وأكد سموه أنه يولي اهتماماً بالمنطقة الوسطى والاستثمار في الإنسان من خلال إقامة المتاحف والمدارس والجامعات التي تخدم المجتمع، وتوفير مقومات وأساسيات الحياة كافة، وتأهيل المنطقة لمواكبة هذه النهضة العمرانية، من خلال توفير شبكات طرق متطورة، وتوفير البنية الأساسية للطلاب مرتادي هذه الجامعات لتمكين أبناء المنطقة والطلبة من الوصول إلى مكان عملهم والعودة إلى مساكنهم بسلام وراحة.

وبيّن سموه أن النهضة العمرانية والمشاريع الخدمية بدأت في الاتجاه إلى مدينة الذيد، ومنها المدينة الرياضية في البطائح، ومحمية مركز شبه الجزيرة العربية، مشيراً إلى أن الهدف عدم إفراغ المكان من أهله، وحتى نوفر لهم فرص عمل قريبة منهم حتى لا يتركوا مساكنهم ويستقروا في المدن.

المصدر: الاتحاد