المنصات الإعلامية والإلكترونية.. صانعة الإرهاب والتكفير

أخبار

جهود مكثفة تبذلها كل دول العالمين العربي والإسلامي لمحاصرة ظاهرة الفكر التكفيري والتي تقود أتباعها إلى تبني ممارسات العنف والإرهاب ولكن في نفس الوقت مازالت الجماعات التكفيرية تنجح بشكل غريب في استقطاب الشباب لاعتناق الأفكار المسمومة ورغم الجهود المكثفة التي تبذلها المؤسسات الدينية لتحصين الشباب، فإن تلك الجماعات مازالت تنجح في استقطاب عدد من الشباب وهو ما يطرح سؤالا كيف يسقط شبابنا أسرى لتلك الأفكار؟.

منصات إعلامية

بداية، يقول الدكتور محمد كمال إمام أستاذ الشريعة بجامعة الإسكندرية عضو هيئة كبار العلماء: لابد أن نعترف أن المؤسسات التعليمية والثقافية والدينية في العالم العربي تبذل بالفعل جهودا ضخمة لتحصين شبابنا في مواجهة الفكر التكفيري، لكن تبقى المشكلة في أن الشاب في ظل سيطرة الإنترنت على كل مجالات حياتنا أصبح يطالع في شتى صنوف المعرفة التي تصله عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر المواقع المختلفة، وهنا تبدأ المشكلة فالشاب العربي عند قراءته في أي اتجاه ديني أو سياسي أو علمي يظن أنه أصبح عالما في هذا المجال، فمثلا لو قرأ كتابا لأحد التكفيريين وهي كتب متوافرة للأسف عبر الإنترنت يظن – الشاب – أن ذلك هو الدين وإن كل من لا يعتنق الفكر الذي احتواه هذا الكتاب خارج عن الملة، وهنا يبدأ التعصب الفكري لدى الشاب ويبدأ في البحث فقط عن الكتب التي تتلاءم مع الفكر المتشدد وسرعان ما تتلقفه الجماعات الإرهابية من خلال منصاتها الإعلامية والإلكترونية لينشروا في رأسه الشطط في فهم الدين ويخرجون به عن التفسير الصحيح للنصوص القرآنية والنبوية، وهو ما ينعكس بالتالي على الإقدام على القتل بعد أن سيطرت على رأسه الأفكار التكفيرية، رغم أن من بديهيات الفكر الإسلامي هو أن التكفير لا يجوز أن يطلق على أحد إلا إذا صدر عنه ما يخرجه من الإسلام يقينا ولكن للأسف هذا غير متحقق فيمن يتم قتلهم تحت هذا الادعاء.

ويضيف د. إمام: من خلال ذلك يتضح السبب الرئيس وراء اعتناق الشباب لهذا الفكر، حيث إن شبابنا يقعون أسرى هذا الفكر لانهم فهموا النصوص الشرعية فهما خاطئا ولم يعرفوا إلا وجها واحدا للتأويل خاصة في فهمهم لآيات الجهاد، ففهموا أن قتل أي إنسان يخالفهم في الرأي جهاد يصل بهم إلى الجنة، وبالطبع أغلق الشباب أذانهم عن سماع صوت العقل أو صوت علماء الدين الموثوق في علمهم، ما أدى لانحراف الشباب ولجوئهم للجماعات المتطرفة حيث أصبحوا صيدا سهلا لتلك الجماعات فجندوا الآلاف المحبطين عن طريق الإغراء المالي أو استغلال الدين، لذا يجب على شبابنا أن يحذر الانجراف وراء تلك الأفكار أو تلقيها من غير مصادر دينية معتمدة مؤهلة للعلم الشرعي الصحيح.

الإغراءات

أما الدكتورة عفاف النجار العميد الأسبق لكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، فتقول: هناك أمر آخر يقع بسببه الشباب أسرى الفكر التكفيري وهو إغراؤهم عن طريق المال والنساء، خاصة في حالة كون الشباب من الفقراء الذين تمنعهم ظروفهم الاجتماعية من الزواج، فتتلقفهم تلك الجماعات وتزيف أفكارهم وسرعان ما ينضم الشباب المغرر بهم إلى طابور الإرهابيين، لهذا فإذا كنا نريد أن نحصن شبابنا ونقضي على تلك الجماعات الإرهابية فيجب أن يكون للعلماء والمؤسسات الثقافية والدينية دور مهم وأن تفتح الصفحات والمساحات لأصحاب الفكر السليم الذين يعبرون عن العقيدة الصحيحة في أصولنا وفي الكتاب والسنة فيجب أن توضح للجمهور من البداية، ويجب أن تتضمن أيضاً مناهج التربية والتعليم بيان الفكر الصحيح بحيث ينشأ الطفل المسلم وهو يعرف أخطار الفكر التكفيري وأن الإسلام دين رحمة وسماحة وأن الجهاد في الإسلام لا يعني الاعتداء أبدا على الأبرياء.

دور المسجد

الدكتور حامد أبو طالب عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر وأستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، يقول: إذا أردنا مواجهة الفكر التكفيري فعلينا أن نستعيد دور المسجد التنويري، فكلنا بلا استثناء نحترم المسجد وجميعنا يتأثر بما يستمع إليه فيه، وعبر التاريخ الإسلامي كان المسجد منارة للعلم والتعليم والآداب وتهذيب الأخلاق ونقل التعاليم الدينية والأخلاقية الصحيحة، لهذا فدوره كبير للغاية في تفنيد أفكار الإرهابيين ومنعهم من هدم الفكر الإسلامي الصحيح، فمن خلال هذا المنبر من الممكن أن تبدأ حملات تثقيفية تستهدف زرع الفكر الديني الصحيح في أذهان الناس بكافة مستوياتهم العمرية والفكرية، شريطة أن يتم إعداد الخطباء والأئمة إعدادا جيدا، وإعادة تأهيلهم علمياً وشرعياً ونفسياً واجتماعياً وفكرياً، وأن يكون لديهم قبل كل شيء قدرة على التأثير على المستمع واستخدام وسائل العصر الحديثة.

التفوق في الفكر

عن كيفية مواجهة المجتمعات الإسلامية لتلك الظاهرة، تقول د. عفاف النجار: لابد من العمل على الحفاظ على ثوابت الدين الإسلامي وبيان أن الإسلام بعيد كل البعد عن التعصب والتشدد، ولابد أيضاً في هذا الإطار من إطلاق يد العلماء لاحتواء الشباب وتصحيح أفكارهم من خلال حملات التوعية والدورات التثقيفية ولابد من بناء وإنشاء المراكز والمؤسسات الخيرية التي تهدف إلى إعانة الشباب مادياً ومعنوياً وفكرياً، من وجهة نظري فإن مواجهة أي عدو تكمن في التفوق عليه في الفكر فإذا تفوقنا على الإرهابيين في الفكر فقد هزمناهم هزيمة نكراء.

المصدر: الاتحاد