النخيل ينال نصيب الأسد في رؤية وفكر الوالد المؤسس

أخبار

تمثل شجرة النخيل للإماراتيين قيمة معنوية كبيرة، رافقتهم خلالها رحلة المعاناة وضيق ذات اليد وشح الموارد، وتحولت لمصدر فخر واعتزاز لهم منذ القدم، فهي رمز للحياة والعطاء، وقد توالت الأسر الإماراتية زراعة النخيل، بحيث أصبحت جزءا مهما من الموروث الشعبي لدولة الإمارات.

هذه الخصوصية والعلاقة الحميمة بين شجرة النخيل المباركة، ودولة الإمارات، كانت محور اهتمام الوالد المؤسس المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، منذ أكثر من نصف قرن، حيث أولى أشجار النخيل جل اهتمامه وعنايته، فأغدق على دعم زراعتها الأموال والعناية المستمرة، لتحتل شجرة النخيل نصيب الأسد في رؤية وفكر الشيخ زايد، طيب الله ثراه، خلال مسيرته الحافلة بالعطاء والتنمية.

العناية بالنخيل

كان المعروف عن الشيخ زايد أن عينيه لا تفارقان مشاهدة النخيل خلال جولاته وكان يبدي ملاحظاته حول العناية بها، بل ويصدر أوامره على عجل من أجل المحافظة عليها وزراعتها في مختلف الأماكن من طرق ومزارع وحدائق وبيوت ويحتفي احتفاءً كبيراً بثمارها من رطب وتمر، ويقدر قيمتها التي ساندت أهل الإمارات قبل ظهور النفط، وكيف كانت تمثل وقود حياتهم ومصدر بناء بيوتهم وقوتهم؟.

ظهرت الزراعة مبكراً في بعض المناطق مثل رأس الخيمة، والفجيرة، والعين، وبعض الواحات مثل واحة ليوا، وبالكاد كانت تسد حاجة الأسرة، وتساعد على بقاء الحيوانات على قيد الحياة، لكنها لم تتحول إلى حرفة ومصدر للخير والنماء إلا بعد أن تولى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مقاليد الحكم في العين عام 1946، فعلى مدى قرون طويلة كان البدوي يقضي فصل الشتاء في التنقل بحثاً عن مرعى لماشيته وإبله، ليعود مع حلول فصل الصيف إلى الواحات المنتشرة في المناطق المنخفضة من الكثبان الرملية لجني محصول الرطب.

تحقيق الاستقرار

أدرك المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أهمية الزراعة لتحقيق الاستقرار وربط المواطن بالأرض التي يزرعها، لذا عمل منذ توليه الحكم في مدينة العين على تغيير نظام السقاية الذي كان منتشراً في ذلك الوقت، ووضع خطة لتطويره تعتمد على: إصلاح الأفلاج القديمة التي فقدت قيمتها نتيجة الإهمال وحفر أفلاج جديدة لتوسيع شبكة الري الضرورية للزراعة، يسجل التاريخ أنه، رحمه الله، قام بنفسه بحفر فلج الصاروج في مدينة العين، وعندما انتهى من حفره أصر على إلغاء نظام السقاية وتجارة مياه الري بادئًا بنفسه وأهله، وأعلن على الملأ تنازله عن حقوق وأرباح هذه التجارة التي توارثها آل نهيان، ثم طلب الاجتماع مع أعيان مدينة العين ومع تجار المياه وأبلغهم قرار إلغاء تجارة الماء.

ومنذ ذلك التاريخ أخذت الزراعة منحى آخر في أبوظبي وبقية الإمارات باعتبارها مبعث الاستقرار ومصدر الأمان والطمأنينة، كما أصبحت واحدة من دعائم الاقتصاد الوطني وعنوان الحضارة ترجمة لمقولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، «أعطوني زراعة. أضمن لكم حضارة».

يعتقد الكثيرون أن لا مكان للزراعة على هذه الأرض وفي ظل هذا المناخ شديد الحرارة وتلك الصحراء شديدة البأس وشح الموارد والإمكانات حيث تمثل الصحاري 7.8 مليون هكتار من مساحة الدولة، لكن عزيمة الشيخ زايد، رحمه الله، وإخوانه أصحاب السمو الشيوخ حكام الإمارات، ذللت كل هذه الصعاب، فتم غزو الصحراء بزراعة ملايين الأشجار والغابات وانتشرت المزارع وأصبح لدينا واحات غناء تبعث في النفوس الأمل في بناء مستقبل مشرق.

غزو الصحراء

بدأ عصر غزو الصحراء مع تولي، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مقاليد حكم أبوظبي عام، 1966 خلفاً لأخيه الأكبر الشيخ شخبوط،حيث أدرك أن النفط وحده لا يكفي لبناء الحضارة، فاتجه إلى تكوين بنية تحتية لقاعدة اقتصادية قوية، تعتمد على الصناعة والزراعة ونجح في زراعة قسم كبير من الصحراء، وتم تسطيح الكثبان والتلال الرملية، وتهيئتها للزراعة، بعد فرش طبقة طينية فوقها، وتقسيمها إلى مزارع بعد تطويقها بالأشجار والنباتات المثبتة للتربة لتحميها من الرياح، قام بتوزيعها على المواطنين ثم عمل جاهدًا على مساعدة المزارعين وتدريبهم على الزراعة وسبل ترشيد استهلاك المياه، كما عمل على إنشاء السدود، وتحلية مياه البحر، وزراعة أشجار القرم، وهكذا كانت الزراعة بدائية ثم تحولت إلى محور أساسي من محاور اهتمام الدولة.

​​وكان المغفور له، الشيخ زايد، يشرف بنفسه على زراعة النخيل وغيرها من أنواع الأشجار الأخرى، ويذكر أنه أمر بزراعة شارع المطار القديم ب600 نخلة من نوع «خلاص – لولو»، ليكون أول شارع يزرع بهذا العدد من النخيل، ثم أمر بزراعة الأشجار والورود لتمتد إلى قصر الشاطئ، فزينت بها الشوارع، والمتنزهات، والبيوت، والمدارس، وغيرها ونتيجة لهذه السياسة الحكيمة أصبحت الإمارات تضم أكبر عدد من أشجار النخيل، واستمر العدد في زيادة مطردة، وهو ما أهل الإمارات لدخول موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية في عام 2009، كأغنى دولة في العالم من حيث عدد شجر نخيل التمر، إذ قدر حينذاك بأكثر من 40 مليون نخلة.

42 مليون نخلة

ومن المدن التي شهدت كثافة في زراعة النخيل العين ورأس الخيمة والفجيرة، ومنطقة الذيد بإمارة الشارقة، وغيرها من المدن والسهول والواحات على أرض الإمارات وحالياً يزيد العدد الفعلي لأشجار النخيل في الدولة على 42 مليوناً، منها 33 مليوناً في أبوظبي وحدها، وتنتج أشجار النخيل في الإمارات أكثر من 73 نوعاً من أجود أنواع التمور في العالم، وهناك مجمع للجينات يضم نحو 120 صنفاً، وقد أضيف إلى هذه الأصناف، التي كانت معروفة في الإمارات، بعض الأنواع الأخرى من التمور منها: «خلاص، بو معان، خصاب، خنيزي، وغيرها.

وفي عام 2009 منحت موسوعة جينس العالمية دولة الإمارات شهادة علمية باعتبارها أول دولة في العالم من حيث زراعة أشجار النخيل، والتي بلغ عددها 40 مليوناً و700 ألف شجرة، وذلك بحسب اللجنة العلمية المتخصصة لمجموعة «جينس» وكذلك الإحصاءات الرسمية لمنظمة الأغذية والزراعة «الفاو» وإحصاءات وزارات الزراعة والثروة الحيوانية والبيئة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بينما أعلنت منظمة»الفاو»عام 2015 إضافة واحتين من واحات نخيل التمر بالإمارات إلى النظم الإيكولوجية، التي تقر المنظمة بأهميتها رسمياً على الصعيد الدولي، كونهما مستودعات حية للموارد الوراثية والتنوع البيولوجي والتراث الثقافي.

ثقافة ووجود

يصف المغفور له، الشيخ زايد، النخلة بأنها شيء أساسي بالنسبة لثقافتنا ووجودنا طالما سجل التاريخ والآثار، ويضيف «شجرة النخيل بالنسبة لنا كانت وما زالت شجرة الحياة، نشأنا بظل هذه الشجرة الرائعة ومنتجاتها العديدة ولا نستطيع الحياة بدونها» ويدرك المؤسس بحق أن ثورة التشجير التي انتهجتها الدولة حيث زرعت ملايين الأشجار واستصلحت مساحات هائلة من الصحراء من أجل الاستعمال الزراعي يجب أن تؤخذ بسهولة في عين الاعتبار من قبل الجيل الشاب الذي لا يعرف كيف كانت الإمارات في الماضي.

معجزة زايد

ويقول الدكتور عبد الوهاب زايد، أمين عام جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي: «إن ما حققه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، من إنجازات زراعية وبيئية على أرض الإمارات على مدى ثلاثة عقود كان أشْبَه بالمعجزة، وعلى المرء أن يتخيل ملايين الأشجار التي غُرست في صحراء الإمارات، وبها تحولت مئات الآلاف من الهكتارات الجرداء إلى غابات ومزارع خضراء وارفة الظلال».

المصدر: الخليج