اليمين الأوروبي المتطرف يقطف «السلطة» من أكتاف المهاجرين

أخبار

حققت أحزاب اليمين المتطرف في الآونة الأخيرة مزيداً من المكاسب، وتمكنت من الوصول إلى مقاعد السلطة في بلدان أوروبية عدة، مستفيدة من الكثير من القضايا الساخنة، وفي مقدمتها أزمة الهجرة واللاجئين والتشكك في الاتحاد الأوروبي.

ففي النمسا دخل نوربرت هوفر مرشح حزب الحرية سباق الإعادة في الانتخابات الرئاسية بوصفه الأوفر حظاً بعد فوزه في الجولة الأولى من الانتخابات في إبريل/نيسان الماضي، لكنه خسر في الحصول على المنصب الأعلى في الدولة بفارق 0.6 في المئة فقط لا غير من الأصوات.

وفي صربيا عاد فويسلاف سيسيلي رئيس الحزب الصربي الراديكالي، الذي برأته محكمة جرائم الحرب الدولية من الاتهامات في شهر مارس/آذار إلى البرلمان في 24 إبريل بعد انقطاع لمدة عامين، كما دخلت حركة دفري الأكثر تطرفاً إلى البرلمان للمرة الأولى. ومع ذلك فاز أيضاً زعيم الحزب التقدمي الكسندر فوسيتش الذي كان يعارض كل ما هو غربي، في آخر انتخابات بعد تخفيف لهجة خطابه المتطرف وإعرابه عن دعم الإصلاحات المؤيدة للاتحاد الأوروبي.

وفي بريطانيا جعل حزب الاستقلال البريطاني بقيادة نايجل فاراج الخروج من الاتحاد الأوروبي أولويته الرئيسية، وأكد ضرورة وقف«الهجرة الجارية بلا قيود» وحقق الحزب في الانتخابات الأخيرة، مكاسب في المجالس المحلية في إنجلترا وفاز بأول مقاعده في برلمان ويلز الإقليمي.

وفي الدنمارك، عارض حزب الشعب الذي يمثل «القيم الدنماركية»، الاتحاد الأوروبي ودعم فرض القيود القوية على الهجرة، كما أن الحزب كان وراء السياسة الصارمة التي تنتهجها الدنمارك حيال مسألة اللجوء والهجرة.

وفي فنلندا، سعى حزب الفنلنديين الشعبوي المتشكك في أوروبا، وهو ثاني أكبر حزب في البرلمان منذ عام 2015، إلى ترحيل نحو 20 ألف من طالبي اللجوء.

وفي فرنسا، حققت مارين لوبان زعيمة الجبهة الوطنية المناهضة للهجرة أكبر نسبة تصويت في انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2014، لكنها خسرت في الانتخابات المحلية التي أجريت في ديسمبر/كانون الأول، وتحذر الجبهة من «أسلمة» المجتمع الفرنسي. وفي ألمانيا أحرز حزب البديل من أجل ألمانيا نجاحاً مضاعفاً في الانتخابات المحلية في مارس بعد ثلاث سنوات فقط من تأسيسه، ومن المعروف عن الحزب موقفه المناهض للمسلمين، وانتقاده لسياسة الباب المفتوح التي تنتهجها ألمانيا بالنسبة للمهاجرين الفارين من سوريا.

وفي المجر تولى حزب فيدس الشعبوي اليميني مقاليد الحكم في البلاد بأغلبية مطلقة منذ عام 2010. وفرض رئيس الوزراء فيكتور اوربان قيوداً على حرية الصحافة وخصوصية البيانات، رغم احتجاجات ل«البيروقراطيين في بروكسل»، وسمح بإقامة سياج على أجزاء من حدود بلاده لمنع دخول اللاجئين.

وفي إيطاليا حقق حزب رابطة الشمال اليميني المتطرف، الذي يصف نفسه بأنه الحزب الذي يعارض الهجرة، وله علاقات وثيقة مع الجبهة الوطنية الفرنسية، النجاح في الانتخابات الإقليمية في إيطاليا في عام 2015، ولا سيما مع انتزاعه منطقة فينيتو بشمال شرق البلاد التي تضم البندقية.

وفي لاتفيا، يشكل التحالف الوطني جزءاً من الحكومة منذ عام.2011 وفي ضوء أزمة اللاجئين أثار المخاوف من اجتياح المهاجرين للبلاد. وفي هولندا، أيد حزب الحرية اليميني المتطرف المتشكك في الاتحاد الأوروبي بزعامة خيرت فيلدرز، الذي دخل البرلمان منذ 10 أعوام، الرفض الناجح لاتفاق تعزيز العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا.

وفي النرويج، يشارك الحزب التقدمي المناهض للهجرة في مقاليد السلطة في البلاد مع المحافظين منذ عام 2013. وقد اقترحت الحكومة التي تميل إلى اليمين فرض قواعد لجوء أكثر صرامة في سعيها لجعل البلاد «أقل جاذبية» لأولئك الذين ليسوا في حاجة حقيقية للحماية، على حد قول وزير الهجرة والاندماج. وفي بولندا، تولى حزب القانون والعدالة الحكم في البلاد بأغلبية مطلقة منذ عام 2015 وقد ألقى ظلالاً من الشك على مسألة حرية الصحافة واستقلال القضاء فضلاً عن عدم الترحيب بالمسلمين.

وأخيراً في السويد، يصور الحزب الديمقراطي نفسه كحزب وطني متشكك في الاتحاد الأوروبي يعارض تجارب تعدد الثقافات للقوى الأخرى. وتمكن الحزب في الانتخابات العامة عام 2014، من الحصول على أصوات مؤيدة له أكثر من الضعف، ولكنه فشل في إيجاد أي حزب آخر يقبل التحالف معه في المجلس التشريعي الوطني (البرلمان).

يمين فرنسا الصاعد يتغذى من الخوف والبحث عن الأمان

وضع الفرنسيون أيديهم على قلوبهم عند إعلان نتائج الجولة الأولى للانتخابات الفرنسية، شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما حل حزب الجبهة الوطنية اليميني المتشدد في الطليعة في ست مناطق على الأقل من أصل 13 في الدورة الأولى من انتخابات المناطق الفرنسية، جامعاً نسبة أصوات قياسية 30,8%، وأظهرت النتائج تقدم الحزب بفارق كبير على المعارضة اليمينية والحزب الاشتراكي الحاكم في ثلاث مناطق رئيسية، في الشمال في منطقة (نور-با-دي -كاليه-بيكاردي)، حيث ترشحت رئيسة الجبهة مارين لوبن، وفي الجنوب الشرقي في منطقة بروفانس-الب-كوت-دازور، حيث تقدمت ابنة أختها ماريون ماريشال لوبن، وفي الشرق في منطقة الزاس-شامباني-اردان-لوران، حيث تقدم فلوريان فيليبو أحد منظري الحزب.

دقت هذه النتائج ناقوس الخطر فسارع الحزب الاشتراكي بزعامة الرئيس فرانسوا هولاند على الانسحاب من منطقتين، ودعا مرشحيه لدعم حزب يمين الوسط بزعامة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في انتخابات الجولة الثانية الذي استطاع بفضل هذا التحالف الفوز في سبع مناطق، بينما اقتصر فوز الاشتراكيين من الحزب الحاكم على خمس مناطق، في الوقت الذي لم تفز فيه الجبهة الوطنية في أي منطقة نتيجة دعوة الاشتراكيين لأنصارهم للتصويت لصالح الخصم منعاً لمرور الجبهة إلى مجالس البلديات، ومع ذلك يمكن اعتبار مجمل النتائج نصراً لحزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، لأنه حصلت على حوالي 6.6 مليون صوت، ما يعد رقماً قياسياً غير مسبوق، ويجعل الحزب منافساً حقيقياً في انتخابات الرئاسة الفرنسية العام القادم. 

وفي هذا الخصوص يقول الباحث السياسي الفرنسي ميشال توب، إن الفرنسيين كانوا يتوقعون حصول حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان على نتائج جيدة في الجولة الأولى من الانتخابات الإقليمية، لكن حصول الجبهة على أعلى الأصوات وتصدره نتائج تلك الجولة شكل صدمة لفرنسا والعالم أجمع.

واعتبر توب أن تحذير رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس من انزلاق البلاد إلى ما سماها«حرباً أهلية»إذا فاز حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف في الجولة الثانية من الانتخابات الإقليمية، في محله، لكنه استبعد وقوع حرب أهلية، وقال إذا وصلت زعيمة الجبهة مارين لوبان إلى الرئاسة فإن فرنسا ستواجه خطر حرب أهلية على مستوى قيم الجمهورية، وسينزل الفرنسيون إلى الشوارع، وستندلع أعمال عنف، فلوبان تريد خروج فرنسا من منطقة اليورو، وهي تلعب على مخاوف الفرنسيين، وتزيد بسياساتها الاضطرابات في الضواحي.

وأشار توب إلى أن لوبان تخلط بين الإسلام المتطرف وجميع المسلمين، واصفاً خطابات الجبهة الوطنية بأنها خطابات سامة لا تلائم قيم الجمهورية الفرنسية.

واستفاد حزب لوبان المتطرف من تحول اهتمامات الناخبين بعد هجمات باريس، حيث لم يعد النقاش في فرنسا يدور حول «الحرية والمساواة والإخاء»، بل بات يدور وبشكل متزايد حول الأمن والأمان. واليوم باتت تتم وبكلِّ جدية مناقشة السؤال الأساسي عما إذا كان الإسلام جزءاً من مجتمعنا، وحتى عما إذا كان المسلمون سوف يحلون في النهاية«محلنا». فإلى أين وصلنا؟.

وتقول الخبيرة في الشأن السياسي الفرنسي ناتشا بولونيه إلى أن الحزب عمد في خطابة بأن «يركز على الفوارق الاجتماعية التي تتعمق بسبب البطالة وانكماش القدرة الشرائية وقضية المهاجرين غير المندمجين، ويحذر من أن هوية المجتمع تتمزق». ويرى كريستوف بوردوازو أنه كان الخطأ الأوَّل في فرنسا هو تجاهل حزب الجبهة الوطنية. حيث اعتقد السياسيون الفرنسيون أنَّ بإمكانهم الاستمرار في الحكم دون أن يأخذوا حزب الجبهة الوطنية بعين الاعتبار. وكانوا يعتقدون أنَّ حزب الجبهة الوطنية ليس فرنسا. وكذلك قاطعت وسائل الإعلام لفترة طويلة هذا الحزب – أو بصيغة أصح: لقد تجاهلته، بدلاً من أن تواجه حججه وبراهينه بالحقائق.

الكثيرون من الفرنسيين باتوا يتحدَّثون منذ فترة طويلة حول«الصحافة الكاذبة». وكذلك تتم مهاجمة الصحفيين من قبل مسلحين مقتنعين بأن وسائل الإعلام تحمي الأحزاب الراسخة في المشهد السياسي.

ويضيف كريستوف أنه من أجل مكافحة اليمين المتطرِّف عمل سياسيو فرنسا على تحذير الناخبين مراراً وتكراراً بالقول: ساعدونا في مكافحة حزب الجبهة الوطنية – بمنحكم أصواتكم لنا. وبهذه الاستراتيجية«المضادة لحزب الجبهة الوطنية» استطاع الكثيرون من السياسيين البقاء في السلطة، رغم أنَّهم بالذات كانوا أسباب اليمين المتطرِّف، ولكن ما نفع صوت الناخب «ضد حزب الجبهة الوطنية» عندما يكون السياسيون أنفسهم متورِّطين ويقدِّمون وعوداً كاذبة؟ في البدء وقبل كلِّ شيء، يجب أن يتم أخد هذا الخطر على محمل الجد.

وترى ناتشا بولونية أن الاختراق الواضح لليمين المتشدد بدأ يقلق الأحزاب الأخرى، وكان رئيس الوزراء الفرنسي السابق، اليميني المعتدل فرانسوا فيون بعث برسالة إلى الرئيس هولاند دعاه فيها إلى تغيير سياساته بهدف تجنيب فوز الحزب بانتخابات الرئاسة المقبلة، وقال المحلل السياسي تيري اغنوه «إذا كان الرئيس المقبل غير قادر على إيجاد إجابات تهم انشغالات الفرنسيين فسوف تكون حظوظ اليمين المتشدد حقيقية».

ويظل هذا التهديد قائماً بأن يتولى حزب لوبان اليميني المتطرف رئاسة الجمهورية الفرنسية نتيجة لكثرة التحديات التي تواجه الأحزاب هناك متمثلة في البطالة، والضجر من قبل الفرنسيين من هجرات اللاجئين إلى بلادهم وتضعضع الثقة في الاتحاد الأوروبي التي يتوقع أن تضاعف إذا صوت البريطانيون لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، وهو ما سيسهم في ارتفاع حظوظ حزب لوبان الذي يتبنى نفس النظرية.

نجح الحزب انتخابياً مستثمراً الغضب الشعبي

«البديل» يهز الأرض الألمانية ويعادي المسلمين والكنيسة

صعقت أوروبا وأصيبت بالسكتة الانتخابية عندما ظهرت نتائج الانتخابات في ولايات ألمانية عدة، حيث أظهرت تقدم حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المعادي للاجئين والهجرة واليورو، الذي صار لديه تمثيل في 5 من البرلمانات الألمانية المحلية ال 16، حيث خاض الانتخابات تحت شعارات مثل «عززوا الحدود»، و«أوفقوا فوضى اللجوء»، في الانتخابات التي جرت في شهر مارس/‏‏آذار الماضي.

الحزب الذي يطلق عليه «الحزب المعادي لليورو» ينادي بتفكيك منطقة اليورو، وعودة كل دولة من دولها إلى عملتها الوطنية. أما بخصوص الأيديولوجيا التي يطرحها، فينظر محللون عدة إليه كحزب ليبرالي محافظ يتبنى بعض الأفكار اليمينية.

هذا الحزب الذي تأسس قبل ثلاث سنوات فقط، تمكن من الحصول على نسب تصويت عالية في ولاية ساكسونيا السفلى (ألمانيا الشرقية) وولاية بادن فورتمبرغ، (جنوب غرب ألمانيا)، وولاية هيسن، حيث صوت له الناخبون هناك عقاباً على سياسات المستشارة انغيلا ميركل الداعية لفتح الحدود واستقبال اللاجئين، التي تدنت شعبيتها جرّاء ذلك.

صعد حزب «البديل» اليميني واستطاع الاستثمار في غضب الألمان. وكانت المستشارة ميركل قد هاجمت بشدة الحزب «البديل»، حيث قالت في تصريحات إنه يثير التعصب واستقطاب المجتمع. وقالت إن «حزب البديل من أجل ألمانيا ليس حزباً يجمع المجتمع ولا يطرح الحلول الملائمة للمشكلات، ولكنه يثير التعصب والاستقطاب».

كانت ردة فعل الناخبين الألمان مدوية جرّاء سياسات المستشارة خاصة في ولاية ساكسونيا السفلى، حيث لا يزال حزب ميركل أكبر الأحزاب، إلا أن حزب «البديل» حل ثانياً وحصد 21.5 % من الأصوات، ليتمكن بالتالي من دخول المجلس النيابي. وفي ولاية هيسن، حل الحزب ثالثاً ، حيث حصل على 13,2% من الأصوات ، خلف حزبي الاتحاد المسيحي الديمقراطي الذي حصل على 28,2 %والاشتراكي الذي حصل على 28 % .

أما في ولاية بادن فورتمبرغ، فقد حصل «حزب الخضر» على المركز الأول بنسبة 32.5 %، فيما جاء حزب ميركل ثانياً بنسبة 27.5 %، وجاءت النتيجة الأسوأ لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ولاية راينلاند بالاتينات، وهي ولاية المستشار السابق هيلموت كول، حيث خسرت جوليا كلوكنر، التي تسعى لخلافة ميركل، أمام مالو درير مرشحة الحزب الاشتراكي الديمقراطي ورئيسة وزراء الولاية، وفاز الحزب الاشتراكي الديمقراطي بنسبة 37% مقابل 33% لحزب ميركل.

وقد تضاعف النتائج المتواضعة التي حققها حزبها في الانتخابات الضغوط التي تتعرض لها المستشارة الألمانية، فيما تحاول إبرام صفقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا تهدف إلى خفض عدد المهاجرين واللاجئين الذين يقصدون أوروبا الغربية، لكن نائبها سيغمار غبرئيل، قال إن أي تقدم يحرزه «البديل» لن يغير موقف حكومته إزاء الهجرة، وقال «هناك موقف واضح نتمسك به، تلخصه كلمتا الإنسانية والتضامن. لن نغير هذا الموقف الآن».

إلا أن العاصمة برلين شهدت تظاهرات شارك فيها آلاف من اليمينيين حملوا لافتات كتب عليها «على ميركل أن ترحل» و«نحن الشعب». 

من المثير للحيرة أن حزب البديل لديه مواقف متطرفة وناقدة للمؤسسات الدينية والأفراد من الديانات الأخرى غير المسيحية بشكل عام. فبعد أن أدرج الحزب في برنامجه الذي أصدره مطلع مايو/‏‏أيار الماضي عبارة أن «الإسلام لا ينتمي لألمانيا»، وأثار ضجة كبرى واحتجاجاً وصدمة بين المسلمين ، قام الحزب عبر بيتر بيسترون، رئيس الحزب بولاية بافاريا، باتهام الكنيسة الكاثوليكية والبروتستاننية بتحقيق مكاسب كبرى من وراء أزمة اللاجئين، واتهم المنظمات الكنسية والمنظمات التابعة لها باستغلال استعداد المتطوعين للعمل الخيري على مدى أشهر دون أجر «في حين أنها تقدم فواتير كبيرة لمجالس البلديات وحكومات الولايات والحكومة الاتحادية مقابل إنشاء مراكز لإيواء اللاجئين وإدارة هذه المراكز». 

وهو الانتقاد الذي دعا الكنيسة للرد على الحزب، في وقت دعا فيه وزير العدل الألماني إلى عدم إقصاء حزب «البديل» من النقاش المجتمعي، فيما يشتد التوتر بين هذا الحزب والكنيسة التي تبرأت من أفكاره فيما اتهمها هو باستغلال أزمة اللاجئين، وقال وزير العدل الألماني هايكو ماس، إن إقصاء حزب «البديل» يعد استراتيجية خاطئة في التعامل معه. وقال «إن ذلك بالتحديد هو ما يرغبون به»، مشيراً إلى أنه «من الأفضل» أن يتم إجراء نقاش مع حزب البديل من ناحية المحتوى. 

ويرى الوزير الألماني أن حزب البديل لديه «مشكلة كبيرة مع حرية العقيدة»، مشدداً على حق كل شخص في ألمانيا بممارسة عقيدته بحرية. وهو ما يسري على الجميع بما فيهم المسلمات اللائي يرتدين الحجاب واليهود الذين يرتدون كيباه (غطاء الرأس اليهودي).

وقد سعى المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا إلى لعقد لقاء حزب البديل لتجسير الهوة، لكن الاجتماع سرعان ما انفض بعد أقل من ساعة بمشادة. ومن جانبه، قال رئيس المجلس أيمن مازيك، إن الحزب رفض إلغاء الفقرات الموجهة ضد المسلمين من برنامجه الحزبي. وقالت بيتري: «يطالبوننا بالتراجع عن برنامجنا الحزبي».

وكرد فعل على هذا البرنامج، ذكر مازيك من قبل أنه للمرة الأولى منذ نهاية الحكم النازي يوجد في ألمانيا حزب «يشوه سمعة طائفة دينية بأكملها ويهدد وجودها».

الواقعية القاسية

كانت صحيفة «الغارديان» البريطانية نشرت مقالاً عن علاقة صعود الأحزاب الأوروبية اليمينية «المتطرفة» بسياسات مواجهة ما سمته «الإرهاب»، وقالت في مقال كتبته ناتالي نوغايريد، إن صعود الأحزاب اليمينية «المتطرفة» لن يتوقف في أوروبا إلا إذا اتخذت سياسات متشددة تجاه «الإرهاب»، وكذلك في التعامل مع اللاجئين والمهاجرين غير النظاميين، قائلة إن المثالية المتعالية على الواقع لن تهزم شعبية هذا اليمين المعادي للهجرة واللجوء.

وأضافت أن تفجيرات بروكسل وأزمة اللاجئين تركت أوروبا أمام خيارين قاسيين لم تواجه مثلهما من قبل، موضحة أنها إذا لم تدافع عن قيمها في الترحيب بالأجانب فإنها ستفقد جزءاً أساسياً مما تتميز به، وفي الوقت نفسه إذا امتنعت عن التضحية عن بعض تلك القيم فإن وجودها نفسه سيكون مهدداً جزئياً بسبب احتمال وصول الأحزاب اليمينية «المتطرفة» للسلطة. وذكرت أن العمل بالواقعية القاسية في هذه الفترة ضروري «لأننا مواجهون بأشباح الماضي».

قضايا الهجرة والاتحاد الأوروبي و«الإسلاموفوبيا» تهزم الاشتراكيين والديمقراطيين

الانتخابات النمساوية تضع اليمين المتطرف على عتبة السلطة

مازالت الانتخابات الرئاسية النمساوية تجر تداعياتها في أوروبا بعدما خسر مرشح اليمين المتطرف نوربرت هوفر السباق بعدما حصل 7ر49% من الأصوات، أي بفارق 30863 صوتا فقط عن منافسه مرشح حزب الخضر ألكسندر فان دير بلين الذي حصل على 3ر50% من الأصوات. ويبدو أن الجدل المثار حول هذه الأزمة قد وصل إلى القضاء بعدما بدأت المحكمة العليا النمساوية جلسات واسعة النطاق لاتخاذ القرار حول ما إذا كانت جولة الإعادة الخاصة بالانتخابات الرئاسية بين مرشحي الخضر واليمين المتطرف سوف تحتاج لإعادتها بسبب ما تردد حول وقوع مخالفات، بعدما طعن حزب الحرية اليميني المتطرف في نتائج الانتخابات التي جرت الشهر الماضي بعد أن وقف على عتبة السلطة من دون أن يفوز بها.

بداية المفاجآت كانت مع خروج مرشحي الحزبين المشاركين في الائتلاف الحاكم من جولة الإعادة في 22 مايو/‏‏‏أيار الماضي عندما خرج المرشح الاشتراكي الديمقراطي رودولف هاندسفورتر والمرشح المحافظ أندرياس كول، من السباق الرئاسي، بعدما نال كل منهما 11,2%، واتجه المرشح البيئي ألكسندر فان در بيلين للمرة الأولى إلى خوض الدورة الثانية ب20,4 % من الأصوات على حساب المرشحة المستقلة إيرمغارد غريس (18,5 في المئة).

ليتكتل الجميع خلف مرشح حزب الخضر فان در بيلين لقطع الطريق على اليمين المتطرف. وكان اللافت أن هذه هي المرة الأولى منذ 1945 التي لن يتمتع رئيس البلاد فيها بدعم حزب الاشتراكيين الديمقراطيين، حزب المستشار فيرنر فايمان، ولا بدعم شركائهم من وسط اليمين في التحالف الحاكم في حزب الشعب. ويعني هذا «بدء حقبة سياسية جديدة».

استقبلت النمسا 90 ألف طالب لجوء وهو الرقم الثاني في أوروبا مقارنة بعدد السكان. وفي الأسابيع الأخيرة اتخذت الحكومة النمساوية موقفا متشددا من الهجرة. وبدأت الضغط على دول البلقان لقطع طريق الهجرة عبرها، انطلاقاً من اليونان إلى النمسا وألمانيا وإقامة حواجز حدودية في حال تجدد توافد المهاجرين.

مع أن المرشح اليميني نوربرت هوفر الذي خسر الانتخابات تجنب مهاجمة الأجانب في ظل تقدم تسعين ألف شخص بطلب اللجوء إلى النمسا العام الماضي، بل حرص على تحسين صورة حزبه عبر التركيز على تحسين مستوى معيشة النمساويين، مع هذا فإن فكرة حصول حزبه على 49.7% أي نصف أصوات الناخبين تعد فكرة مرعبة في حد ذاتها. ورأى النائب بالبرلمان المحلي للعاصمة النمساوية عمر الراوي أن حصول المرشح الرئاسي لحزب الحرية اليميني المتطرف على نصف أصوات المقترعين النمساويين، يضع الأحزاب الكبيرة في أوروبا أمام اختبار صعب، هو الحفاظ على البعد الإنساني في سياساتها أو تشديد القوانين.

مع أن عمر الراوي قال إنه استقبل نتيجة الانتخابات الرئاسية في بلاده بفرح، لعدم وصول مرشح اليمين المتطرف إلى أعلى منصب في الدولة، خاصة بعد لعبه على الإسلاموفوبيا والعداء للمسلمين ودعوته لمنع الحجاب. لكن الراوي عبّر عن حزنه أيضاً لأن النتيجة أظهرت تصويت نصف النمساويين لهوفر.

وأوضح أن حزب الحرية اليميني المتطرف وظف لصالحه تراكمات الأزمة الاقتصادية وحالة سخط موجودة أضافت إليها أزمة اللجوء مخاوف مجتمعية جديدة من تراجع جودة الحياة ومخصصات الضمان الاجتماعي.

رأى كبير محللي صحيفة ديرتاجستسايتونغ (تأتس) الألمانية دانيال باكس أن النتيجة أبعدت النمسا عن الانضمام إلى بولندا والمجر المحكومتين من اليمين المناهض لسياسات الاتحاد الأوروبي، لكنها تبعث على الانزعاج من تنامي قوة الأحزاب اليمينية المتطرفة ومواصلتها تقدمها من انتخابات لأخرى.

وقال باكس إن ما جرى في النمسا سيعطي زخما للتيارات المعادية للوحدة الأوروبية وللاجئين، خاصة في بريطانيا المستعدة للاستفتاء يوم 23 يونيو/‏‏‏حزيران على بقائها في الاتحاد الأوروبي.

وتوقع أن يشهد العام المقبل منافسة رئيسة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبان في انتخابات الرئاسة الفرنسية، ودخول «حزب البديل لألمانيا» المعادي لليورو واللاجئين والإسلام البرلمان الألماني (بوندستاغ) للمرة الأولى.

واعتبر باكس أن مشاركة أحزاب اليمين المتطرف في الحكومات بدول وسط أوروبا باتت مسألة وقت، بعد تمكنها في دول مثل فرنسا والنمسا من منافسة الاشتراكيين الديمقراطيين بقوة.

كما لفت إلى أن تأثير هذه الأحزاب تجاوز نتائج الانتخابات إلى التأثير على سياسات حكوماتها، لاسيما ما يتعلق باللاجئين والهجرة، وذكر أن هذا يبدو واضحاً في تأثير حزب الاستقلال اليميني المتطرف ببريطانيا وحزب البديل لألمانيا واليمين القوي في الدانمارك على سياسات حكومات البلدان الثلاثة، وتوجيه النقاش العام الدائر هناك.

اللاجئون ضحية

ترى مديرة معهد المسؤولية الإعلامية في برلين زابينا شيفر، إن تسبب نتائج الانتخابات الرئاسية بالنمسا في تشديد سياسات اللجوء بهذا البلد، أمر متوقع، بسبب تصويت نصف الناخبين لمرشح حزب الحرية المتطرف.

وأشارت شيفر إلى أن ما جرى بالنمسا سيكون له صداه بالتشدد حيال اللاجئين في باقي دول الاتحاد الأوروبي. وأوضحت أن تجاوب الأحزاب الشعبية في دول أوروبية كبيرة مع مطالب التيارات اليمينية بتشديد سياسات اللجوء جاء لقناعاتها بأن هذا سيسحب البساط الانتخابي من هذه التيارات، وهو ما أسهم في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة بقوة، وإعطائها مساحة مجتمعية أوسع.

وذكرت بقضايا اليمين المتطرف أن ما جرى في بلادها أوائل تسعينيات القرن الماضي أظهر خطأ هذا التصور، وأشارت إلى أن تبني أحزاب كبيرة في ألمانيا حينذاك خطاب اليمين وتقنين الحكومة لقوانين مشددة للجوء والهجرة، قاد إلى موجة واسعة من جرائم إحراق مساكن الأتراك ومراكز إيواء اللاجئين.

المصدر: الخليج