تركي الدخيل: نموذج الإمارات في التسامح يجب تعميمه عربياً

أخبار

لا يمكن للحديث مع تركي الدخيل، سفير المملكة العربية السعودية في الإمارات، أن يجد طريقه للملل، لما يفيض به من فكر، فهو من أولئك الذي يأخذون بيدك نحو مربعات العلم التي تتوهج نوراً.

والأمر ذاته بالنسبة إلى كتابه الجديد «التسامح زينة الدنيا والدين» الذي تشعر خلال تجوالك بين صفحاته أنك أمام عمل ثري، يفيض علماً لما يحمله من إجابات كثيرة عن أسئلة قد تثار في عقولنا ووجدانا عن قيمة التسامح، فمن خلال كتابه الذي سيرى النور في معرض أبوظبي الدولي للكتاب، يمكن لك أن تلمس سعي الدخيل إلى رتق ما أصاب ثقافتنا وساحاتنا العربية من جروح، بعد أن تمكن من وضع إصبعه على الألم الذي تئن تحته ساحاتنا العربية.

في كتابه، الذي يثقل بتعريف قيمة التسامح فلسفياً ودينياً وتاريخياً، يحاول الدخيل أن يرسم خريطة طريق واضحة أمام كل أولئك الذين يبحثون عن معاني التسامح، صغاراً كانوا أم كباراً، ليبدو الكتاب الصادر عن دار مدارك أشبه بحكاية فلسفية، يطرق بها الدخيل أبواب التاريخ.

ولا يبتعد في الوقت نفسه عن واقعنا العربي، ليؤكد لنا مدى خطورة الكراهية والعنصرية والعداوة التي تقف نداً قوياً أمام قيمة التسامح الفضلى، فـ«التسامح» كما يقول الدخيل في كتابه: «يعالج الكثير من القبح في هذا العالم، فهو شقيق الحب والسعادة، ورفيق الالتزام بالفضائل والمُثل، وركن الإيمان بالعيش المشترك، والدواء الذي يعالج ذاكرة الحروب والعنف والكراهية».

مفاهيم

لعلها «صدفة خير من ألف ميعاد» أن يأتي إصدار الدخيل لكتابه بالتزامن مع احتفاء الإمارات بعام التسامح، وهي القيمة نفسها التي يتناولها الدخيل في محاور كتابه الممتد على 330 صفحة.

وفي هذا الصدد، يؤكد الدخيل، في حديثه مع «البيان»، أن «نموذج الإمارات فيما يتعلق بالتسامح، يرجع أساساً إلى عهد المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي أرسى مجموعة من المفاهيم، مثل تقبل الآخر والتعاطي مع الجنسيات والأديان المختلفة، واعتزازه في الوقت نفسه بدينه وهويته، وهي المفاهيم ذاتها التي مارسها سلفه بعد ذلك، والذين اعتمدوا على الأساس المتين الذي وضعه المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان».

وأضاف: «حالة التسامح التي نراها اليوم في الإمارات لها أساس واضح، وأعتقد أن كل من يعيش على أرضها خاصة من الأشقاء العرب، يتمنون جميعاً تطبيق هذه الحالة في بلدانهم، بفضل ما فيها من احترام للآخر، وضمان للعيش المشترك»، وأكد الدخيل أنه يفترض أن يتم تعميم هذه التجربة على المستوى العربي.

لغة مشتركة

بلغة رشيقة، شرقية الحرف والهوى، يقدم الدخيل كتابه الذي يطرق فيه أيضاً أبواب الفلسفة الغربية، عبر استعراض نماذج من التجربة الأوروبية وكتابات الفلاسفة جون لوك وفولتير، الذين تركوا بصمة واضحة في علومنا وحياتنا، ليؤكد لنا الدخيل أن «التسامح يظل في نهاية المطاف، لغة إنسانية مشتركة، قادرة على أن تعيننا على بلوغ الطريق حتى نهايته».

وعن تأثير غياب ثقافة التسامح في شكل ومنظومة الثقافة العربية، وإسهام ذلك في بروز أفكار جديدة ومتطرفة في الساحة العربية، قال الدخيل: «المشكلة الرئيسة أن الثقافة العربية لا تزال تعيش في نمط المدينة الواحدة، ذات الديانة الواحدة، التي تستنكر الأديان الأخرى، بينما نشهد اليوم في العالم حالة تقارب ملحوظة.

حيث لم تعد مدنه ذات ديانة واحدة، وإنما أصبحت متعددة، فلمن يمكن أن نمنح أحقية الصواب المطلق من هذه الأديان»، متخذاً في هذا الإطار من أوروبا مثلاً، حيث قال: «أوروبا التي شنّت في القرون الوسطى ضد المسلمين حروباً صليبية الدموية، نجدها اليوم تدافع عن حقوق الأقليات بمن فيها المسلمة، حيث جاء ذلك بعد إيمانها بضرورة انتشار ثقافة التسامح، وعدم تبني الفكر الواحد، وبالتالي أعتقد أنه يجب علينا في ثقافتنا العربية أن نعيد تعريف مفهوم التسامح، وكذلك علينا إعادة صياغة المفاهيم الفقهية، وفق الواقع الجديد، لأن الحلول لا يمكن أن تكون بقطع الرؤوس وإسالة الدماء».

جدل

أشار تركي الدخيل إلى أننا «نعيش واقعاً سيئاً، ولذلك يجب علينا البدء بالتحاور». وقال: «قد يكون هناك جدل، ولكن ذلك يظل أفضل من الوصول إلى حد إراقة الدماء، وإلحاق الضرر بأمتنا وديننا وثقافتنا، ولذلك علينا أن نتوقف قليلاً، وأن نعمل التفكير وتحير مصطلحاتنا ومفاهيمنا»، مضيفاً: «لقد مررنا بمرحلة تفجيرات، ثم انتقلت إلى متعة بقطع الرؤوس والتشفي بأشكال وحشية لقتل المخالفين.

هذا الواقع المؤلم والتناحر الديني بين دين ودين أو مذهب ومذهب، واقع مؤلم ومخجل، ونسبه لثقافتنا يصيبنا في مقتل، فمن جهة تأبى مروءتنا ألا ننتصر لثقافتنا، ومن جهة ثانية، أبناؤنا هم من يمارسون فنون التنكيل والتفنن في القتل، وهو ما يستوجب علينا الوقوف الجاد أمام هذه المسألة بحزم وضبط، ولا يتأتى ذلك دون تجلية المفاهيم وتحديدها».

المصدر: البيان