حماية الوحدة الوطنية.. نظام حبيس الأدراج!

أخبار

تحقيق – إبراهيم الشيبان

باتت الموافقة على نظام يسمى (مشروع نظام حماية الوحدة الوطنية)، أكثر إلحاحاً بعدما استغلت بعض الأحداث الداخلية لإثارة النعرات القبلية والمناطقية، واستخدمت من أبواق خارجية، وأشعلوا نار الفتنة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالتزامن مع ذلك كان هناك مطالبات بعد توالي الأعمال الإرهابية التي طالت المنطقة الشرقية ثم مناطق أخرى من المملكة، حيث طالب محمد رضا نصر الله -عضو مجلس الشورى-، بضرورة سن نظام يحاسب كل من يسيء للوحدة الوطنية بفعل أو قول، وتوجه من خلال قبة مجلس الشورى، حيث تقدم بهذا المشروع هو وخمسة من زملائه يمثلون كافة ألوان الطيف الوطني بمشروع “نظام حماية الوحدة الوطنية” تحت غطاء المادة الثالثة والعشرين من قواعد عمل المجلس.

وسنت دول الخليج هذه القوانين منذ أزمان متباعدة، إلاّ أن المقترح الذي تقدم به ستة من أعضاء مجلس الشورى عام 2015م (محمد رضا نصر الله، د. زهير الحارثي، د. ثريا عبيد، د. عبدالله الفيفي، د. يحيى الصمعان، د. ناصر الداود) مازال حبيس الأدراج، وكان قبله قد تقدم بمشروع مماثل من د. زهير الحارثي في عام 2009م، ومن المنتظر أن يسن هذا القانون أو النظام مستقبلاً بعدما تم الانتهاء من دراسته والرفع به إلى لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية في مجلس الشورى.

واعتبر المشروع التمییز العنصري مخالفاً للوحدة الوطنیة والإجماع الوطني ویعاقب مخالفه من الشخصيات الاعتبارية بغرامة لا تتجاوز ملیون ریال، فیما تقل الغرامة للأشخاص الطبیعیین إلى (500) ألف ریال، ویجرم مشروع القانون المقترح المكون من (13) مادة التحریض على الكراهیة أو التمییز أو التعصب ضد الأشخاص بسبب انتمائهم العرقي أو القبلي أو المناطقي أو المذهبي أو الفكري، وتتمحور أهداف القانون في صیانة تماسك النسیج الاجتماعي من مخاطر النعرات العرقیة والقبلیة والمناطقیة والطائفیة والتصنیفات الفكریة المهددة للسلم الأهلي والوحدة الوطنیة.

وجاء هذا المشروع استناداً إلى المادة (23) من نظام مجلس الشورى الصادر والتي تنص على “لعضو مجلس الشورى اقتراح مشروع نظام جديد، أو اقتراح تعديل نظام نافذ، ودراسة ذلك في المجلس، وعلى رئيس مجلس الشورى رفع ما يقرره المجلس للملك”.

خارطة طريق

ونستحضر هنا خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- أمام مجلس الشورى في دورته السادسة عندما قال: “إننا مجتمع مسلم يجمعنا الاعتصام بحبل الله، والتمسك بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم عقيدة وشريعة ومنهجاً، فالشريعة الإسلامية تقوم على الحق والعدل والتسامح ونبذ أسباب الفرقة، ولذلك فإن الجميع يدرك أهمية الوحدة الوطنية ونبذ كل أسباب الانقسام وشق الصف، والمساس باللحمة الوطنية، فالمواطنون سواء أمام الحقوق والالتزامات والواجبات، وعلينا جميعاً أن نحافظ على هذه الوحدة، وأن نتصدى لكل دعوات الشر والفتنة أياً كان مصدر هذه الدعوات ووسائل نشرها، وعلى وسائل الإعلام مسؤولية كبيرة في هذا الجانب”.

إثارة الفتنة

وأكد د. هادي الیامي -عضو مجلس الشورى- على أن نظام جرائم المعلومات یغطي الكثیر من الجرائم المتعلقة باستغلال وسائل التواصل الاجتماعي، مشیراً إلى وجود كثیر من الأنظمة الخاصة بمعالجة النعرات القبلیة.

وقال المحامي حسین آل سنان: إن عملیة القبض على مثیري النعرات القبلیة أمر مطلوب وإن عدم وجود نظام یجرم هذا الفعل شجّع البعض على التمادي في إثارة الفتنة، مضيفاً أنه مما لاشك فيه أن المتابع سيلاحظ مشاعر الفرح والسرور عندما تتحرك جهات الأمن وتقبض على مثيري النعرات القبلية وبث الكراهية في مجتمعنا، وكذلك دور النيابة العامة لتحريك الدعوى العامة في هذا الشأن؛ لأنها جريمة تمس المجتمع ككل، وهذا مثال جميل على وعي المجتمع، مبيناً أن السلطات الإدارية تعمل في إطار عناصر تتمثل في الأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة والآداب والأخلاق العامة وهي مسؤولية مشتركة حيث إن مثل هذه التصرفات قد تخرج عن كونها تصرفات فردية لتصبح تجمعات تهدد سلامة الأمن والسكينة العامة، لذلك يجب وضع حد لها بسن أنظمة تجرم العنصرية والكراهية على أن تعمل أجهزة الدولة من خلالها في إطار النظام.

وأشار إلى أن هناك بعض الأعضاء في مجلس الشورى من استشعر خطورة مثل هذه التصرفات وتبعاتها وقام باقتراح مشروع نظام مكافحة العنصرية وبث الكراهية، ولكن للأسف لم يتم إقراره، مضيفاً أن التعامل بعشوائية لا يؤدي إلى الكفاءة سواء عند التطبيق من قبل رجال السلطة أو الوقاية من قبل التعليم والتثقيف والتحذير من تبعات العنصرية في المجتمع، مُشدداً على ضرورة سن أنظمة تجرم العنصرية بجميع أنواعها.

أفعال مجرّمة

وأوضح حمود الخالدي -مستشار قانوني- أن نار العنصرية تُحرك وتذكي بنار الفوقية، حيث توجد في القلوب الضعيفة المريضة التي تتوهم أنها بلغت مراتب الملائكة وفاقة البشر، دون إدراك منها أنها تحمل تلك الصفة القبيحة التي طرد ولُعن الشيطان بسببها، مطالباً الجهات ذات العلاقة أن تُعمل على هذه الآفة التي تتزايد يوماً بعد يوم، مؤكداً على أن نظام مكافحة الجريمة المعلوماتية لم يغفل عن مثل هؤلاء المعتدين، فقد نص في تعريفه الجريمة المعلوماتية على أنها هي “أي فعل يرتكب متضمناً استخدام الحاسب الآلي أو الشبكة المعلوماتية أو بالمخالفة لأحكام هذا النظام”، وأشار لعقوبتها في مادته السادسة على السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين لعدد من الجرائم، ومنها إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام أو القيم الدينية أو الآداب العامة أو حرمة الحياة الخاصة أو إعداده أو إرساله أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية أو أحد أجهزة الحاسب الآلي.

وأشاد بالدور المشكور الذي تقوم به رئاسة أمن الدولة من خلال رصدها ومتابعتها لما يتم تداوله بهذا الخصوص ولغيره من خلال مقاطع مرئيّة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تكون ذات موضوعات مختلفة أخرى تؤلب أيضاً على الشأن العام وتؤجج المشاعر تجاه قضايا لاتزال محل النظر القضائي أو تجاه مصلحة، والتحريض بشكل مباشر وغير مباشر لارتكاب أفعال مجرّمة شرعاً ونظاماً، والتي منها ما يخص ترابط النسيج الاجتماعي ونبذ العنصرية بين أفراده.

كلنا أمن

وأكدت بیان زهران -محامیة- على أن نظام جرائم الإرهاب وتمویله یعاقب كل فعل یقوم به الجاني تنفیذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي بشكل مباشر أو غیر مباشر یقصد به الإخلال بالنظام العام، أو زعزعة أمن المجتمع واستقرار الدولة، أو تعریض وحدتها الوطنیة للخطر، مضيفةً أن كل ما من شأنه المساس بالنظام العام يطبق عليه أحكام نظام مكافحة الإرهاب ويحال المتهم بعد التحقيق إلى المحكمة الجزائية المتخصصة، مُثنيةً على دور الجهات الأمنية الفاعل لحماية الوطن والمجتمع، موضحةً أن هذا الإجراء الأمني وبيان وزارة الداخلية رسالة واضحة ورادعة بأن القانون في مملكة الأمن والعزم لن يتساهل مع كل من يسلك هذا النهج غير السوي للنيل من بلادنا الغالية، وكلنا مسؤولون لمحاربة هذه الفتن والتبليغ عنها عبر تطبيق “كلنا أمن” الذي يساهم في إشراك المواطن بالتبليغ عن الحالات التي يرى فيها خطورة أمنية أو مخالفة للأنظمة والتعليمات، ويتوجب قطع الطريق أمام كل من يحاول إثارة الفوضى والعبث، ذاكرةً أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لبث الفتنة والفوضى يعتبر جريمة يطال صاحبها السجن والغرامة المالية.

وأضافت أن المادة الأولى من نظام جرائم الإرهاب وتمويله نصت على التعريف بالجريمة الإرهابية بأن يعاقب بكل فعل يقوم به الجاني تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي بشكل مباشر أو غير مباشر يقصد به الإخلال بالنظام العام أو زعزعة أمن المجتمع واستقرار الدولة، أو تعريض وحدتها الوطنية للخطر، مبينةً أن المحاكمة تكون من خلال المحكمة الجزائية المتخصصة للنظر في مثل هذه القضايا التي تمس السلم الاجتماعي.

تسريع المشروع

وطالب محمد رضا نصر الله، المؤسسة البرلمانية بضرورة المسارعة في إقرار هذا المشروع وإصداره دون تأخير والذي يعاقب مخالفي الإجماع الوطني من الشخصيات الاعتبارية بغرامة لا تتجاوز المليون ريال، فيما تقل تلك بالنسبة للأشخاص الطبيعيين بحيث لا تتجاوز الـ(500) ألف ريال.

موضحاً أن بعض القضايا التي حدثت خلال الأيام الماضية وتنطوي على تجاوزات طائفية وعنصرية تعلي الأصوات المطالبة بتسريع إقرار مشروع المحافظة على الوحدة الوطنية الذي لا يزال يراوح في دائرة الصياغة التشريعية داخل مجلس الشورى.

اللواء منصور التركي

الداخلية: سنقف بحزم وصرامة أمام أي إخلال بأمن المجتمع وسلامة أفراده

أكد اللواء منصور التركي -المتحدث الرسمي لوزارة الداخلیة- على أن قضیة حائل لا تزال منظورة وتحظى بمتابعة أمیر المنطقة، كاشفاً أن الجهات الأمنیة لا تزال تتابع كل من یثبت تورطه في إثارة الفتنة والنعرات القبلیة في قضیة حائل بأي صورة كانت، وأن جهات التحقیق لا تزال تقوم باستجلاء أدوار الموقوفین الـ24.

وقال: إن النیابة العامة هي الجهة المخولة بالتحقیق مع المتهمین لتحدید أدوارهم والاتهامات ضدهم، ومن ثم إحالتهم للشرع ومحاكمتهم، مُشدداً على ضرورة اتباع الإجراءات النظامیة سواء كانت قضیة شخصیة أو اجتماعیة، فقد كفل الشرع والنظام كافة الحقوق، وهناك جهات اختصاص تنظر في كل قضیة وفق الأنظمة.

وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت القبض على (24) شخصاً لهم علاقة بأطراف قضیة اجتماعیة في منطقة حائل، قاموا باستغلال مواقع التواصل الاجتماعي في الترویج للأكاذیب والمبالغات حول ملابساتها؛ بهدف إثارة الفتنة والنعرات القبلیة ودفع البسطاء لارتكاب ما لا تحمد عقباه، والتأثیر على سیر الإجراءات النظامیة والعدلیة القائمة، الأمر الذي دفع ببعضهم للتواجد بشكل مخالف أمام مقر إمارة المنطقة وبحسب المتحدث باسم وزارة الداخلیة، فإن الجهات المختصة حددت أصحاب الأدوار الرئیسة المتورطین في التحریض والإثارة وترویج الإشاعات والمبالغات بمن فيهم الشخص الذي قام بإنشاء «وسم» على أحد مواقع التواصل الاجتماعي لذلك الغرض، وتم القبض عليهم وبلغ عددهم حتى الآن (24) شخصاً.

ویجري العمل على استجلاء كافة الحقائق عن أدوارهم وأهدافهم، فیما تستمر المتابعة للقبض على كل من یتبین تورطه في أنشطتهم بأي شكل من الأشكال، ووزارة الداخلیة إذ تعلن ذلك لتؤكد أنها ستقف بكل حزم وصرامة أمام مثل تلك الممارسات وما تنطوي عليه من نشر للأكاذیب والأراجیف وإخلال بأمن المجتمع وسلامة أفراده، وتحذر في الوقت ذاته كل من تسول له نفسه تعكیر صفو أمن واستقرار هذه البلاد ومواطنيها والمقیمین على أراضيها بأن الجزاء الرادع سیكون مصیره.

المصدر: الرياض