حمد بن خليفة.. أمير ينتقم من شعبه

أخبار

عشية تنازل الأمير حمد بن خليفة آل ثاني عن الحكم في 25 يونيو 2013 وانتقاله إلى ابنه تميم ظهر الأب في خطاب متلفز قال فيه: «.. يشهد الله أنني ما أردت السلطة غاية في ذاتها، ولم أسع إليها من دوافع شخصية..»، ويبدو أنه في ذلك الخطاب الوداعي القصير كان قد أضاف إلى سيرته الذاتية أكذوبة متلفزة هذه المرة، فهذا الأمير الذي يشهد الله على كلامه بأنه ما أراد السلطة في ذاتها كان قد أزاح والده خليفة من الحكم بانقلاب أبيض عليه في يونيو 1995، وهذه عتبة مثالية لقراءة «بورتريه» هذا الرجل الذي يحكم الآن قطر من وراء ستار، غير أنه ستار شفَّاف يمكن من خلاله رؤية الوجهين الحقيقيين للأب وللابن ، ويهمنا هنا وجه الأب الذي ولد في العام 1952، ودرس في كلية ساندهيرست العسكرية الملكية في المملكة المتحدة، وتدرج، بعد ذلك في مناصب عسكرية عدة إلى أن وصل إلى قائد عام للقوات العسكرية القطرية، ولكن للعسكرية أخلاق وكرامة، ونظن أن حمد بن خليفة الذي يشكل مع «سميِّه» التآمري الانقلابي هو الآخر حمد بن جاسم تنظيماً ليس سرياً بالمرة (تنظيم الحمدين).. قد أهان المؤسسة العسكرية القطرية في أزمة الدوحة الراهنة، وذلك عندما مسخ أو قزّم دور هذه المؤسسة، وأجلسها في عربات الدرجة الثالثة للقطار القطري بأن استجلب قواتاً تركية وإيرانية إلى جانب القاعدة العسكرية الأمريكية في قطر.. وهذا (الشراء) للمرتزقة العابرين والجالسين على بركات ونعائم الغاز القطري لم يحرك في ذاتية القائد العام للقوات القطرية سابقاً أية وخزة ضمير مدنية أو عسكرية، وراح، ومنذ توليه الحكم بعد الانقلاب على أبيه كما قلنا يهيئ قطر خطوة خطوة للدور الانقسامي الانشقاقي الذي تلعبه الآن لعباً قذراً لا أخلاقياً على مختلف مستويات الحكم واستقطاباته للأفَّاقين والانتهازيين من الإعلاميين والخارجين على العدالة من إخونجية أو أخوات هذا التنظيم الإرهابي، وذلك كله بالمال السياسي والإعلام السياسي أيضاً.

عرّاب كل ذلك كان هو حمد بن خليفة الأب الذي يحرّك الابن وقد نزع عنه أية كاريزما وأي حضور طالما أنه مع ثنائية (حمد بن جاسم) يصنعان اللوبي الجهنمي الحاكم في الظل أو في الشمس لا فرق.

على السطح أو بلغة الباطنية السياسية تم في عهده إقرار دستور قطر الدائم، وعرفت البلاد الانتخابات البلدية، وقبل ظهور فضائية «الجزيرة» الشيطانية أو اللوبي الإعلامي الآخر ألغى وزارة الإعلام.. لكن كل ذلك كان صناعة الرجل (الذي ما أراد السلطة غاية في ذاتها!!)، أو أن الغاية من كل ما شهدته قطر في فترة حكمه هو تحويل الدولة إلى عزبة سياسيين ظلاميين كانوا قد اشتروا بالمال، ولا ننسى هنا أن رجلاً لا يعرف الورع والخوف من الله ، وهو يوسف القرضاوي كان قد عاش في جلباب حمد بن خليفة، وسوف يتسع الجلباب القطري بحياكة حمد ليتسع إلى من هم أكثر سوءاً من القرضاوي.. أولئك الذين أوصلوا قطر إلى الهاوية من عزمي بشارة عراب الفكر الإرهابي إلى خرّاصي جماعة الإخوان المسلمين وظلالها الباهتة من حركة حماس، وغيرها من جيوب دينية مسيسة وطفيلية.

المال السياسي

أنشأ حمد بن خليفة في فترة حكمه سوقاً للأسهم في الدوحة، ووسَّع خريطة الاستثمارات داخل قطر وخارجها لكنها كانت خريطة طريق تتجه دائماً إلى توسيع رقعة المال السياسي= وجوهره الفساد= وصولاً إلى شركات كبرى وبنوك أكبر.. رشى وشراءات ونكايات في الإعلام وفي الرياضة لن يكون آخرها المال الرياضي الفاسد في حكاية اللاعب البرازيلي (نيمار) الذي اشتُري بما يوازي ميزانية دولة وأكثر من ذلك دفع من أجل عيون (ساركوزي) نفقات طلاقه من زوجته (.. فقط 3 ملايين يورو)، ولم يذهب المال القطري في عهد حمد إلى التنمية الثقافية على سبيل المثال.. تراجع في المسرح، تراجع في الكتابة الأدبية، تراجع في الفنون، ويا ليت أن الأمر توقف عند الثقافة، بل أظهرت تقارير صحفية خلال الأزمة القطرية أن دولة الغاز الملياري هذه يعيش بعض سكانها في عشش، وبالطبع على حواف الدوحة التي تبعد عنها بمسافة (مقرط حجر أو مقرط عصا) كما يقولون في الأمثال الشعبية قاعدة عسكرية أمريكية كان حمد وما زال يهدد بها ظاهرياً وباطنياً جيرانه.. ومن هم هؤلاء الجيران؟؟.. إنهم ربعه وعظام رقبته من أهل الخليج العربي الذين يستقوي عليهم ابنه تميم الآن ببركات ملالي إيران إلى درجة الذهاب إلى عقر دارهم في طهران في كنف الرئاسة الإيرانية الجديدة، أما الحكاية القطرية «الإسرائيلية» فهي، أيضاً، من صناعة الأمير الأب. التقى (أمير الظل) وزيرة الخارجية «الإسرائيلية» تسيبي ليفني في العام 2007 في نيويورك، وقد يذهب بعضهم إلى أن هذا اللقاء هو شكلي، أو أن التبرير جاهز لهذا اللقاء من جانب الأقلام المأجورة في الصحافة القطرية المحجبة أو المقنعة في بعض عواصم الدول العربية، إلا أن الهوى «الإسرائيلي» في القلب الأميري القطري هو أبعد وأعمق من مجرد لقاء.. هناك قصور قطرية في تل أبيب على طريقة (ألف ليلة وليلة).. ولكن بنكهة عبرية.

الصنائع الثلاث

حاول (أمير الظل) الانقلابي والتنازلي أن يكون لقطر دور الكل يقول إنه أكبر منها.. في الخلاف اللبناني اللبناني كان يرتدي جبة المصلح، ولكن كانت عينه تقع دائماً على ما هو أبعد من الخلاف.. الحضور والدور، وإن أمكن شراء بعض النخب السياسية التي تنفعه (ليومه الأسود).. وهو راهن قطر الحالي حيث قطعت جذورها مع تربتها الخليجية العربية ممعنة في الاستفزاز والمظلومية والارتماء السوقي في حضن التركي والإيراني، وكل ذلك بتدبير الأمير الأب الذي جعل من ابنه بيدقاً على رقعة شطرنج يفردها متى يشاء، ويطويها متى يشاء، وبين الفرد والطي.. يتنقل الأمير الصغير في صنائع والده الثلاث: محاولة تعلم حياكة السجاد الفارسي، أي اتباع سياسة الهدوء والنار (الباردة) والصبر.. لكنه صبر مفتعل لا ينهض على شيء من النبل، وهذه الصنعة الأولى، أما الصنعة الثانية: فهي المتاجرة بالدين والدنيا معاً.. أي زراعة قطر بفطريات الإرهاب، فيما الصنعة الثالثة: محاولة شراء العالم بالمال.. وهو بالطبع مال غير نظيف.

إلى جانب الدهاء السلبي الذي يطبع شخصية الأمير الأب حمد بن خليفة، فهو أستاذ المظلومية التي استخدمها بلؤم عندما قام بتوريط زعماء خليجيين في عداوات مع النظام الليبي في عهد القذافي، وظل هكذا دأبه دائماً مسكوناً بمنطق القوة والحذر المرضي خصوصاً بعد فشل محاولة الانقلاب عليه أو عزله في فبراير 1996، أي بعد عام واحد من انقلابه على أبيه، وبذلك سوف يشيع في دولة قطر شكل من أشكال سياسة القبضة الحديدية في بلد صغير قام على مؤسسات أمنية وإدارية تابعة مباشرة لسطوة الأمير الذي = ويا للسخرية= بعدما عزل والده منحه لقباً رمزياً «الأمير الوالد».. هذا الأمير الوالد المعزول الذي وضع قيد الإقامة الجبرية بعدما عاد إلى قطر من منفاه المتنقل.

إن قصة انقلاب حمد على أبيه هي كما نرى متن وهامش.. مقدمة وحبكة ونهاية.. تماماً كما تنبني رواية أو قصة ليست قصيرة. قصة حذر رجل لم يحمه حذره ولا جهازه الأمني الحديدي من محاولة انقلاب عليه مرة ثانية في 2009 تقول المصادر إن منفذها قائد أركان الجيش الجنرال حمد بن علي العطية.. وجاء في تقرير صحفي أن 66 معارضاً قطرياً وقَّعوا آنذاك وثيقة يعلنون فيها عدم اعترافهم بشرعية الأمير حمد بن خليفة، غير أن لا شرعيته من الناحية القانونية والأخلاقية لا تتمثل فقط في استيلائه على حكم الدولة، بل، وأيضاً في سلوكه الاستقطابي والنفعي و«الميكافيلي» سواءً أكان داخل مؤسسة الحكم أم كان خارجها بهذه= «العرّابية»= أي من العرّاب الذي يدير دفة الحكم من خلال بيدقه الشطرنجي .

حيثيات لا أخلاقية

نذكر ذلك، ونؤكد عليه لهدف محدد نأمل أن نكرّسه عند القارئ، وهو لا أخلاقية الحُكم من خلال الحيثيات التالية: صناعة عبدة المال وزرعهم في قطر، وفي الكثير من المنابر الإعلامية المشتراة.. دعم الإرهاب والتطرف، التدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول.. مثل موريتانيا على سبيل المثال، ومحاولة فرض إملاءات قطرية على نواكشوط على طريقة الدول الكبرى التي تتعامل مع دول نكرة في العالم الثالث.. إذكاء نار الربيع العربي السياسي ثم إطفاء هذا الحريق بحريق أكبر حوّل، الربيع إلى خريف.. وأصابع حمد بن خليفة عليها آثار رماد النار القطري التي تلتهم الأخضر قبل اليابس.

حمد بن خليفة هو السابع في بنية حكم قطر التي بدأت منذ العام 1850،.. وجد دولة تسبح على بحيرة ضخمة من النفط والغاز، وبالتالي، مال بلا حدود، أو مال عابر للحدود يتجاوز مفهوم الثراء إلى التضخم بالثراء.. وسوف ينعكس معنى التضخم بشكل خاص على سلوك الرجل ورؤيته للخريطة الدولية بنصف عين.. بمعنى أن قطر في نظره هي دولة عظمى حتى لو كانت بحجم قطعة نقد صغيرة في سفح جبل.. هذا من ناحية سيادية عامة، أما من ناحية شخصية، فلا بأس بشقة مساحتها 800 متر مربع من طابقين في حي (ريفولي)، ولا بأس بقصر خيالي في فرساي، ولا بأس بنسبة 75% في شركتي «ريان» و«ياليس» في بنما، لا بأس للأمير يتيم الأم (توفيت والدته أثناء ولادته..) من أن تكون ثروته تزيد على ملياري دولار.. ونعتقد هنا أنها إحصائية قديمة.. كل ذلك بكلية واحدة، واقتطاع جزء من الأمعاء، وسمنة مرعبة كانت آنذاك تحيل نفسياً إلى الحضور الثقيل، والمركزية، وعنف الجسد الذي يتحول إلى عنف نفسي وثقافي في آن.

تاريخ من المراوغة

في ضوء حياة هذا الرجل الذي يحمل تاريخاً من المراوغة والتقلبات والانتهازيات فكل شيء جائز.. أولاً: الثروة عندما تتحول إلى مزرعة وطاويط تصبح أداة في يد طاغية أياً كان حجمه أو حضوره.. وثانياً: الرغبة المرعبة في الاستحواذ على السلطة حتى لو كان المرء خارجها.. وثالثاً: التحالفات الضمنية أو العلنية مع حمد بن جاسم الثعبان الآخر، وتوظيف عقلية الشرّ في داخله نحو النفاق والشقاق والأكاذيب.

بهذا المعنى، ولنكن حقيقيين مع أنفسنا، فإن حمد بن خليفة =عملياً= لم يغادر كرسي الحكم، وإن كان لا يجلس عليه، وهو لاعب أول في الأزمة القطرية، لاعب له نفوذ وأدوات وآليات.. الشروط الثلاثة عشر التي تقدمت بها دول المقاطعة لم تنفذها الدوحة لأن (أمير الظل) أو الأمير الأب= الذي، مرة ثالثة ورابعة وخامسة لا يريد السلطة في ذاتها.. هو الذي لا يريد تنفيذ الشروط، والفكرة الشيطانية الرامية إلى تسييس الحج واعتبرتها السعودية إعلان حرب عليها تحمل بصمات «حمد»، وشحن الإيرانيين والأتراك وعائلاتهم ومنحهم وغيرهم الإقامة الدائمة.. تحمل أيضاً عقلية «حمد»، وفتح المجال للهجرة من لبنان (.. لبنان حزب الله بالطبع)، إلى قطر بلا تأشيرة دخول هو منطق «حمد»، وقبل كل ذلك صناعة الجزيرة هي صناعة «حمد»، والاستقواء على الجارة البحرين هو استعارة «حمدية» من قاموس القوة والسوبرمانية الذي تأثر به «حمد» من عاصفة الصحراء، حيث كانت الطائرات الأمريكية تغير على بغداد منطلقة من المجال الأرضي القريب من الدوحة.. إلى العاصفة القطرية اليوم بأدبيات حمد بن خليفة آل ثاني.

ما الذي بقي بلا قناع اليوم؟؟.. وما الذي بقي ولم تكن أصابع وبصمات وأشواق حمد داخلة في نسيجه؟؟!!

من تغذية جيوب الإرهاب في سيناء، إلى استفزاز مصر والإساءة إلى كينونتها العربية التاريخية، إلى قطع عرق الحياء والحياة تجاه السعودية والإمارات والبحرين، إلى (الاستثمار) في العنف، إلى الرغبة المرضية في نشر القلق والفوضى واللاطمأنينة في منطقة الخليج العربي.. كل ذلك بمقدماته منذ أواسط تسعينات القرن العشرين وتراكماته المرئية عبر سنوات، ونتائجه المقروءة والكارثية اليوم.. هو نتاج عقليات جهنمية كانت تخطط وتشتغل في الليل والنهار بأجندات ومراحل وسياقات.. وحمد بن خليفة آل ثاني كان وما يزال سياقاً وسلوكاً وثقافة وفكراً… تابعاً تماماً لهذه العقليات الجهنمية الشيطانية.

المصدر: الخليج