خريطة الإرهاب الأسود فـــي رمضان

أخبار

بعد أن وصل الإرهاب الأسود وامتدت يده السوداء إلى المسجد النبوي الشريف لم يعد أمر القضاء عليه يحتاج إلى تردد.. فلا بد من قتل الإرهابيين قتل عاد وإرم.. لا حجة لمتردد ولا عذر لمتقاعس والأمر أصبح واضحاً كالشمس.. فالإرهاب لا يراعي شهراً حراماً ولا بلداً حراماً ولا مسجداً حراماً.. سقطت كل الأقنعة وكل اللحى بعد التجرؤ على المسجد النبوي الشريف في شهر رمضان المبارك.. ترويع الآمنين جريمة فما بالنا إذا كان ترويع الآمنين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وخارطة الإرهاب في رمضان هذا العام ممتدة على طول وعرض خريطة الكرة الأرضية فلم يكد يمر يوم واحد في رمضان الماضي من دون أن تقع عملية إرهابية في الشرق وفي الغرب من الولايات المتحدة غرباً إلى بنجلاديش شرقاً.. مروراً بالدول العربية مثل الأردن الذي ضربه الإرهاب الأسود في أول أيام شهر رمضان.

«الاتحاد» تتصفح خريطة الإرهاب في رمضان الماضي والعمليات التي وقعت، وذروتها بالطبع الهجوم الخسيس عند المسجد النبوي الشريف.. كما يستطلع آراء الخبراء والمختصين حول هذه الهجمات الجبانة وسبل استئصال آفة الإرهاب.

أحمد مراد(القاهرة)

أكد باحثون وخبراء ودعاة أن العمليات الإرهابية التي روعت الآمنين خلال شهر رمضان الماضي، كشفت الوجه القبيح للتنظيمات الإرهابية، وأكدت أنها جماعات مارقة تنفذ أجندات مشبوهة لخدمة قوى شريرة متربصة بالأمة، فعندما يقدم هؤلاء الموتورون على استهداف المسجد النبوي الشريف، أطهر بقاع الأرض، وثاني مقدسات المسلمين بعد المسجد الحرام، تسقط ورقة التوت عن هؤلاء القتلة المأجورين، ويصبح الحديث عن علاقتهم بالإسلام نوعاً من العبث وإضاعة الوقت في هراء لا يفيد.

وقالوا إن الهجمات الخسيسة التي شهدتها المدينة المنورة وجدة والقطيف، تطور نوعي في نهج العمليات الإرهابية بالمنطقة العربية، مشيرين إلى أن هدفهم الفاشل من هذه العمليات هز الثقة في الأمن السعودي، واعتبر الخبراء هذه العمليات «المجنونة» بداية النهاية لهذه الفئة الضالة، فوصول الإرهاب إلى مسجد الرسول ضاعف الغضب الشعبي والرفض العام لممارسات المتطرفين، وأفقدهم أي تعاطف كانوا يحظون به بسبب تدثرهم بعباءة الدين.

يقول د. محمد الجليند، الأستاذ بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف المصرية، إن التفجيرات الإرهابية التي وقعت خلال شهر رمضان في عدد من الدول، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، دليل قاطع يؤكد أن منفذي هذه العمليات ومن خططوا لهم ودعموهم بالمال والسلاح، لا علاقة لهم بالإسلام، ولا يدركون جوهر الدين الحنيف الذي يدعو إلى السلام والتسامح والرحمة، ولا المعاني والقيم الروحانية التي تميز شهر رمضان عن غيره من الشهور.

وأكد د. الجليند أن الإرهابيين لا تحركهم دوافع دينية، وإنما ينفذون أجندات سياسية مشبوهة، يقف خلفها متآمرون على «الأمة»، هدفهم الأساسي إذكاء الصراعات في الدول الإسلامية، وإشعال الفتن الطائفية والمذهبية، مشيراً إلى أنه لا يمكن لـ «مسلم» يعرف أبسط تعاليم وقيم دينه أن يقدم على استهداف المسجد النبوي أو أن يفجر نفسه وسط المصلين، وبالتالي فنحن أمام عمليات إجرامية ممنهجة تستهدف أمن واستقرار العالم الإسلامي.

وأشار الجليند إلى أن المساجد بيوت الله في الأرض، وحرمتها قاطعة في كل المذاهب، ومن ثم فإن ما حدث من اعتداء في محيط المسجد النبوي هو تعد سافر على حرمة المساجد وحرمة النفس وحرمة الشهر الكريم، ومن قام بهذا العمل مجرم أثيم، باع نفسه لقوى الشر التي تسعى لتفتيت الأمة وفك عضدها.

وأضاف: «كشفت الجماعات الإرهابية والتنظيمات المتطرفة عن وجهها القبيح، وأصبح واضحاً للجميع أنه لا دين لها ولا عقيدة، ومن ثم يجب على المجتمع الدولي أن يتعاون لاستئصال هذا المرض الخبيث الذي يهدد البشرية بأسرها، وعلى الغرب أن يكف عن المغالطة، وأن يعرف ويعترف بأن التطرف المقيت لا علاقة له بالإسلام السمح، وأن التنظيمات المتطرفة تحاول التمسح بالدين، وتتخذ منه ستاراً تخفي خلفه أهدافها المريضة، ووسيلة تستقطب بها المغرر بهم من الشباب».

وأشار إلى أن جماعات التطرف التي تدعي زوراً وبهتاناً أنها تمثل الإسلام، أساءت إلى الإسلام أيما إساءة، وأظهرته لمن لا يعرف حقيقته السمحة على أنه دين عنف وقتل وتخريب، وهو أمر يحتاج إلى تضافر جهود كل الدول الإسلامية لرسم صورة صحيحة للدين الحنيف خارج حدود العالم الإسلامي، بالإضافة إلى جهود مماثلة لحماية النشء والشباب وتحصينهم من الأفكار الصحيحة حتى لا يقعوا فريسة لمروجي الفكر الضال الذين يستخدمونهم وقوداً لمعركتهم ضد الإسلام.

ووصفت الداعية الإسلامية المعروفة د. سعاد صالح، عميدة كلية الدراسات الإسلامية بالأزهر سابقاً، التفجيرات الإرهابية التي وقعت في السعودية والعراق وسوريا خلال شهر رمضان بأنها جرائم نكراء ارتكبها أناس عديمو الإنسانية ومرضى نفسيون، باعوا أنفسهم للشيطان، مقابل أوهام لا وجود لها إلا في عقولهم المريضة.

وتضيف د. سعاد: «خص الله تعالى شهر رمضان بفضائل لا حصر لها، تلين معها نفس المسلم، وتكون أقرب للطاعة والرحمة والتسامح والمغفرة، فكيف ينسلخ «مسلم» من هذا الجو الروحاني الخالص ويقدم على القتل والتخريب والتدمير في الشهر الفضيل؟ وكيف يتجرأ «مسلم» على تفجير نفسه في محيط المسجد النبوي، وكيف غابت عن ذهنه قدسية هذه البقعة الطيبة الطاهرة؟ وكيف قبلت نفسه إلحاق الضرر بمن يفترض أنهم إخوانه وهم يؤدون صلاتهم في رحاب مسجد نبيهم الكريم؟».

وأكدت د. سعاد أن الإسلام ضد كل أشكال العنف والتدمير والتخريب، ويرفض الغلظة والخشونة في التعامل مع الآخرين، ويتجسد هذا الموقف في قول الله تعالى: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن»، ولم يذكر القرآن الغلظة والشدة إلا في موضعين اثنين، الأول عند مواجهة الأعداء، حيث يتطلب الأمر صلابة وقوة: «يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة»، والثاني عند تنفيذ العقوبات الشرعية على من يقترفون المحرمات، حيث لا مجال لعواطف الرحمة في إقامة حدود الله: «ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله»، ومن هنا فإن كل الجماعات والمنظمات الإرهابية تتخذ مسلكاً منافياً تماماً لصحيح الإسلام، وهي أبعد ما تكون عن الدين الحنيف.

وشددت د. سعاد على ضرورة دعم وتعزيز المنهج الوسطي المعتدل الذي يميز الإسلام، والتأكيد على أن المغالاة والتطرف والتشدد ليست من طباع المسلم الحق المتمسك بتعاليم دينه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وأن الإسلام يقوم على الدعوة إلى الله بالرفق واللين والتوازن والتيسير، ويرفض الغلظة والعنف في التوجيه، مشيرة إلى ضرورة إيضاح أن الإسلام في حالة عداء مع المتطرفين والإرهابيين، انطلاقاً من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تربي المسلم على القيم الفاضلة، وتحذر من انتهاك المحرمات والفساد في الأرض، وترفض التطرف والعنف والترويع والإرهاب.

ويؤكد د. كمال الهلباوي، القيادي المنشق عن جماعة الإخوان، وعضو المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان، أن التفجير الإرهابي الذي وقع في محيط المسجد النبوي والعمليات الإرهابية التي روعت المسلمين في شهر الصيام إجرام منظم ترعاه أجهزة ودول لضرب عناصر القوة في الأمة الإسلامية، ولا يستفيد منه سوى أعداء الإسلام الذين يسعون لإضعاف المسلمين، وتقويض استقرار الدول الإسلامية عن طريق تغييب عقول الشباب، وإثارة النعرات المذهبية والطائفية.

وقال الهلباوي إن الإرهاب صنيعة الولايات المتحدة الأميركية، فواشنطن هي من سهلت في البداية تسليح تلك الجماعات المتطرفة، ودعمتها، حتى استفحلت ووصل خطرها إلى معظم دول العالم، بما في ذلك الدول الأوروبية، بل وأميركا نفسها، وبالتالي فلا بد من توحيد الجهود لتجفيف منابع تسليح هذه الجماعات، وهو أمر يمكن تحقيقه إذا تخلت القوى العالمية عن أطماعها وأهدافها الخبيثة.

وحذر د. الهلباوي من خطورة محاولات بعض القوى الغربية الربط بين الإسلام والجماعات الإرهابية، مطالباً الدول العربية والإسلامية والمؤسسات الدينية كافة بتحرك سريع لكشف زيف هذه الادعاءات، ونشر الصورة الصحيحة للدين الإسلامي الذي يدعو إلى حقن الدماء، ويرفض استهداف الأبرياء بهذا الشكل الوحشي، مشدداً على ضرورة إطلاق مبادرات لترسيخ مبادئ وتعاليم الإسلامية السمحة التي لا تعرف الغلو والتطرف والإرهاب في عقول شباب المسلمين، لقطع الطريق على القوى الشريرة التي تجندهم لتنفيذ أجنداتها المشبوهة.

وأوضح د. كمال حبيب الخبير في الحركات الإسلامية، أن التفجيرات الإرهابية التي وقعت في جدة والقطيف ومحيط المسجد النبوي، تطور نوعي للعمليات الإرهابية التي تشهدها المنطقة العربية، يكشف عن الوجه القبيح للجماعات الإرهابية التي تتخذ من الإسلام ستاراً لجرائمها، مشيراً إلى أن استهداف محيط المسجد النبوي بداية النهاية لهذه الجماعات، فهذه الفعلة الشنعاء ضاعفت الغضب الشعبي والرفض العام لممارسات هذه الفئة الضالة، كما أفقدتها التعاطف النسبي الذي كانت تحظى به بسبب تدثرها بعباءة الدين.

وأكد أن التفجير الذي وقع في محيط المسجد النبوي يفوق في بشاعته حوادث سفك الدماء والاعتداء على المقدسات التي نفذها «القرامطة» الذين اعتدوا علي المسجد الحرام وأخذوا الحجر الأسود ومنعوا الحج لعشر سنوات، مشيراً إلى أن الهدف من هذا الفعل المشين هو توصيل رسائل مغلوطة بأن السعودية لا تسطيع حماية المقدسات، وهز الثقة في الأمن السعودي، وأصحاب هذه الرسائل معروفون، وأهدافهم الخبيثة مفضوحة، ولن ينجحوا في تنفيذ أجنداتهم لأن العالم، شعوباً وحكومات، اكتشف زيف ادعاءاتهم بعد سقوط الأقنعة عن وجوهم القبيحة.

وقال د. حبيب: «من المؤسف أن من يقومون بالعمليات الإرهابية يسمون أنفسهم بأسماء إسلامية، ويختارون لجماعاتهم أسماء تنتهي بالإسلام مثل جيش الإسلام أو الدولة الإسلامية، ويعتبرون أعمالهم الإجرامية جهاداً، ولا أدري من أي مصدر شيطاني يأتي هؤلاء بأحكامهم الضالة المضلة التي يستدلون بها على مشروعية أعمالهم الإرهابية التي طالت المسلم وغير المسلم».

وأضاف: «التفجيرات الإرهابية بصفة عامة أمور دخيلة على مجتمعاتنا الإسلامية، وهي صناعة خارجية تهدف إلى زعزعة الاستقرار، وإثارة النعرات الطائفية البعيدة عن الإسلام الذي يحض على الترابط والتوحد والتعاون».

وقال: «يجب أن يعلم الجميع بوضوح أن كل جماعة مسلحة تمارس الإرهاب أو تسانده تخالف الإسلام الذي حرم كل ما يهدد أمن المسلمين وغير المسلمين أو يبدد أموالهم أو يمس حرية العقيدة».

وتابع: «الإسلام لا يعرف العنف، والإرهاب لا دين له ولا وطن، الإرهاب صناعة منظمة تديرها وتمولها وتوفر لها الغطاء السياسي جهات مشبوهة، تسعى لتفتيت المنطقة وإعادة رسم خريطتها، وفقاً لمخطط كبير يحقق مصالح أعداء الأمة».

القوة والوحدة والوعي.. أسلحة مواجهة الفئة الضالة

أحمد شعبان(القاهرة)

لا يمكن محاربة الإرهاب دون تحديد العدو ومعرفة أفكاره والأسلحة القادرة على القضاء عليه، وقد كانت العملية الإرهابية بمحاولة استهداف مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة لحظة كاشفة لأقنعة الإرهاب والتطرف، أكدت أن هدف التنظيمات الإرهابية على اختلاف مسمياتها واتجاهاتها ومموليها لا تهدف إلا للسيطرة والحكم والنفوذ، بل هدفهم اختراق المجتمعات المسلمة وشق صفوفها، وفي هذه اللحظات الحاسمة يؤكد المفكرون ورجال الدين وخبراء استراتيجيون أن المعركة تدخل فصلاً جديداً من الصراع الذي يجب أن تتوحد فيه صفوف المجتمعات وتلتف حول قياداتها، وأيضاً توحيد القوات المسلحة العربية لتواجه التنظيمات التي صنعها الغرب وصدرها لنا، ودعوة العالم لوضع تعريف موحد جامع مانع للإرهاب، وإلزام الدول بالفصل بين قيم الحرية وبين إطلاق يد قيادات الإرهاب لتنظيم صفوفها في الخارج. تكفير المجتمع

يقول اللواء أركان حرب دكتور طلعت موسى، رئيس كرسي الاستراتيجية والأمن القومي بأكاديمية ناصر العسكرية العليا في مصر، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إن العمليات الإرهابية بدأت في العراق ثم انتقلت إلى سوريا وليبيا وفرنسا وبلجيكا والأردن ولبنان ومصر والبحرين، وطوال المعركة كانت المملكة العربية السعودية على خط المواجهة، والعملية الأخيرة التي وقعت بجوار المسجد النبوي الشريف أكبر دليل على أن الجماعات الإرهابية لا يفكرون في الإسلام ولا يهدفون إلا لاستغلاله في السيطرة والتحكم وتكفير المجتمعات الآمنة، كما أنهم يتلقون دعماً كبيراً وتدريباً عالي المستوى، ورأينا ذلك في مهاراتهم القتالية وعمليات التفجير والتدمير، كما حدث مؤخراً في المدينة المنورة والقطيف بالمملكة العربية السعودية.

وأوضح اللواء طلعت، أن من أسباب التطرف وانتشار الإرهاب في العالم، عدم وجود تعريف موحد للإرهاب، وكل دولة تفسر الإرهاب بالطريقة التي تخدم مصالحها الخاصة، وأولهم الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، ولا يجب أن ننسى أن أميركا هي التي دعمت في البداية تنظيم القاعدة، قبل أن ينتقل من الجبهة الروسية إلى مواجهة أميركا نفسها ويوجه لها أكبر ضربة إرهابية في تاريخها، وقد ارتكبت أميركا نفس الخطأ عندما غضت الطرف عن داعش، واليوم تقود تحالفاً من 40 دولة لمحاربته، لكن التنظيم الإرهابي تنامى رغم الغارات والضربات واتسع في العراق وسوريا، وتمدد في ليبيا ودول عربية أخرى، كما أن هناك دولاً كثيرة تفتح حدودها للإرهابيين القادمين من أوروبا والعراق وسوريا، وبعض الدول تمول الإرهاب بشتى الصور، فمنهم من يقدم السلاح أوالذخيرة أوالمواد الطبية أوالأفراد أوالأموال، وهناك من يدعم الإرهاب بالتدريب مثل إيران، ومن خلفها حزب الله في لبنان، وحماس في قطاع غزة، ومنهم من يدعم الإرهاب بالقوانين ويفتح صدره لاستضافة وحماية الإرهابيين مثل بريطانيا.

وأكد اللواء طلعت ضرورة تحديد حجم ونوع التحدي الذي نواجهه، وطالما أن التهديد مشترك للدول العربية كافة فيجب التعامل معه من خلال قوات مسلحة عربية مشتركة، فلن يتم القضاء على الإرهاب في المنطقة بقوات من دول أجنبية قدمت يوما ما الدعم والمظلة السياسية للإرهاب.

وأشار إلى أن ما حدث في محيط الحرم النبوي بالمدينة المنورة، خطوة خطيرة في الحرب مع التطرف والإرهاب، فهم يفجرون أنفسهم بالقرب من أطهر بقاع الأرض، وهذا دليل على أنهم يستهدفون المجتمع المسلم بشكل عام، فهم لا يعادون نظاماً أو حكماً بل هدفهم تكفير المجتمع واستغلال الدين في الوصول للسيطرة والإخضاع والتحكم، فنحن لم نر من أي تنظيم أو جماعة رفعت شعار الدين سوى الدم والصراعات، وعلى رأسهم جماعة الإخوان الإرهابية التي حكمت مصر عاماً فكادت أن توقع البلاد في حرب أهلية، فهذه الجماعات والتنظيمات لا طموح لهم سوى السيطرة والتمكن، أما الخطوة التالية لا يعرفون عنها شيئاً سوى قتل وإبعاد وإقصاء أي صوت معارض.

وطالب اللواء طلعت بضرورة إحياء القوة العربية المشتركة لكي نقضي على داعش وعلى مخطط التقسيم في المنطقة العربية الذي توقف بعد وحدة مصر مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ودول الخليج بعد ثورة 30 يونيو حتى أصبحوا لحمة واحدة في مواجهة مخطط تقسيم الدول العربية إلى دوليات، وقال: يجب أن نستكمل الوحدة العربية والترابط المصري السعودي الإماراتي الكويتي لمواجهة هذا الخطر الذي يهددنا جميعا، ومن الضروري أيضاً تصحيح مسار الخطاب الديني ومقاومة الأفكار الشاذة التي تنتشر بين الشباب العربي، وعلى الحكومات تحصين الشعب ضد الأفكار الإرهابية ومحاولات التقسيم.

ضربات ناجحة

أشار مصطفى حمزة، مدير مركز دراسات الإسلام السياسي، إلى أن تنظيم داعش يستغل حماس الشباب المسلم لا سيما من أبناء الغرب، ويوظف هذا الحماس في ارتكاب العمليات الإرهابية في شهر رمضان مدعين الاقتداء بالصحابة الذين قادوا غزوات الجهاد في الشهر نفسه، ومستغلين جهل هؤلاء الشباب بتفسير النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تحض على الجهاد في سبيل الله لتبرير جرائمهم.

وأضاف أن تكثيف العمليات الإرهابية في رمضان يهدف إلى رفع الروح المعنوية والقتالية لعناصر التنظيم، وتشتيت جهود الأمن في الدول التي يرتكب فيها جرائمه، متصوراً أنه يمكن إضعاف جبهات القتال وجر القوات النظامية إلى حرب عصابات وشوارع، وأكد حمزة أن سبب استهداف التنظيم الإرهابي للمملكة العربية السعودية يأتي في المقام الأول لأن المملكة كانت من أوائل الدول التي تنبهت لخطر الإرهاب، فأخذت على عاتقها محاربة رموز التطرف منذ عام 1994، ووجهت له ضربات استباقية كبيرة، فأسقطت المئات وقبضت على العديد من دعاة الفتنة والإرهاب وشق الصف، فنجحت في كشف عوراتهم الفكرية الضالة، ووضعت التطرف تحت الحصار سواء أمنيا أو اقتصادياً أو سياسيا، وعلينا إدراك أن الهجمات المجنونة والعشوائية التي يرتكبها عناصر التنظيم الإرهابي أكبر دليل على فداحة خسائره، وإحباط مؤامراته التي يخطط لها في أجهزة المخابرات المعادية، وقد كان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حاسماً حين أكد أن «المملكة عاقدة العزم بإذن الله على الضرب بيد من حديد على كل من يستهدف عقول وأفكار وتوجهات شبابنا الغالي، وعلى المجتمع أن يدرك أنه شريك مع الدولة في جهودها وسياساتها لمحاربة هذا الفكر الضال، ونحن في هذا نستهدي بتعاليم ديننا الإسلامي الذي يعصم الدماء والأموال».

امتداد لليهود

وقال الشيخ عادل أبو العباس، عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، إن هذه ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها مسجد رسول الله – صلى الله عليه وسلام، حيث حاولت جماعة من اليهود التي ادعت إسلامها حرق المسجد، وامتد الحريق إلى جزء من حجرة السيدة عائشة، وذكر ذلك مؤرخو المدينة وخاصة العلامة السمهودي في كتبه المتعددة في باب تعرض حريق المسجد النبوي على يد بعض اليهود والروافض، ويدل ذلك على أن الجريمة التي ارتكبها الإرهاب منذ أسابيع هي امتداد للمخطط الذي حاول اليهود تنفيذه قديماً، لكن الله تعالى يحبط كيدهم.

وأضاف أننا لا ننسى أن أصحاب الفكر العفن قاموا في الثمانينات بفعل أشنع من ذلك حين اقتحموا المسجد الحرام باسم المهدي المنتظر، وراح ضحية هذا الإرهاب آلاف من الحجيج ومن رجال الشرطة السعوديين، وقتل العتيبي قائد المجموعة التي ألحدت في بيت الله الحرام، فليس ببعيد عليهم أن يقوموا بأقذر من ذلك قرب مسجد النبي المصطفى –صلى الله عليه وسلم-.

وأكد أبوالعباس أن هذا الصراع سوف يظل ممتداً، حتى يسد العالم العربي العديد من الثغرات التي يتسلل منها الإرهاب إلينا، وعلى رأسها إصلاح المنظومة التعليمية وتحويلها إلى أداة لتحصين الشباب من الفكر المتطرف، وتصحيح العديد من المفاهيم التي يستغلها الإرهاب لترويج أفكاره الضالة، وإنشاء المراكز التي تعمل على مواجهة الفكر الضال وكشف زيف أفكاره وأهدافه التي تهدم الدين، فلن نستطيع محاربة الفكر إلا بالفكر وبتصحيح المفاهيم المغلوطة، فنحن نرى الآن من يعتقد في أن قتل الأبرياء شهادة وتحطيم المقدسات عقيدة، وقد علمنا التاريخ أن الخوارج كانوا أكثر الناس صلاة وعبادة، لكن فكرهم الدموي انفصل عن العبادة، ونحن الآن نواجه نفس السيناريو.

تصحيح المفاهيم

وأكد الدكتور شعبان محمد إسماعيل، أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر، على حرمة إراقة دماء الأبرياء، وإن كانت لبيوت الله حرمة، فللمسجد النبوي الشريف ألف حرمة، ونحن نواجه الآن تحدياً خطيراً، فالإرهاب ينشر الخراب والدمار ويقتل ويغتصب، ثم يرفع شعار «الله أكبر»، والخطاب الديني لم يكن سوى قشرة تغطي الهدف السياسي للحكم والخلافة والثورة الإسلامية على غرار الثورة الإيرانية، فالهدف من الإرهاب الذي تعيشه المنطقة هو السيطرة السياسية وليس الدين، وعلى العالم أجمع أن يواجه عصابات الهمج ويستأصل شأفتها لأنها خطر على الإنسانية، فهي لا تؤمن بتعايش ولا تسامح ولا احترام عقائد أو مذاهب. وأكد الدكتور شعبان على أن التضامن العربي مهم لمواجهة تلك التحديات والقضاء على فكر الجماعات الإرهابية ضرورة شرعية وحياتية وفريضة ملحة حتى لايلتهم الإرهاب أوطاننا العربية والإسلامية، وعلى الحكومات العربية نشر الفكر التنويري ومقاصد الإسلام العظيمة وتصحيح المفاهيم المغلوطة التكفيرية والعنيفة التي تعتنقها جماعات الإرهاب والشر.

المصدر: الإتحاد