دبي، عاصمة الاقتصاد الإسلامي؟ – د. سيّد فاروق

أخبار

أن لمساعي دبي الرامية إلى أن تغدو عاصمة الاقتصاد الإسلامي أهمية أكبر مما قد يتخيلها البعض، إذ أن الاقتصاد الإسلامي لا ينطوي على التمويل الإسلامي وصناعة الدجاج الحلال فحسب؛ بل يتكون من صناعات تقدر بمليارات الدولارات، وسيكون لها أثرٌ هائل على التجارة الدولية برمّتها. وفي حال إن تم المضي قدماً بهذا المجال وفقاً لاستراتيجية محكمة ومدروسة، فإن دبي تمتلك إمكانيات هائلة للعب دور محوري في هذا المجال يفوق التخيلات. وخلافاً للتوقعات، فإن هذه الإمكانيات لا تتعلق بشكل رئيس بمدينة دبي بحد ذاتها، بل أنها تعتمد بشكل أساسي على مكانة دبي الاقتصادية ومتانة شبكتها التجارية التي تمتد إلى مختلف أنحاء العالم.

ومع تجاوز عدد المسلمين حول العالم الـ 1.6 مليار نسمة، وتزايد أعدادهم بمعدلات تعادل ضعف تزايد سكان العالم، أدركت الشركات العاملة في مختلف القطاعات، من الصناعات الغذائية والتمويل إلى شركات الأزياء والسياحة، أن قيمة سوق المنتجات الاستهلاكية الإسلامية تصل إلى 4.8 تريليون دولار. ومع ذلك، فإنه ليس بسوق متجانس يسهل الوصول إليه، وذلك نظراً لتعدد المعايير المتبعة، فضلاً عن تفاوت التفضيلات الثقافية واختلاف الاقتصاديات المصنّعة لتلك المنتجات. ففي الوقت الراهن، تبقى التشريعات المتعلقة بالمأكولات الحلال رهناً للتشريعات المحلية في معظم الأحيان، ويتحكم بها أكثر من 300 جهة مانحة للتراخيص في مختلف أنحاء العالم.

قد تتساءلون: وما علاقة هذا بإمكانيات دبي كمركز للاقتصاد الإسلامي؟

تتمتع دبي بفضل أصولها العالمية الاستراتيجية، بمكانة فريدة تمكنها من تغيير وجه تجارة المنتجات الحلال بوتيرة متسارعة، وذلك من خلال شبكتها التجارية، الأمر الذي من شأنه دفع عجلة الاقتصاد الإسلامي قدماً.

فعلى سبيل المثال، تدير شركة موانئ دبي العالمية، أكثر من 65 مرفأً موزعة في القارات الستة، بما في ذلك مشاريع قيد التنفيذ في كل من الهند وأوروبا وأمريكا الجنوبية ومنطقة الشرق الأوسط، ففي دولة الإمارات العربية المتحدة وحدها، تدير شركة موانئ دبي العالمية أربعة مرافئ تمتلك طاقة استيعابية هي الكبرى على مستوى العالم الإسلامي، وقد أسفرت عمليات التوسع التي أجرتها الشركة خلال العام الجاري، والتي ستواصل الشركة إجرائها في العام المقبل، عن زيادة طاقتها الاستيعابية بشكل كبير.

ومن ناحية أخرى، حلّ مطار دبي الدولي في العام 2012 في المرتبة السادسة عالمياً من حيث حركة الشحن، والتي بلغ حجمها حينها 2.26 مليون طن من البضائع، مسجلة بذلك ارتفاعاً نسبته 3.1% عن العام 2011. وكانت شركة الإمارات للشحن الجوي، والتي تُعدّ كبرى شركات الشحن في العالم من حيث وزن الشحن، قد نقلت لوحدها نحو 2.1 مليون طن في شبكتها خلال السنة المالية 2012/2013.

ومن ناحية أخرى، حلّ مطار دبي الدولي خلال العام الماضي في المرتبة الثانية عالمياً من حيث عدد المسافرين الدوليين، وقد بلغ عدد المسافرين الدوليين في المطار خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري حوالي 36.2 مليون مسافر، وذلك بعد أن شهد المطار أكثر من خمسة ملايين مسافر شهرياً لمدة سبعة أشهر على التوالي.

أن تأثير دولة الإمارات العربية، ودبي على وجه التحديد، على حركة التجارة العالمية في العالمين الإسلامي وغير الإسلامي، من شأنه منح الإمارة فرصة فريدة من نوعها كي تدفع بمعايير جودة تشمل المنتجات الحلال، موضوعة من قبلها ومقبولة عالمياً في الآن ذاته، ومن الممكن أن تستخدمها شركات التجارة والتصدير كجواز سفر يمنحها القدرة على توزيع منتجاتها في أسواق جديدة.

وقد أظهرت التجارب السابقة لوضع معايير عالمية بأنه من الصعب أن ينجح تطبيق هذه المعايير على نطاق واسع إن بدت كمبادرة مرتبطة بمدينة منفردة؛ وبينما لا يساورنا شك بقدرة دبي على وضع تلك المعايير وقيادتها وتنميتها ودعمها مالياً، إلا أننا نعتقد بأن على دبي أن تعمل بشكل وثيق مع الجهات الدولية الرئيسة ذات العلاقة، مثل البنك الإسلامي للتنمية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومعهد المقاييس والمواصفات للدول الإسلامية، فضلاً عن كبرى الدول المستوردة، وذلك بُغية ضمان قبول تلك المعايير دولياً بأقصى حدٍّ ممكن.

قد لا ينظر البعض إلى دبي اليوم كعاصمة للاقتصاد الإسلامي، ولكنها لن تكون المرة الأولى التي تغيّر فيها هذه الإمارة الموازين في الساحة العالمية. فعلى سبيل المثال، عندما تم افتتاح مطار دبي عام 1959، ومن ثم تم تأسيس شركة طيران الإمارات في العام 1985، لم يتوقع أحدٌ قط أن تغدو دبي مركزاً عالمياً للطيران، يصل الأقطاب الاقتصادية العالمية. وبفضل رؤية قيادتها الحكيمة، أضحت دبي اليوم بوابة تصل الشرق بالغرب، والدول النامية بالمتقدمة، والشمال بالجنوب، وغيرها من دول وقارات العالم.

في حال إن تم تنفيذ المخططات على نحو صحيح، قد ننظر يوماً ما في المستقبل إلى العام 2013، كالسنة التي غيّرت فيها دبي معالم الاقتصاد الإسلامي.

وفي هذا السياق، ستناقش القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي، والتي تنظمها كل من غرفة تجارة وصناعة دبي القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي في دبي خلال الفترة من 25- 26 نوفمبر القادم بالتعاون مع “تومسون رويترز”، المحاور الرئيسة لقطاع الاقتصاد الإسلامي، وهي التمويل الإسلامي، والأغذية الحلال، وأنماط الحياة الحلال، والسفر العائلي، وتطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى محور البنية التحتية للاقتصاد الإسلامي.

خاص لــ (الهتلان بوست)