ذهب مع الريح – بقلم: محمد خميس

أخبار

محمد خميس

لن تخبو نار الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي أبداً، بل على العكس، يتأجج لهيبها أكثر وأكثر. وقريباً جداً، سيصبح أكبر هاجس يؤرقنا كأباء وأمهات هو تشهير أبنائنا لأنفسهم بأنفسهم في مواقع التواصل الاجتماعي. وسنجد من الصعب إقناعهم بتجنب تصوير أنفسهم وتفاصيل حياتهم ونشرها على الملأ ضمن مواقف قد تستخدم ضدهم في المستقبل. وبما أنهم أطفال ومراهقين، فحتماً لا بد أن يرتكبوا حماقات ويأتوا بما نصرّ عليهم بأن يبتعدوا عنه، ولكن في كثير من الحالات، يتم تسجيل هذه المواقف صوتاً وصورة، وتنشر لتبقى في فضاء الإنترنت إلى ما لا نهاية.

نحمد الله أن التقنية لم تصل إلى ما هي عليه الآن عندما كنا صغاراً، وإلا لكانت “خوادم” شبكات التواصل الاجتماعي تزدحم اليوم بالعديد من المواقف المحرجة و”الفضائح” لكثير ممن هم بيننا الآن. ويمكننا أن نقول بارتياح كبير أن ما اقترفه جيلنا والأجيال السابقة له من حماقات  قد “ذهب مع الريح”، ولا أثر لتلك المواقف سوى ذكريات في رؤوس القلة القليلة التى عايشتها. بل إن الكثير منهم قد نسوا تلك المواقف في خضم مشاغل الحياة، أو بسبب الذاكرة البشرية المتواضعة مقارنة بذاكرة الحاسوب و”الإنترنت” والأجهزة “الذكية” إلى آخر تلك المسميات.

لكل زمن سخافاته، ولكن سن حماقاته التي تبدو أكبر مما هي عليه، إذا حكمت عليها بمعايير الزمن اللاحق، أو مرحلة عمرية تالية، وما هو مقبول اليوم، لا يعني بتاتاً قبوله غداً. لذلك، ما يقترفه الجيل الجديد من جريمة في حق نفسه، سيبقى معهم ويطاردهم إلى الأبد. ولنا في الفيديوهات التى تخرج بين الحين والآخر عبرة، فكم من شاب أو فتاة ضاع مستقبلهم الواعد بسبب لحظة طيش أو تهور.

قريباً، لن تطلب جهات التوظيف السيرة الذاتية للمتقدم، بل ستكتفي بمطالعة صفحته على “فيس بوك”، و”انستغرام” و”تويتر”، وغيرها من مواقع ستخرج علينا وتقتحم خصوصياتنا وتفاصيل حياتنا. ولن تنظر جهة التوظيف إلى المؤهلات العلمية أو الخبرات العملية فحسب، ولن تطالع “السيرة الذاتية” وإنما “السيرة الشخصية” للمتقدم، بما في ذلك هواياته، وأصدقائه، وتطلعاته، ورحلاته، والأكلات التي يفضلها، وآرائه السياسية، بل أحلامه وأدق التفاصيل العائلية والشخصية.

وسيندم كثير من أفراد الجيل الجديد على ما اقترفته أياديهم أو “نقرات أصابعهم” وعدسات “أجهزتهم الذكية” عندما كانوا يسارعيون بتدوين كل شاردة وواردة عن حياتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر الصور ومقاطع الفيديو التي تصور الكثير من التفاصيل اليومية، وستضيع على الكثير منهم فرصاً عديدة نتيجة للحماقات التي ارتكبوها، أو بمعنى أدق التي “دونوها” ونشروها.

السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكننا حماية أبنائنا من اقتراف ما قد يفسد عليهم مستقبلهم؟ الجواب: لا شيء سوى زيادة الوعي لديهم. ومع ذلك، فلا توجد ضمانات.

يلجأ بعض أولياء الأمور إلى منع الأجهزة الذكية عن أبنائهم، ولكن ذلك لن يحل المشكلة، فأنت لن تستطيع مراقبة ابنك طوال الوقت. قد لا يكون لديه جهاز خاص به، ولكنه يستخدم جهاز صديقه، أو زميله، أو جاره. إضافة إلى ذلك، فأنت تمنع استخدام تلك الأجهزة، ولكن جارك يسمح بها؛ ابنك ليس لديه حساب على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن زميله أو جاره، يشارك صور ومقاطع ابنك في صفحاته. صحيح أن وعي ابنك قد يساعده على عدم ارتكاب بعض الحماقات، ولكن ذلك لن يمنع صديقه الذي قد يستغل لحظة تهوره من أن يشاركها مع العالم.

يبدو اننا واقعون في معضلة يصعب حلها، فلا الوعظ المباشر حل ناجع لها، ولا الوعظ غير المباشر يفيد. فهل أضاعت التقنيات الحديثة خصوصيات أبنائنا إلى الأبد؟