«شاهد على العصر» يروي حكاية انقلاب «الابن العاق»

أخبار

قبل عقدين ويزيد انقلب أمير قطر السابق حمد بن خليفة على أبيه، وليس في الأمر عجب، فالأب نفسه انقلب قبلها على ابن عمه، أو ليست قطر مرتع الانقلابات وحاضنتها.

يروي الرواة عن حكاية العام 1995 حينما غادر الأب الدوحة إلى خارج البلاد طلباً للعلاج، عندها ودعه الابن العاق بحفل فاخر، ولم تكد طائرة الأب تحط في وجهتها حتى أعلن حمد الانقلاب عليه وخدع رموز القبائل بعد أن استدعاهم للسلام عليه ليفاجأوا أن في الأمر «بيعة».

كان السفير المصري في الدوحة حينها محمد المنيسي «شاهد على العصر»، عايش كواليس الانقلاب وما شهدته الدوحة آنذاك، وما نشرته صحيفة قطرية من صورة قديمة فجّرت مفاجأة حول اتهام حمد لأبيه بالخيانة ومطالبته الإنتربول بالقبض عليه، في مشهد يجسّد تاريخ قطر الحافل بالخيانات والانقلابات.

يسرد المنيسي الذي عايش عن قرب تراجيديا الانقلاب بالكشف عن عن رفض المنقلب عليه خليفة بن حمد التجاوب مع شركات الغاز، التي كانت تنتجه من حقل الشمال، كانت حجته أن دخل البلاد من آبار البترول يكفي، وليس من داعٍ لإنتاج الغاز، فقطر في غنى عن الدخول في متاهة المبالغ الطائلة التي سيكلّفها إنتاج الغاز والتي ستضطر البلاد لاقتراض أموال ضخمة.

لقد دبّر للانقلاب على خليفة بن حمد بليل، ولم يكن انقلاب حمد على أبيه من بنات أفكاره، بل تدبير زوجته موزة التي تحالفت مع شركات الغاز، ولعبت كذلك على أطماعه وأقنعته بضرورة تسلّم مقاليد الأمور بما يحوّل الأمور لصالحه، فلم يتوان الابن في الغدر بأبيه وانتهاز فرصة سفره طلباً للعلاج في الخارج، فانقلب عليه وأعلن نفسه أميراً في يونيو 1995.

ورطة منقلبين

ولم يكد الانقلاب ينجح ويستقر الأمر للأمير الجديد كما يروي المنيسي، حتى وجد القادة الجدد أنفسهم في ورطة كبيرة، فكل الودائع والأرصدة لدى البنوك مسجّلة في حسابات شخصية باسم الأب المنقلب عليه، ما أدخل البلاد في أزمة مالية، إلى الحد الذي طلبت فيه الحكومة القطرية في أكتوبر ونوفمبر 1995 من البنوك التجارية دفع مرتبات الموظّفين.

لقد لعب وزير الخارجية حينها حمد بن جاسم دوراً بارزاً وفق شهادة المنيسي، في فك تجميد بعض المبالغ والأموال القطرية، مستغلاً علاقاته وصلاته الوطيدة مع الإسرائيليين، والذين ساعدوه بدورهم في افتتاح مكتب تجاري لتل أبيب في الدوحة، ليستمر بعدها التنسيق بين الطرفين، ليبلغ ذروته بتأسيس قناة الجزيرة.

كافأ الأمير المنقلب حمد بن خليفة وزير خارجيته حمد بن جاسم على صنيعه ونجاحه في فك تجميد المبالغ والأرصدة مستغلاً خبرته الطويلة في التعامل مع الإسرائيليين، بأن عينه رئيساً للوزراء، لقد عرف القطريون من الإسرائيليين أن تحريك دعاوى لاسترداد الأموال من خليفة بن حمد سيستغرق وقتاً طويلاً، فلم يجدوا غضاضة في التعاون معهم لاسترداد هذه الأموال.

اتهامات خيانة

لم يكتف حمد بن خليفة بالانقلاب على أبيه كما يروي «شاهد العصر»، بل اتهمه بـ «الخيانة» وطالب الإنتربول بالقبض عليه، وهو الأمر الذي وثقته صحيفة قطرية نشرت حينها صورة المذكرة.

أراد حمد من هذه الخطوة سد الطريق على والده وعلاقاته الواسعة التي ربما ينجح خلالها من العودة للحكم، بعد أن أصغى لكيد موزة ووسوسة حمد بن جاسم أن أطلق عناصر الإنتربول كي تلاحق أباك، فلم يتردّد الابن العاق في استصدار مذكرة ضبط بحق والده، في واقعة تعكس كل معاني العقوق والغدر والخيانة التي يتعامل بها قادة قطر والتي لم يكن من المستغرب أن توصلهم في نهاية المطاف إلى دعم وتمويل الإرهاب واحتضان رموزه، في تغريد خارج سرب أمتهم العربية ومحيطهم الخليجي، لهثاً وراء أوهام الزعامة الزائفة. لقد تضمنت وثيقة الإنتربول أربعة اتهامات رئيسية للأب المكلوم سوء استخدام السلطة أو الوظيفة، خيانة الأمانة، الاحتيال، والتزوير في قانون العقوبات.

تحرّكات ودعاوى

وفي «الاتجاه المعاكس» خرج الأب المنقلب عليه على الناس بقوله: «هذا تصرف غريب من شخص جاهل»، في لقطات أذاعها التلفزيون القطري في أول تعليق على الانقلاب، بل قام بعدها بعدة تحرّكات لاسترجاع حكمه. حاول الابن العاق سحق كل من يقف في وجهه فاتهم في 1996 عدداً من أنصار والده بتدبير محاولة انقلاب جديدة، قام على أثرها باتخاذ إجراءات تعسفية غير مسبوقة ضدهم وألقى القبض على العشرات، وتعرضوا لأقصى درجات الظلم والتعسّف.

ووفق شهادة المنيسي حرّك الابن المنقلب دعاوى ضد أبيه وعدد من المسؤولين في عهده، من أجل استرداد مليارات الدولارات، لتوقف لك الدعاوى بعدها في إطار إجراءات مصالحة بين الابن وأبيه.

ترك الابن أباه يهيم بين المنافي من عاصمة إلى أخرى دون أن يسمح له بالعودة إلى وطنه وأهله وعشيرته إلّا في العام 2004 للمشاركة في تشييع إحدى زوجاته، إلّا أنّه عاد إلى منفى آخر «الإقامة الجبرية» في أحد المراكز الطبية حتى وفاته في 2016.

المصدر: البيان