«صناع الأمل».. كفاح من أجل حياة أفضل

أخبار

منذ إطلاقها نهاية فبراير الماضي، نجحت مبادرة «صناع الأمل» في اجتذاب عدد كبير من المشاركات من شباب وشابات من مختلف أنحاء العالم العربي، يتطلعون إلى المساهمة في نشر الأمل وصنع تغيير إيجابي.

حتى اليوم، تلقت مبادرة «صناع الأمل» آلاف قصص الأمل من أفراد ومجموعات، لديهم مشاريع ومبادرات، يسعون من خلالها إلى مساعدة الناس وتحسين نوعية الحياة، أو المساهمة في حل بعض التحديات التي تواجهها مجتمعاتهم. وسعياً لمشاركة هذه القصص كي تكون مصدر إلهام للآخرين الذين يتطلعون إلى تغيير مجتمعاتهم نحو الأفضل، نستعرض بعض قصص صناع الأمل التي تفتح نافذة أمل وتفاؤل وإيجابية في عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج.

القصة الأولى شباب متطوعون يعملون من أجل بيئة أجمل

الأمل هو الرغبة بالتغيير وأن تحفز غيرك على أن يكون جزءاً من هذا التغيير..

هذه هي الرؤية التي يرتكز إليها نشاط تطوعي فريد من نوعه، دشنه مجموعة من الشباب التونسيين، من خلال رياضة جديدة تجمع بين الفائدة والعمل البيئي البناء..

وهي رياضة لا تكلف شيئاً سوى أكياس بلاستيك وقفازات.

ففي الصباح، يتجمع عدد من الشباب المتحمسين، فتياناً وفتيات من مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية، عند بوابة متنزه «النحلي»، أحد أكبر المتنزهات الطبيعية، بالقرب من العاصمة تونس وارتدوا بزاتهم الرياضية، استعداداً للانطلاق للمهمة غير العادية، يرتدون قفازات شفافة، لوقاية أيديهم، ويحملون أكياس قمامة سوداء.

لا يتأخرون كثيراً قبل المباشرة بعملهم والمتمثّل في جمع كل أنواع القاذورات ومخلفات القمامة التي تركها زوار المنتزه خلفهم، حيث تشمل هذه النفايات القوارير البلاستيكية وعلب المشروبات الغازية وبقايا الطعام، وأعقاب السجائر والمناديل الورقية وغيرها من مخلفات تشوِّه المنتزه الجبلي ببساطه الأخضر شاسع المدى، الذي تتوزعه أشجار الزيتون والصنوبر والكينا وغيرها.

تستمر هذه المهمة الرياضية لساعات يتمكن خلالها المتطوعون، الذين لا يتوقفون عن المشي صاعدين منحنيات المتنزه الجبلي ومنحدراته، من ملء العشرات من أكياس القمامة، لتعود عليهم هذه الرياضة – بما تنطوي عليه من حركة متواصلة دؤوبة – ليس فقط بالفائدة الصحية، وإنما بالفائدة البيئة، معيدةً للمتنزه الطبيعي جماله ورونقه ونظافته.

ليس هذا فحسب، بل إن مشهد الشباب، وهم ينحنون لالتقاط كل أشكال النفايات، دون تأفف أو تذمّر، بدأ يحفز رواد المتنزه على تبني سلوكيات صديقة للبيئة، ومنهم من بات يشاركهم نشاطهم البيئي التطوعي عن طيب خاطر.

وُلدت هذه الرياضة البيئية المبتكرة من بنات أفكار الشاب الثلاثيني صابر حداد، الذي شرع فيها مع رفاقه في يناير الماضي، بعدما اطلعوا على فيديو يتناول ممارسة هذه الرياضة البيئية المستحدثة في السويد..فارتأى صابر وصحبه أن بلدهم تستحق أن يبادروا إلى القيام بشيء في سبيل قضية بيئية، تسهم في تعزيز قيم المواطنة والمشاركة من جهة، وفي جعل مجتمعهم أجمل وأرقى من جهة أخرى، خاصة وأن مثل هذا النشاط البيئي التطوعي لا يكلف شيئاً.وها هي عدوى هذه الرياضة الجميلة تنتقل إلى العديد من فتيان تونس وفتياتها، حيث تم مؤخراً تدشين حملات رياضية لجمع النفايات والأوساخ من الحدائق والمنتزهات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وسط مشاركة فتيان وفتيات يظهرون حماسة استثنائية كونهم جزءاً من نشاط حيوي يجعلهم يشعرون بأنهم جزء من إرساء قيم بيئية أصيلة، ومفاهيم خلاقة في العمل التطوعي والمجتمعي المشترك.

بالنسبة لصابر ومن معه من متطوعين شباب، فإن انتشار رياضة جمع النفايات في تونس يعني أن رسالة التغيير وصلت..وهذا أجمل تعبير عن ثقافة الأمل والإيجابية.

تستقبل الفقراء والمحتاجين في مطعم

القصة الثانية جمعية لمكافحة الجوع وإيقاف هدر الطعام في لبنان

تستقبل الفقراء والمحتاجين في مطعم للوجبات المجانية تحت شعار كل ما لدينا هو لكم حقاً إن الجوع قاهر.. خاصة إذا كان الطعام الذي يهدره المجتمع يمكن أن يشبع آلاف الأفواه..

والسؤال هو: كيف يمكن أن نحارب الجوع؟ كيف نأخذ من الشبعان، بحب، بحيث نعطي الجوعان، بحب أكبر؟ من هذا السؤال أطلقت الشابة اللبنانية مايا ترّو جمعية «فود بليسد» FoodBlessed في بيروت كمبادرة، هي الأولى من نوعها في لبنان، تسعى إلى مكافحة الجوع، ضمن رسالة أكبر هدفها إيقاف الهدر في الطعام وترشيد الاستهلاك، خاصة في بلد 29 في المئة من سكانه يعيشون تحت الفقر، مقابل تسجيل 40 في المئة من الهدر في الطعام يومياً، حيث تقوم مايا بجمع وتحصيل الطعام الفائض وتوزيعه على المحتاجين، من خلال شبكة مستدامة من العلاقات تشمل شركات أغذية ومطاعم ومتعهدي طعام، وموزعين وناشطين متطوعين.

كان المشروع في البداية فكرة حالمة بالنسبة لمايا، الشابة المتعلمة التي آثرت أن تضع شهادات الماجستير الثلاث التي تحملها جانباً كي تعمل من أجل إطعام الجائعين وإسعادهم، لكنها كانت تؤمن بأن الفكرة النبيلة – وإن كانت حالمة – ليست مستحيلة، واجدةً رسالتها في الحياة من خلال العطاء ومواصلة العطاء. يتحدث الدكتور وحيد ترو عن ابنته، التي لا يخفي فخره واعتزازه بها، قائلاً: «إن أي شيء تحصل عليه مايا، تعطيه للآخرين»، مؤكداً بأن ابنته تلقت عروض عمل كثيرة بما يتفق والشهادات العلمية الرفيعة التي تحملها، لكنها آثرت أن تكرس حياتها للإنسانية.

منذ إطلاقها في العام 2012 وحتى اليوم، نجحت «فود بليسد» في تجنيد عشرات المتطوعين الشغوفين، ممن وضعوا أيديهم بيد مايا متفقين على هدف رئيس ألا وهو أن الاهتمام بالآخرين وخدمة المحتاجين هي أنبل وظيفة يمكن أن يقوم بها المرء، وكل ما تحتاجه من مؤهلات هو الشغف والإيمان بالقيم الإنسانية القائمة على التعاطف والمشاركة، دون الالتفات إلى أي خلفيات، أو انتماءات دينية أو فكرية أو سياسية.

كذلك، ومن خلال السمعة التي اكتسبتها مايا، المدير التنفيذي لـ«فود بليسد»، باتت العديد من الشركات والمؤسسات تحرص على التعاون مع مايا، سواء من خلال توصيل الأطعمة الفائضة إلى مقر الجمعية أو حتى إعداد وجبات طعام خصيصاً لرواد الجمعية من الفقراء، حيث نجحت الجمعية حتى اليوم في إقامة شراكات مع أكثر من 300 جهة في المجتمع.

تضم الجمعية مطعماً في ضاحية برج حمود البيروتية يوفر وجبات طعام مجانية لأكثر من 200 من الفقراء من مختلف أنحاء المدينة أسبوعياً. ما إن يلجوا المطعم، حتى تغمرهم أجواء الاستقبال الدافئة. تتحدث مايا عن هذه التجربة فتقول: «نقول لهؤلاء الناس إن كل ما لدينا هو لكم»، مؤكدة: «نعتبر رواد المطعم ضيوفاً وليسوا محتاجين، فنستقبلهم بكل حب واحترام، ونشعرهم أنهم في بيتهم».

وتحرص مايا على أن تذكر المتطوعين الذين يخدمون «ضيوف» المطعم، بالقول: «اخدموا الآخرين كما لو أنكم تخدمون أنفسكم!» هذا هو شعار العطاء الذي يتبناه الجميع، حيث يُقبل المتطوعون، ومعظم شباب من طلبة المدارس والجامعات، على عملهم في توفير خدمة مثالية لضيوف المطعم، الذين لا يشعرون أنهم أصحاب حاجة أو أن كرامتهم تتعرض للمساس بأي شكل، بل يغمرهم ذلك الإحساس بالسعادة والأمان والامتلاء النفسي قبل المادي، بفضل شعورهم أنهم وسط عائلة حقيقية محبة، أفرادها يمثلون أجمل ما في الإنسانية.

تعرف مايا أن مهمتها صعبة، وأن الجياع والمحتاجين أكثر من أن تستطيع جمعيتها أن توفره لهم، لكنها على الأقل اختارت أن تقوم بشيء، وشيء نتائجه ملموسة.

فمنذ انطلاق جمعية «فود بليسد» وحتى اليوم، تم تقديم أكثر من 270 ألف وجبة، والأمل دوماً بالعمل من أجل تقديم ما هو أكثر.

القصة الثالثة «جَزِيل» السعودية.. 200 متطوع لدعم أطفال المجتمعات الفقيرة

من تسلق جبل كلمنجارو إلى مبادرة تطوعية عالمية ما بدا أنها رحلة جبلية استكشافية فردية أول الأمر انتهت بمؤسسة تطوعية مهمّتها ترك بصمة عطاء في أي بقعة من العالم تحتاج إلى الدعم والمساعدة..

بهذه الكلمات يمكن تلخيص رحلة الشاب السعودي ياسر الحربي، مؤسس «جزيل»، المنصة التطوعية التي تعتمد على الموهبة والمهارات المتخصصة.

تعود الحكاية إلى عام 2014، حين سافر ياسر إلى تنزانيا لتسلُّق جبل كلمنجارو، زار خلالها «مركز أطفال مساماريا» في مدينة موشي بتنزانيا، وهي منظمة غير ربحية تسعى إلى إيواء الأطفال المشردين وحمايتهم من الفقر وتجنيبهم الوقوع فريسةً للمخدرات والاستغلال بكل أنواعه.

حظي ياسر بترحيب حار، كأول عربي، يزور المركز منذ تدشينه في العام 2007، وتأثر بالمهمة النبيلة التي يقوم بها المركز، فقرر أن يفعل شيئاً للمساهمة في نشر رسالته الإنسانية، خاصة وأنه كان يفتقر للكثير من الأساسيات، كما يكاد يكون بمنأى عن أي تواصل مع مؤسسات عالمية يمكن أن توفر له دعماً من أي نوع، فأسس ياسر «مشروع دعم مركز مساماريا لأطفال الشوارع» لتسليط الضوء على المركز، فكانت نواة هذه المشروع التطوعي تصميم موقع إلكتروني، بعدة لغات، للتعريف بأهداف المركز وأنشطته ونشر رسالته للعالم.

ومن ثم شكل ياسر فريقاً تطوعياً من الشباب من ذوي المهارات المتخصصة في مجالات متنوعة لتقديم أوجه دعم مختلفة للمشروع.

من هذا المشروع التطوعي الأول، أسس ياسر «جزيل» في أكتوبر 2015، مؤسسة غير ربحية تهتم بالتطوع المعتمد على الموهبة والتخصص (Skills-Based Volunteering)، عبر تشكيل فريق تطوعي لدعم المنظمات النامية والمهمشة، معتمداً في ذلك على مهارات ومواهب أكثر من 200 متطوع في شتى المجالات والخبرات.

وتم اختيار «جزيل» اسماً للفريق (من كلمة «جزل» أي عَظُم أو كَثُر)، بما يعكس رسالة المبادرة، أي: العطاء الجزيل لمن هم أهله).

وتتبنى «جزيل» جملة أهداف من بينها: دعم العمل الخيري المؤسسي في المجتمعات على نحو يكفل استدامته وتطويره؛ وعقد الشراكات بين الجهات الداعمة والجمعية في مختلف القطاعات؛ وإشراك المجتمع في المشاريع التطوعية، من خلال توفير بيئة مرنة يستطيع المتطوع العمل فيها من أي مكان في العالم وعن بعد لتحقيق روح التعاون والتكافل الاجتماعي؛ والتطوع الإبداعي بحيث توفر «جزيل» فرصاً متعددة للتطوع التخصصي المعتمد على مهارات متنوعة؛ وتنمية وتشجيع الخبرات والمواهب الشابة وتوظيفها لخدمة العمل الإنساني.

ومن مركز مساماريا، انطلقت جزيل في عام 2017 إلى مشروع آخر، عبر دعم «مؤسسة الفراشة»، الكائنة بمدينة بوكارا في نيبال، وهي منظمة غير ربحية تعنى بمساعدة الأطفال في المجتمعات الفقيرة التي ترزح تحت ظروف معيشية صعبة، ودعمهم لتلقّي التعليم المناسب.وتألفت خطة عمل «جزيل» لمساندة مؤسسة الفراشة من عدة مراحل؛ بدأت بتحديث هوية المنظمة ورسالتها، ثم إطلاق حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بها، وتطوير الموقع الإلكتروني الخاص بها للتعريف بأهدافها ومهامها، وتنظيم رحلة تطوعية لإنشاء متجر للهدايا ومكتبة للأطفال وغرفة رعاية أولية لهم.خلال ثلاث سنوات من إطلاقها، حدّدت «جزيل» رسالتها الرئيسية بوضوح، متجسِّدةً في دعم قضايا الطفولة من خلال مشاريع تطوعية تسعى إلى إحداث فرق، وتوفير الدعم بمختلف الأشكال للمنظمات المجتمعية والإنسانية المتخصصة في مجال الطفولة وتمكينها وتدعيم استدامتها، وإطلاق مبادرات تطوعية خيرية مبتكرة، كي تواصل تقديم خدماتها في المجتمعات ذات الصلة.

المصدر: الاتحاد