فضيحة انتخابات «اليونسكو» تسحب قطـر إلى دوائر التحقيقات

أخبار

وضعت قطر التي سعت إلى الاستيلاء على رئاسة منظمة اليونسكو عبر الرشاوى واستخدام المال السياسي نفسها أمام عاصفة جديدة من التحقيقات والاتهامات في أعقاب إعلان عدد من الدول التي شاركت في الانتخابات الأخيرة عزمها على التقدم بشكاوى، في مقدمتها مصر التي دفعت بمذكرة رسمية في هذا الصدد وعضدت الانتخابات التي أجريت أخيراً على منصب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» وفازت فيها المرشحة الفرنسية أودري أزولاي، صورة قطر كدولة «راشية» ومصرة على نهجها المفضوح في استخدام «المال السياسي» لشراء الأصوات وإهدار الأموال في سبيل أن تحتل مكانة وحجمًا أكبر من مكانتها وحجمها على الصعيدين الإقليمي والدولي.

وعززت انتخابات اليونسكو فضح الخروقات القطرية المتكررة واستخدام الدوحة للمال السياسي لكسب القرارات والمناصب الدولية، في خطٍ متوازٍ مع اللغط الدائر في «فيفا» حول دور قطري مشابه، وهو الأمر الذي يجعل السلطات القطرية مكشوفة أمام الجميع. وباتت قطر في مواجهة المذكرة الرسمية التي تقدمت بها بعثة مصر الدائمة لدى اليونسكو يوم الجمعة الماضي، والتي طالبت بالتحقق من صحة ما تم رصده من خروقات شابت عملية انتخاب مدير عام المنظمة. وطالبت مصر بالتحقيق في تلك الخروقات بشكل عاجل لتأثيرها المباشر على نزاهة العملية الانتخابية.

وقائع وشواهد

كشفت تلك الوقائع التي شهدتها انتخابات اليونسكو عدم حكمة السلطات القطرية وحماقتها التي أوقعت نفسها في الفخ وفضحت ممارسات وسياسات قطر، حسبما أكد لـ«البيان» وزير خارجية مصر الأسبق السفير محمد العرابي (مدير الحملة الانتخابية للمرشحة المصرية مشيرة خطاب) والذي قال إن قطر تسعى إلى لعب دور أكبر من دورها، كما حاولت أن تظهر في شكل الدولة القوية التي لم تتأثر أبدًا بمواقف دول المقاطعة. وفي إطار ذلك سعت الدوحة إلى استغلال نفوذها الاقتصادي لاقتناص منصب مدير عام اليونسكو، ولعب المال القطري دورًا في العملية الانتخابية.

قال الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب رئيس مجلس إدارة اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، حبيب الصايغ، إن موضوع الإرهاب القطري الذي كان يهدد منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو»، أمر بالغ الخطورة، لأن هذه المنظمة هي ضمير العالم في التربية والعلم والثقافة، والأكثر خطورة كان ما روج له الإعلام القطري قبل أيام أن الدوحة في طريقها للفوز، وهو ما دل على شراء الأخيرة للأصوات الانتخابية في محاولة منها للفوز في الانتخابات، ظناً منها بأن ما حصل في الرياضة سيحصل في الثقافة.

دعم الإرهاب

وأكد الصايغ أن قطر دولة تنتج الإرهاب وتصدّر التطرف والطائفية، ولا شك أن الدولة التي دعمت تنظيم «القاعدة» الإرهابي، الذي يقف ضد العلم والآثار، وقام بهدمها في أفغانستان واليمن وغيرها، إلى جانب دعمها لتنظيم «داعش» الإرهابي الذي هدم الآثار في العراق وسوريا، وباع النساء وذبح الناس على الهوية والمذهب والدين، إضافة إلى رعايتها للمتطرفين والطائفيين وإيوائهم في كل مكان، لا يمكن لها أن تكون في منظمة تعنى بالتربية والعلم والثقافة على مستوى العالم، لأن ذلك يعد مأساة أخلاقية دون شك.

أهمية القوة الناعمة

وأضاف الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب، أن قطر حاولت الحصول على رئاسة المنظمة بجعل دولة الكويت الشقيقة تتنازل لها عن مقعدها في المجلس التنفيذي لليونسكو، وخططت لهذه المسألة منذ 4 سنوات مضت، وليس المهم هنا الوسائل التي اتبعتها في ذلك من شراء الذمم وغيرها، لكن الأهم استثمار القوة الناعمة والثقافة، وعدم ترك هذه الأماكن التي لا تليق بقطر خالية أمامها.

شراء الأصوات

بدورها، قالت الكاتبة والباحثة الإماراتية، الدكتورة فاطمة حمد المزروعي: لقد حاول العرب دائماً ومنذ سنوات الوصول إلى رئاسة منظمة (اليونسكو)، لكن قطر لعبت لعبتها القذرة بشراء الأصوات، حيث زار بعض مندوبي الدول وخاصة الأفريقية قطر بناء على دعوة أميرية، كما اجتمعوا بمرشح قطر في باريس، وقامت بشراء الأصوات، وتكفلت بسد العجز المالي لليونسكو البالغ 329 مليون يورو، إلا أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل.

الإرهاب يهدد الثقافة

وتساءلت الدكتورة المزروعي كيف يمكن ترك دولة إرهابية أن تشارك في منظمة ثقافة وعلم وتربية؟!، كيف يمكن للإرهاب أن يحصل على جميع هذه الأصوات بل حتى أن يحاول الإمساك بزمام الثقافة والتراث على مستوى العالم؟! لقد قامت مظاهرات للتنديد بذلك خاصة في إيطاليا، وأكدت أن «عدم فوز المرشح القطري، هو انتصار لثقافة السلام وضربة عالمية جديدة لهذه الدولة الداعمة للإرهاب».

وقال المفكر المصري وزير الثقافة الأسبق الدكتور جابر عصفور، إنه «كان من المتوقع أن تلعب قطر ذلك الدور، وهو أمر غير مستغرب على الدوحة وسياساتها التي تعتمد اعتمادًا كليًا على المال السياسي في تمرير العديد من الأمور لصالحها، ذلك على غرار ما حدث في ملف استضافة قطر لكأس العالم وهو ما كشفه ملف «فيفا» أخيراً، واستخدمت قطر نفس المنطق في انتخابات منظمة اليونسكو، وتثبت العديد من الشواهد المرتبطة بحجم الأصوات التي حصلت عليها قطر ذلك».

وشدد عصفور، لـ«البيان»، على أن تلك الممارسات القطرية والمال السياسي الذي تستخدمه قطر كما تسبب في أزمة في فيفا وتحقيقات جارية، سوف يتسبب أيضًا في أزمة داخل اليونسكو في الفترة المقبلة، ومن المتوقع أن يكون هناك تحقيق داخل المنظمة حول استخدام المال السياسي من جانب قطر في شراء الأصوات، لافتًا في السياق ذاته إلى أن هنالك فارقًا بين من حاول شراء المنصب بالمليارات وبين من خاض المنافسة في انتخابات اليونسكو مستندًا إلى ما يتمتع به من تاريخ وحضارة وتراث، في مقارنة بين الموقفين القطري والمصري.

نتائج انتخابات اليونسكو جاءت كاشفة بما لا يدع مجالًا للشك عن اعتماد قطر على المال السياسي في محاولة اقتناص المنصب لصالح مرشحها، خاصة أنه لا يعقل أن دولة ليس لديها تراث حضاري أن تحصل على هذه الأصوات وأن تنافس على منصب مدير عام اليونسكو، والدوحة نفسها تدرك ذلك فيما خاضت غمار المنافسة على هذا المنصب اعتمادًا على المال السياسي وشراء الأصوات لصالح مرشحها وهو ما أظهرته النتائج، حسبما تقول الكاتبة المصرية فريدة الشوباشي.

اضرار بالمصلحة

وأكدت الشوباشي، لـ«البيان»، أن المال السياسي القطري يلعب أدوارًا ضد مصلحة الدول العربية، وإن كان هنالك شيء إيجابي قد كشفت عنه انتخابات اليونسكو فهو أنه تم فضح الدور القطري والسياسة القطرية التي تحمل شعار شراء كل شيء بالمال.

موضحة في السياق ذاته أن ما شهدته انتخابات اليونسكو وما حصلت عليه قطر من أصوات يمثل إساءة لسمعة اليونسكو بشكل غير طبيعي، ويكشف عن الدور الذي يمكن للمال السياسي أن يلعبه بشكل سلبي واضح.

حصل المرشح القطري حمد بن عبدالعزيز الكواري على 19 صوتًا في الجولة الأولى، وفي الجولة الثانية حصل على 20 صوتًا، بينما في الجولة الثالثة حصل على 18 صوتًا، وفي المرحلة الرابعة حصل على 22 صوتًا، وفي الجولة الأخيرة حصل على 28 صوتًا مقابل 30 صوتًا منحت الفوز للمرشحة الفرنسية.

وفي سياق متصل، أفاد عيسى «البيان»، إلى أن الظاهرة التي تكشفها انتخابات اليونسكو ويجب التنبه إليها، هي أن الدول العربية ليس لديها تنسيق فيما بينها لخوض المنافسة للحصول على المناصب الدولية المهمة مثل اليونسكو، وهو ما أظهر أكثر من مرشح عربي في تلك الانتخابات الأخيرة، ومن ثم يمكن في المرحلة المقبلة أن يتم وضع إطار داخل الجامعة العربية للتنسيق بين الدول العربية في خوض مرشحيها للحصول على المناصب الدولية، كي يتقدم العرب بمرشح واحد ويحقق التمثيل العربي، وألا يتم خوض تلك المعارك بلا تنسيق.

إصرار فرنسي

خضعت انتخابات اليونسكو للمال والتربيطات حسبما أشار وزير الآثار الأسبق في مصر زاهي حواس لـ«البيان»، والذي قال لـ«البيان» من القاهرة إنه منذ البداية كان من المتوقع فوز المرشحة الفرنسية أودري أزولاي جراء الدور الذي لعبته في فرنسا وإصرارها على الدفع بمرشحتها.

المصدر: البيان