قطر الرسمية تطبِّع مع إسرائيل.. وقطر الشعبية تمانع وتعترض

أخبار

مثَّل تأسيس علاقة علنية، بين إسرائيل وقطر، زلزالاً في المنطقة العربية، من جهة لأن قطر لم تكن من دول المواجهة، وبالتالي لم تكن بحاجة للتعامل المباشر مع إسرائيل، لا سلباً ولا إيجاباً، ومن جهة ثانية لأن في هذه العلاقة اختراقاً ووصولاً إلى قلب الخليج العربي، وهو أمر لم يكن يخطر على بال أحد، بمن فيهم الإسرائيليون أنفسهم.

وتكشف مذكرات مهندس هذه العلاقات ومدير أول مكتب إسرائيلي في الدوحة، الدبلوماسي الإسرائيلي سامي ريفيل، التي ترجمها إلى العربية الباحث محمد بحيري، ونشرتها مكتبة جزيرة الورد بالقاهرة، وحملت عنوان: «قطر وإسرائيل.. ملف العلاقات السرية»، والتي نقدم هنا قراءة بين سطورها، تكشف خلفية هذا الاختراق الإسرائيلي لقطر، ومنحنيات صعوده وهبوطه، والدور الحكومي والمقاومة الشعبية له، وحجم المصالح الخلفية التي تقف وراءه، والمواجهة الخليجية والعربية له، وتباين مراحله من العلنية والفخر إلى التقية، ومن ثم الاختباء.

على الرغم من صغر حجم دولة قطر جغرافياً، وقلة عدد سكانها وتسيد ثقافة الثراء عليها، إلا أن مذكرات الدبلوماسي الإسرائيلي، سامي ريفيل، تكشف بجلاء أن قوى وهيئات شعبية ومواطنين عاديين، لم يستقبلوا خطوة إقامة مكتب تمثيل إسرائيلي على أراضي قطر بارتياح، ومارسوا ممانعة هادئة لكنها واضحة، لسياسة الأمير ووزير خارجيته والحكومة الرامية للتطبيع مع إسرائيل، كما أن هذه الممانعة سارت جنباً إلى جنب مع رفض الدول العربية الأخرى، خصوصاً المملكة العربية السعودية لهذا التوجه، ونجحت إلى حد ما في تحجيم ومداراة والتراجع عن هذه الخطوة.

الاتصالات باقية

بعد تطورات إلغاء صفقة الغاز، وقرار تجميد إنشاء الممثلية القطرية في تل أبيب، انتقلت العلاقات الإسرائيلية القطرية إلى مربع السرية والغموض والبعد عن التحدي المستفز، وتظهر أدلة من وقت لآخر على استمرار شكل من أشكال التواصل بينهما، ربما كان دليلاً على ذلك ما نشرته صحيفتا «أروتز شيفا» و«جيويش ورلد» في 2013، من أن قطر نقلت مجموعة من نحو 60 من اليهود من اليمن، وصلت إلى إسرائيل عبر الدوحة على الخطوط الجوية القطرية. وقد أجريت العملية تحت رعاية دولة إسرائيل، وتهدف إلى إخراج 400 شخص، هم من تبقى من اليهود في اليمن، وهو أمر على الأقل لم تنفهِ الدوحة رسمياً حتى اللحظة.

• كانت معركة الوجود الإسرائيلي في قطر مجالاً لسجال مستمر، وعلى سبيل المثال تمت دعوة منتخب شباب إسرائيل لكرة اليد للمشاركة في بطولة العالم، التي أقيمت في أغسطس 1999. ويروي ريفيل أن هذه الدعوة وافقت موجة من الانتقادات من جانب معارضي التطبيع، لكن رئيس اللجنة المنظمة للبطولة، وهو ابن الأسرة الحاكمة خالد بن علي آل ثاني، أعلن في تصريح له عن قدوم المنتخب الإسرائيلي، قائلاً: «سيتم استقبال الإسرائيليين في قطر بكل ترحاب»، فحسم الأمر.

يحكي ريفيل عن معاناته – منذ اللحظة الأولى – كدبلوماسي إسرائيلي موجود في الدوحة، فيقول «في كل مكان كنا نذهب إليه في تلك الفترة، كانت الأنظار تتجه نحونا كما لو كنا أناساً هبطوا لتوّهم من القمر، ورغم أن بعضهم قرأ في الصحف أو سمع عن افتتاح مكتب لتمثيل المصالح الإسرائيلية في الدوحة، إلا أنهم كانوا يعتقدون أن الحديث يجري عن أمر نظري، وليس عن أناس من لحم ودم، جاؤوا فعلاً من إسرائيل».

ويروي ريفيل أيضاً عن موقف واجهته زوجته، التي توجهت مع أولاده إلى حمام سباحة، وتخمينات سيدة قادها الفضول للتعرف إلى لغة زوجته الغريبة، واستعراض تلك السيدة لكل جنسيات الكرة الأرضية دون أن تصل إلى مبتغاها، وحينما قربت زوجته لها القصة، وقالت لها إنها من الشرق الأوسط، سردت عليها كل جنسيات المنطقة إلا إسرائيل، وعندما قالت لها زوجته إنها إسرائيلية، أصيبت السيدة بالذهول.

لكن ريفيل يمضي – عبر فصول الكتاب – إلى ما هو أبعد من مظاهر الاعتراض الناعمة، حيث يتبلور رأي عام رافض لوجود الممثلية الإسرائيلية على أرض قطر، ومعارض لتوجه الأمير والحكومة، وليحكي عن تطور مشكلة محل سكنه، وإقامة الممثلية الإسرائيلية بالدوحة، في قصة شبيهة بقصة «السفارة في العمارة»، التي مثلها الفنان الكوميدي الشهير عادل إمام.

كانت البداية هي «امتناع مواطنين قطريين كثيرين عن تأجير منازلهم للممثلية الإسرائيلية الجديدة». وبعد طول بحث، وجد ريفيل منزلاً في منطقة نائية بمجمع سكني (كومباوند) «لأن سكان المجمعات السكنية معظمهم من الأجانب العاملين بشركات النفط الدولية». لكن بعد فترة «وقعت خلافات تجارية بين مواطنين قطريين، كانا متشاركين في تأجير المبنى، حيث تعرض الاثنان لضغوط اجتماعية، أدت إلى دفع صاحب المنزل إلى إظهار رغبته في أن يظهر على الملأ، أنه لا يريد تأجير بيته مقراً للممثلية الإسرائيلية». ويستطرد ريفيل إن «القضية انتقلت إلى ساحات المحاكم القطرية، التي أصدرت حكمها في ربيع 1999، بعد مناقشات مطولة لصالح صاحب المنزل، وحكمت بإخلاء المبنى الذي تم تأجيره للممثلية الإسرائيلية».

ويعلق ريفيل، بأسى: «الحكم القضائي تم استغلاله على أيدي العناصر المعارضة للعلاقات بين قطر وإسرائيل، والتي هنأت صاحب المنزل على معارضته علانية للوجود الإسرائيلي، وقال محامي صاحب المنزل، في مقابلة مع صحيفة (بنينسولا) القطرية، إن الحكم يتسق مع وجهة نظر الشعب القطري، الرافض لفكرة التطبيع مع الصهاينة، وأكد المحامي أن هناك استطلاع رأي يشير إلى أن 90% من سكان دولة قطر، يرفضون أي وجود إسرائيلي».

ويضيف ريفيل بمرارة أن «صحفاً قطرية ساوت بين الفيلا التي كانت تقيم بها الممثلية الإسرائيلية، والمستوطنات الإسرائيلية الموجودة بالضفة الغربية»، وأبدى دهشته «لتحويل مشكلة عقارية هامشية إلى راية سياسية، رفعها المعارضون لوجود الممثلية الإسرائيلية في الدوحة، وتحولت بسببها الممثلية الإسرائيلية في عيون وسائل الإعلام، إلى مصدر إلهام لتحريض الجماهير ضد العلاقات بين إسرائيل وقطر».

ويروي ريفيل، أيضاً، قصة مطولة عن المشكلات التي عاناها، لفتح حساب بنكي له في الدوحة، لأنه «إسرائيلي»، وبدرجة أكبر حينما حاول تسجيل أولاده في المدارس، رغم الدعم الرسمي له، ويقر بأنه «في الفترة التي تلت إقامة مكتب تمثيل المصالح الإسرائيلية في قطر، كان علينا أن نواجه رغبة قطاع كبير من الجمهور، في قطع العلاقات النهائية مع إسرائيل». وأن «القيادة القطرية اضطرت إلى مواجهة الانتقادات اللاذعة من مواطنيها، بسبب إقامة علاقات مع إسرائيل، واستمر هذا النقد طوال فترة إقامتنا في قطر، الأمر الذي جعلها فترة مليئة بالتوتر. كان هناك معارضون بشدة لأي نوع من العلاقات الطبيعية مع إسرائيل، وكان هناك من يرون أن العلاقات إيجابية. ولم يكن الفريق الأول على استعداد لتحمل رؤية علم إسرائيل، وهو يرفرف إلى جانب العلم القطري».

ويروي ريفيل كيف أنه واجه حملات معادية لإسرائيل، مثل تشكل لجنة لتأييد المفكر الفرنسي الراحل روجيه جارودي، والمعروف بمواقفه المنتقدة لإسرائيل، وهي لجنة ضمت صحافيين وكتاباً وأساتذة جامعيين. ويحكي عن حملات صحافية ورسوم كاريكاتيرية منتقدة للسياسات الإسرائيلية، لكن ريفيل يزعم أنه رغم كل ذلك «ظل هناك من يدعم الوجود الإسرائيلي»، وأن «الجالية اليهودية في قطر، المكونة من ثلاث عائلات إسرائيلية فقط، ممن كانوا يعملون بمكتب تمثيل المصالح الإسرائيلية في الدوحة، تمكنت من الاحتفال بجميع الأعياد اليهودية، حيث نصبنا خيمة يهودية مزركشة إلى جوار بيتنا في (عيد اليوريم) اليهودي الذي حضره الجميع متنكرين، من أجل الاستماع إلى سفر إيستر، حيث كان الحفاظ على تراث العهد القديم مهماً جداً لأعضاء البعثة الإسرائيلية، وكان لذلك شعور خاص عند الاحتفال بالأعياد اليهودية في دولة إسلامية في شبه الجزيرة العربية، التي لم يكن بها أي حياة يهودية، حتى ذلك الوقت».

كانت معركة الوجود الإسرائيلي – في قطر – مجالاً لسجال مستمر تجددها المناسبات، وعلى سبيل المثال تمت دعوة منتخب شباب إسرائيل لكرة اليد، للمشاركة في بطولة العالم التي أقيمت في أغسطس 1999. وكما يروي ريفيل «وافقت هذه الدعوة موجة من الانتقادات من جانب معارضي التطبيع، لكن رئيس اللجنة المنظمة للبطولة، وهو ابن الأسرة الحاكمة خالد بن علي آل ثاني، أعلن في تصريح له عن قدوم المنتخب الإسرائيلي، قائلاً (سيتم استقبال الإسرائيليين في قطر بكل ترحاب)، فحسم الأمر».

وحتى أولئك الذين لا يمانعون لقاء الإسرائيليين في السر، فإن الكثير منهم، كما يقول ريفيل، لا يتحمل ذلك في العلن.

ويوجز ريفيل القصة بالقول: «دائماً، وفي أصعب اللحظات من الناحيتين السياسية والعملية، كان هناك رجال دولة ورجال أعمال قطريون، حافظوا على وجود علاقة وطيدة معنا، وفتحوا بيوتهم لنا».

المصدر: الإمارات اليوم