قطر المموّل الرئيس للمتشدديـن.. وبلا منازع

أخبار

في الوقت الذي كانت اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الكونغرس، تعقد اجتماعاً للاستماع إلى شهادة حول العلاقات بين الولايات المتحدة وقطر، كان وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، ووزير خارجية الإمارة الغنية بالنفط، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، يبتسمان لأخذ صورة قبل عقد اجتماع في وزارة الخارجية. وبينما كان تيلرسون وآل ثاني يتصافحان، كان الكونغرس الأميركي يقيّم دور قطر المزدوج في الشرق الأوسط. وليس من قبيل المصادفة، أن يتم في اليوم نفسه، استعانة قطر بـ«أفنيو استراتيجيز غلوبل»، وهي شركة نفوذ أسسها مدير الحملة السابق للرئيس ترامب، كوري ليواندوفسكي، الذي استقال من الشركة في مايو، وذلك بعد ستة أشهر من تأسيسها.

• عبر الشراكة مع إيران ووكلائها الإرهابيين في المنطقة، فإن إمارة قطر الصغيرة تحابي الخصم الإقليمي الرئيس للعالم العربي، وهي بذلك تقوّض الأساس «للمصالح المشتركة» بين الولايات المتحدة والبلدان الـ55 ذات الأغلبية المسلمة.

• قطر دولة صغيرة ليس لها جيش قوي، وعدد سكانها أقل من حي بروكلين في نيويورك، إلا أنها تقع على أكبر احتياطي في العالم من الغاز الطبيعي، يمثل ما يقرب من 15% من جميع الإمدادات المعروفة، لكنها لا تُحسن استغلاله في ما هو مفيد.

وذكرت صحيفة «نيويورك بوست» أنه وفقاً لوثائق وزارة العدل الأميركية، من المقرر أن تقدم الشركة «أبحاثاً وخدمات استشارية استراتيجية، وأخرى تتعلق بالعلاقات الحكومية، بمبلغ 150 ألف دولار شهرياً»، وتضيف الصحيفة «قد تشمل هذه الخدمات الاتصالات مع أعضاء الكونغرس ومسؤولي الفروع ووسائل الإعلام، وغيرهم من الأشخاص».

ومن المؤكد أن قطر مهتمة بدفع الرئيس ترامب على تغيير موقفه من الأزمة الخليجية وسحب دعمه بعيداً عن الكتلة التي تقودها السعودية والإمارات. وفي يونيو، كتب ترامب: «خلال رحلتي الأخيرة إلى الشرق الأوسط، ذكرت أنه لا يمكن أن يكون هناك تمويل للأيديولوجية الراديكالية، وأشار القادة إلى قطر». إن لم يكن ذلك، فإن قطر تأمل في إقناع من حوله وفي الكونغرس لإعادة النظر في مواقفهم. إنه حال الأزمة منذ الخامس من يونيو، التي تحولت إلى حرب باردة، ولا تظهر أي علامة على التراجع. وتحاول الدوحة نقل النزاع من منطقة الخليج إلى قاعات صناعة القرار بواشنطن.

كما يقدم ذلك مثالاً آخر على كيفية تعاطي إدارة ترامب مع مجموعة من قضايا السياسة الخارجية الساخنة التي تشمل إيران وإسرائيل وقطر. وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بوب كوركر، في نهاية يونيو، إنه سيحظر بيع الأسلحة العسكرية المميتة للمنطقة إلى أن يتم تزويد اللجنة بـ«فهم أفضل لمسار حل النزاع الحالي، وإعادة توحيد دول مجلس التعاون الخليجي». وفي الوقت نفسه، قالت إليانا روس ليتينن، التي ترأس اللجنة الفرعية في مجلس النواب الخاصة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، خلال جلسة اللجنة، إن «نزاع قطر يحفز الحوار الذي طال انتظاره حول بيئة تمويل الإرهاب المتناحرة والعلاقات مع الجماعات المتطرفة».

قائمة طويلة

إن قائمة مشكلات المنطقة طويلة. الدعم المالي والسياسي الذي تقدمه قطر إلى مثل هذه المجموعات المتنوعة من الحركات الإسلامية المسلحة لا مثيل له في المنطقة، وكان واضحاً بشكل خاص وفظيعاً وجريئاً في السنوات الأخيرة. من خلال عائلة آل ثاني الحاكمة والممولين القطريين الأثرياء، وتدعم الدولة الغنية بالنفط تنظيمات مثل «القاعدة» وجماعة الإخوان المسلمين وحركة طالبان و«حماس»، وغيرها. وفي الوقت نفسه، يواصلون استخدام شبكة الجزيرة المدعومة من الدولة كمكبر صوت عالمي للترويج للدعاية الأكثر تطرفاً، والتحريض على الكراهية وإثارة الفوضى في جميع أنحاء المنطقة. ويؤدي هذا الدعم إلى تقويض جيران قطر وإرهاقهم، ويسمم عقول الجيل المقبل من الشباب العربي، ويمنع أي اعتدال فلسطيني، ويقلل من احتمال أن ترى إسرائيل السلام مع المزيد من جيرانها. وعلاوة على ذلك، فإنه يعمل على تعزيز البدائل المتطرفة فقط لتحل محل تنظيم داعش بمجرد هزيمته في ساحة المعركة.

إن سلوك دولة قطر المخادع يزداد عمقاً. ومن خلال الشراكة مع إيران ووكلائها الإرهابيين في المنطقة، فإن الإمارة الصغيرة تحابي الخصم الإقليمي الرئيس للعالم العربي. وهي بذلك تقوّض الأساس «للمصالح المشتركة» بين الولايات المتحدة والبلدان الـ55 ذات الأغلبية المسلمة التي تحدّث إليها ترامب في كلمته أثناء زيارته للسعودية في مايو. وتخلق علاقات قطر مع إيران عقبات أمام الجهود الأميركية لرد النفوذ الإيراني، ومراقبة العدوان الإقليمي الذي تقوم به طهران، ومنع حصولها على أسلحة نووية.

كما يهدد هذا الخط الدبلوماسي بانهيار مجلس التعاون الخليجي الذي يعد منارة للاستقرار في منطقة يتم فيها اختبار المياه المضطربة في كثير من الأحيان، وتتقاطع فيها مصالح أميركية حيوية عدة. وكانت السعودية والإمارات والبحرين وقطر والكويت وعمان قد شكلت مجلس التعاون الخليجي في مايو 1981 كدرع ضد الحرب الإيرانية ـ العراقية.

وعلى مدى عقود، اعتمد حلفاء أميركا التقليديون على الولايات المتحدة كضامن لأمن الخليج. وبالنظر إلى تأثير المخاطر العالية والحرب الإعلامية الجارية، فإنه ليس من المستغرب أن البعض حريص على الانحراف وتوجيه الاتهام، من منابر قطرية أو موالية لقطر، لبلدان في الخليج بالوقوف وراء عدم الاستقرار في المنطقة. ولكن بعد نحو عقدين تقريباً من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، باتت هذه الحجج قديمة. وبين دول مجلس التعاون، اليوم، عندما يدور الحديث حول تشجيع الحركات المتشددة المتعددة والأعمال التخريبية ضد الحكومات الإقليمية، فإن الأمر يتعلق بقطر.

التهديد القادم

وكان السؤال الأول عندما اندلعت الأزمة الخليجية هو ما إذا كان التهديد القادم من إيران كافياً للحفاظ على توحيد دول مجلس التعاون الخليجي. وكان الحفاظ على جبهة موحدة ضد النظام التوسعي في طهران، هو الدافع وراء حجج أولئك الذين فضلوا وضع الأزمة تحت البساط والانتقال إلى قضايا أخرى. ولكن يبدو أن الأغلبية الحاكمة في الشرق الأوسط ترى بوضوح سلوك قطر التخريبي تهديداً أكبر، على المدى القصير، من تهديدي «داعش» أو إيران.

ولذلك سيكون إقناع معظم الحلفاء الإقليميين لأميركا في المنطقة، بأن مصالحهم، عكس ما يقولون، بمثابة إهدار للوقت والجهد. والأزمة مع قطر تتيح للرئيس ترامب فرصة للضغط من أجل إجراء تغييرات على غرار ما ناقشه في الرياض في مايو، والمطلوب هو رسائل متناسقة وثابتة في جميع أنحاء البيت الأبيض.

قطر دولة صغيرة ليس لها جيش قوي، وعدد سكانها أقل من حي بروكلين في نيويورك، إلا أنها تقع على أكبر احتياطي في العالم من الغاز الطبيعي، وهو ما يمثل ما يقرب من 15% من جميع الإمدادات المعروفة، لكنها لا تحسن استغلاله في ما هو مفيد. وقد حافظت منذ فترة طويلة على هامش خاص من العلاقات الخارجية، وتفاوضت لنفسها على موقع حساس بين إيران، التي تقاسمها حقل الغاز الطبيعي، وجارتها الكبرى السعودية، التي تشاركها اللغة والدين. إذا كنت تتساءل عما يدور في أذهان أصحاب القرار في الدوحة، فإن قطر ركزت على الجاهزية، ومنذ سنوات قليلة، من خلال تدريباتها العسكرية بهدف التحضير لسيناريو واحد: قوات تتدفق على الطريق السريع من السعودية. والسبب العام لهذه المواجهة بين دول الخليج التي تقودها الرياض من جهة، وقطر من جهة أخرى، هو خطاب الأخيرة المؤيد لإيران، والذي أعلنه الأمير القطري خلال حفل تخرّج في أكاديمية عسكرية.

لكن القطريين ابتسموا من وقت لآخر في وجه طهران، الأمر الذي طالما كان سبباً في إحباط الرياض. وتتقاسم قطر وإيران حقوق التنقيب في حقول الغاز في الخليج. ومن جانبهم، ذهب الإيرانيون، حتى الآن، للتوقيع على اتفاق للدفاع المشترك مع قطر، ما سيجعل إيران أقرب إلى المواجهة مع السعودية التي يعتقد البعض في طهران أنه لا مفر منها. وفي الوقت الراهن، لا توجد قوات إيرانية في قطر، بيد أن هناك 5000 جندي تركي على الأقل.

المصدر: الإمارات اليوم