كتاب وإعلاميون عرب: الإمارات حاضنة التراث الثقافي الإنساني

أخبار

ثمن عدد من الكتاب والأكاديميين العرب مبادرة الإمارات لحماية التراث الثقافي المعرض للخطر، التي جسدها «إعلان أبوظبي» ، عبر آليات علمية، مشكلاً خريطة طريق لصون التراث الإنساني، من خلال إنشاء صندوق دولي لحماية التراث الثقافي، وتمويل عمليات مكافحة الاتجار غير المشروع في القطع الأثرية، مؤكدين أن دولة الإمارات مثلت نموذجاً مختلفاً ومتميزاً في محيطها العربي والدولي، واستطاعت بفضل مبادراتها الدائمة أن تحصل على الريادة والسبق؛ لأنها من الدول التي آمنت بالهم الإنساني في كل مكان، ومن البلدان التي جعلت من أولوياتها مناصرة الإنسان حيثما كان.

في هذا الاستطلاع العربي، تحدثت «الاتحاد» مع عدد من الكتاب والأكاديميين والمثقفين من مختلف أنحاء الوطن العربي.

حضن لتراث الشعوب

أكد الدبلوماسي والشاعر والإعلامي العراقي الدكتور شوقي عبدالأمير أن تصاعد الإرهاب في منطقتنا العربية التي هي الحضن الأهم في تراث حضارات الشعوب، والتي استهدفها الإرهاب الداعشي في سوريا والعراق بالشكل الهمجي أمام مرأى العالم أجمع، جعل من مهمة الدفاع عن التراث أمراً في غاية الأهمية والخطورة، واليوم تقوم دولة الإمارات العربية المتحدة بمبادرة عالمية تشكل الرد الجّدي والموقف الذي يجب ترجمته فعلياً وإخراجه إلى حيز التنفيذ من خلال برامج ومشاريع عملية لصيانة هذا التراث.

وأضاف أن استهداف الإرهاب الداعشي للتراث الإنساني ليس مصادفة، وإنما قائم على منطق هّدام وعدائي تجاه تاريخ الإنسانية جمعاء، ومن هنا فإن الموقف منه يجب أن يكون شاملاً وباسم الإنسانية كلها، وكذلك يجب أن يمثل بُعداً تربوياً وثقافياً وليس مجرد إصلاح مادي لقطع ومواقع الآثار، خاصة أن منظمة «اليونسكو» هي الشريك العالمي المباشر الذي يمكن أن يتكلف هذه المهمة، يضاف إلى ذلك فإن مناهج التعليم في الدول العربية هي الأخرى، كل في بلده، يجب أن تتصدى لهذه الهجمة البربرية على تراث الإنسانية من خلال توعية الجيل الجديد.

وأكد أن المهمة معقدة وكبيرة، وتتوزع على أبعاد ثلاثة: مادية ترميمية للمواقع واستعادة القطع المسروقة. وثقافية توعوية تهدف إلى توضيح معنى التراث بالمفهوم المجرد خارج صراعات الأفكار والأديان. وأخيراً، تربوياً: يتوجه إلى الجيل الجديد الذي يواجه تحدياً من خلال انتشار صور وأفلام عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تنشرها قوى الإرهاب، وبهذا المعنى فإنه يحتاج إلى تقوية قناعاته وإيضاح طبيعة الاختلاف وسوء الفهم، في هذا الجانب الحساس.

ويوضح أن الإرهاب ليس عنفاً جسدياً ولا دموياً وحسب، إنه منظور تدميري للحضارة الإنسانية بكل امتداداتها بين الأمس واليوم وكل انتماءاتها الدينية، ومن هنا فإن الموقف منه لن ينجح إلاّ بعالميته؛ ولهذا فإن المبادرة التي تتخذها اليوم دولة الإمارات العربية المتحدة ومعها «اليونسكو» وفرنسا تشكل الأرضية العالمية لانطلاق حملة بكل الاتجاهات للتصدي لهذه الهجمة التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ الحروب والصراعات عبر العالم، فقد عاشت البشرية حربين عالميتين وحروباً صغيرة ومتوزعة عبر القارات، لكنها لم تعرف من قبل هذا النوع من الدمار والخراب والتهديم والتشويه، الذي يطال الموروث الحضاري الإنساني وتاريخ الحضارات..

ويقترح على منظمة «اليونسكو» أن تخصص مؤتمرها القادم تحت شعار «من أجل صيانة التراث الإنساني المشترك»، باعتباره جبهة لكل الشعوب وممثليها خارج الأطر التقليدية الموجودة في المنظمة، ولوضع هذا التحرك تحت عنوان متميز تخصص له موازنة وإدارة وعهود دولية.

الحاضنة الثقافية الإنسانية

ويؤكد الدكتور منّـي بونعامة الكاتب والباحث الأكاديمي الموريتاني أن كلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، تُترجم بجلاء توجّهات دولة الإمارات العربية المتحدة ومساعيها نحو المحافظة على التراث الثقافي وحمايته من الضياع والاندثار، كما تتواصل الكلمة، بكل ما حوت من معان سامية، مع الأسس القوية التي انبنت عليها قواعد الدولة ودعائمها؛ ذلك أن التراث كان، منذ الوهلة الأولى، أساساً جوهرياً في مسيرة دولة الاتحاد بوصفه المعبّر عن هوية المجتمع وخصوصيته الثقافية، وهذا ما نلمسه من الخطط التي وضعها المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والسياسات التي رسمها، والتي كانت كفيلة بتحقيق ذلك، حيث ركّزت على وضع الإطار المؤسسي الرسمي لحماية التراث وحفظه، وتلاه في هذا النهج خليفته صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله.

وأشار إلى الاهتمام المبكر بحماية التراث في الإمارات منذ تأسيس لجنة التراث والتاريخ التي كانت بادرة أولى في هذا المسار، حيث نيط بها القيام بجمع ما تناثر من ذلك التراث من الصدور إلى السطور، ثم دعَّم ذلك النهج والمسعى عبر المركز الوطني للوثائق والبحوث (الأرشيف الوطني حالياً)، ووزارة الثقافة وتنمية المعرفة، ونادي تراث الإمارات، وهيئة أبوظبي للتراث والثقافة التي تحولت إلى هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، كما نشأت هيئات وجمعيات في مختلف إمارات الدولة تعنى بذات الغرض، من بينها «دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة»، وغيرها.

سياسات ثقافية لحفظ التراث

كما تم وضع سياسات ثقافية مكينة عملت على حفظ التراث جمعاً وتوثيقاً من خلال قوانين صارمة سُنّت من أجل حماية التراث ونقله للأجيال الصاعدة بأمانة وموضوعية، ولعل آخرها قانون التراث الثقافي لإمارة أبوظبي، الذي أصدره مؤخراً صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بصفته حاكماً للإمارة، وقد شكّل القانون منعرجاً مهماً للمحافظة على التراث الثقافي ومؤثراً قوياً على سعي الإمارة إلى النهوض بالتراث الثقافي وإدارته والترويج له بما يكفل المحافظة على هوية المكان وامتداداته الحضارية والثقافية، وبما ينسجم مع تطور العصر وما أصبح يطرحه من تحديات تطال التراث، بوجه من الوجوه.

يد الحرب تهدم البناء

ويرى الشاعر والإعلامي الفلسطيني عبدالله أبوبكر أننا كلنا نعرف أن يد الحرب تهدم البناء وتريق الدماء.. وتمحو الأثر.. وها نحن نعيش حروباً ومعارك وصراعات من شأنها أن تفعل كل هذا. ولعل التراث الثقافي الإنساني هو أحد أبرز ضحايا هذه الحروب التي حاصرت منطقتنا وضربت في كل جهة ومنطقة. وكعادتها دولة الإمارات العربية المتحدة ترى أبعد من حدود النظر، تلتفت لهمومنا وتجتهد في ترميم الحال والحلم، وهي عبر مؤتمرها للحفاظ على التراث الثقافي في المنطقة، إنما تحاول الحفاظ على هويتنا وتاريخنا العريض الذي استباحته يد الدم والظلام، وهي العارفة بقيمته وقيمه. ها هي الإمارات تقدم من جديد لتقول إنه لا يمكن للتراث الثقافي أن يزول أو أن ينسى أو أن يكون هو الآخر ضحية لكل تلك الصراعات. وهذا دليل وعي ومعرفة وحرص على ما توارثناه عبر فترة طويلة من الزمن استطعنا من خلالها رسم ملامحنا بين الأمم.

لا للظلامية

ويقول الدكتور رسول محمد رسول الناقد والأكاديمي العراقي، إن مؤتمر حوار أبوظبي حول التراث الحضاري المهدد من جانب الظلاميين الإسلامويين يمثل خطوة حضارية تاريخية تأتي في أوانها، فالجميع يعرف ما تفعله هذه العصابات من تدمير ممنهج للتراث الماضي خصوصا في العراق وسوريا، ومن ذي قبل في أفغانستان حتى بدا التراث مشاعاً لهؤﻻء الحثالة المتعصبين. إن روح التشارك الأوروبي – الإماراتي لهو نموذج حي للشعور بالمسؤولية التاريخية تجاه التراث الإنساني. ومن ذي قبل عكفت دولة الإمارات العربية المتحدة على اﻻهتمام المطلق بتراثها الحضاري، لكنها اليوم تقدم صورة نموذجية للحفاظ على التراث الإنساني المهدد بالتهديم والإتلاف والضياع. ويبدو مؤتمر أبوظبي بادرة تمثل بارقة أمل للشعوب والأمم المنكوبة بضياع تراثها الحضاري.

حائط الصد الأول

ويقول الحبيب الأسود الشاعر والإعلامي التونسي، إن تتحول أبوظبي إلى عاصمة العالم الثقافية، وحائط الصد الأول في الدفاع عن أصالة الشعوب والأمم من خلال المؤتمر الدولي «الحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر»، فذلك يعطيها مرتبة الضمير في الكيان الإنساني، ودور الحصن الحضاري الحامي لمنجزات البشرية عبر تاريخها الطويل، خاصة في منطقتنا العربية، وهو ما أشار إليه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، عندما وجه نداء لكل دول العالم بالتعاون والتنسيق للسيطرة على تهريب الآثار ومواجهة التطورات الخطيرة في هذا المجال، وشدد على أهمية النظر إلى هذه الآثار، باعتبارها تراثاً عالمياً مشتركاً لا يجوز التهاون في سرقتها أو تهريبها أو نقلها من أماكنها التاريخية.

ويضيف أن كل مراقب منصف، يدرك ما يعني الاهتمام بالتراث، سواء في مدرسة الشيخ زايد الخالدة، أو في فكر القيادة الحكيمة لدولة الإمارات العربية المتحدة، أو في موقف ورؤية وجهود صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وفي برامج الدولة ومشاريعها، من خلال الربط العميق بين البناء الثقافي الراهن والمستقبلي وبين الحفاظ على الموروث المادي واللامادي عبر إنشاء المتاحف وإحياء وترميم المعالم وتنظيم المهرجانات التراثية والمسابقات الكبرى، إضافة إلى التوثيق والتحقيق، وجعل بصمات الآباء والأجداد جزءا من الحياة اليومية للمواطن، وفي ذلك خير ترجمة لما سبق أن عبر عنه حكيم العرب المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، عندما قال «لا بد من الحفاظ على تراثنا القديم؛ لأنه الأصل والجذور، وعلينا أن نتمسك بأصولنا وجذورنا العميقة»

مصدر إلهام لكل الأجيال

وأضاف: عرفت دولة الإمارات العربية المتحدة، كيف تتحول إلى قلعة عالمية للدفاع عن التراث الإنساني، وخاصة ذلك المهدد بمخاطر الإتلاف والسطو والتخريب الممنهج، كما حدث في العراق وسوريا وليبيا، وكيف تجعل من نفسها نبراسا إقليمياً ودولياً وقدوة أممية في مجال الحفاظ على التراث بجميع أصنافه، ما أعطاها شرعية أن تكون ضميراً للإنسانية في هذا المجال، باعتراف مباشر من الأمم المتحدة من خلال «اليونسكو» الذي مثّل اجتماعه الدولي في أبوظبي امس، موعدا حاسما مع التاريخ في تحديد استراتيجية عالمية للحفاظ على التراث الثقافي وحمايته من المخاطر التي تتهدده

تجديد الحرص على التراث الثقافي

ويؤكد إبراهيم حاج عبدي الكاتب والصحفي السوري المقيم في الإمارات أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أكد حرص الإمارات على التراث الثقافي المهدد بالخطر، داعياً دول العالم إلى التعاون والتنسيق للسيطرة على تهريب الآثار، خصوصاً في مناطق النزاع، معتبراً هذه الآثار تراثاً عالمياً مشتركا ينبغي الحفاظ عليه.

ويوضح أن الإمارات، التي كرست على الدوام مبدأ الاعتدال والتسامح والسلام، ترى في التراث، بمختلف تجلياته المادية والروحية، رمزاً لهوية الشعوب، وتجسيداً لخصوصيتها الحضارية والثقافية والمجتمعية، ومن هنا كانت سباقة في بذل كل ما يلزم لحماية إنجازات الأسلاف، وإسهاماتهم الحضارية، انطلاقاً من قاعدة غير معلنة: «مَنْ يطلقِ الرّصاصَ علىْ حاضرهِ وماضيهِ، سيطلقُ المستقبلُ عليهِ نيرانَ مدافعهْ».

بهذا المعنى، ودون تفاصيل كثيرة، فإن الحفاظ على التراث الوطني أولاً، والعالمي ثانياً، يمثل ركيزة أساسية لدولة الإمارات التي تنخرط في الحداثة بخطى متسارعة، من جهة، ولا تغفل عن الاهتمام بالعلامات المضيئة للأزمنة الغابرة، من جهة ثانية، وهذا ما تقر به منظمة «اليونسكو» التي تنظر بعين التقدير لدور الإمارات في هذا الصدد.

ولا شك في أن الإمارات، التي تمثل واحة للرقي والتعايش، ستستمر في حمل عبء هذه الرسالة الإنسانية الطموحة، ولعل المؤتمر الأخير الذي عقد في أبوظبي، يمثل مثالاً واحداً، من جملة أمثلة لا تحصى أثبتت خلالها الإمارات، أن الجانب المعرفي والروحي، لا تقل أهمية عن طموحات الحداثة والتطور والتمدن.

ويقول الكاتب علي الخميلي رئيس تحرير في قناة تلفزيونية تونسية: المتأمل لأعمال المؤتمر الدولي حول «الحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر» برعاية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «يونسكو»، الذي عقد على مدار يومين في إطار مبادرة شراكة دولية دعا إليها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند بهدف حماية التراث الثقافي في مناطق النزاع المسلح، يلاحظ أن تناول قضايا حماية التراث الثقافي والإنساني، من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أمر كبير، ويستحق أن يدرّس في كبريات الجامعات العالمية، خاصة عند تركيزه على الضرورة الملحة لاتخاذ الإجراءات الفاعلة والعملية لحماية تراث وآثار العالم المهدد بالخطر.

من لا تراث له لا مستقبل له

ومن جانب آخر، فإن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لم يتردد في الإشارة إلى التحديات التي تواجه جهود الحفاظ على التراث الثقافي في مناطق النزاعات المسلحة، وعوامل النجاح التي تضمن التغلب عليها، داعياً إلى التركيز على الأهداف والمخرجات المقترحة من هذه المبادرة، علاوة على تبني «ميثاق أبوظبي»، الذي سيعتبر بمثابة إقرار بالتزام جميع الأطراف الحاضرة والموقعة على الميثاق بتقديم الدعم، فيما يخص حماية التراث الثقافي المهدد بالخطر في المناطق الجغرافية التي تشهد صراعات مدمرة.

كل هذا يثبت السياسة الحكيمة التي تنتهجها الإمارات باعتبار أن حماية التراث هو حماية للحاضر وللمستقبل أيضاً، باعتبار أن حماية الشعوب لتراثها الثقافي أمر يحتاج إلى عمل وعزيمة وإيمان، أما حماية التراث الثقافي لأصحابه وممتلكيه، فحقيقة قوية لا تحتاج إلى إثبات؛ لأنها في ظله تحيا بتاريخ وبعزة ومروءة، في ظل التأكيد أن ما من لا تراث له لا مستقبل له.

ليس مجرد بقايا مدن وقصور

ويوضح الصحافي التونس عزالدين الزبيديي أن التراث الثقافي ليس مجرد بقايا مدن وقصور وحصون وتحف أثرية، بل هو أكبر وأرقى وأعظم من ذلك، باعتباره يشمل اللغة، والتاريخ، والفنون، والعادات، والحرف، والأمثال، والحكم، والمرويات الشفوية، وغير ذلك من رموز الهوية التي اصطلح عليها بالتراث الثقافي غير المادي.

ويضيف أن انشغال العالم المعاصر بالمنافسة الاقتصادية والحروب الشرسة التي تؤدى إلى إهمال جزء غير يسير مما شيده الأجداد من تراث مادي ومعنوي ضارب بعمق في القدم، جعل الجميع مقتنعا بأهمية هذه الرموز الكامنة في ضمير الشعوب والجماعات، باعتبارها حصنا منيعا يصون الهوية الثقافية ويساهم في إحيائها وتجددها.

وأشار إلى أن اهتمام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والإمارات عامة بهذا الجانب في ظل ما وهبه الله لشعب الإمارات، من تراث ثقافي يبوح كل يوم بأسراره وكنوزه، يؤكد مدى شهامة ومروءة الإماراتيين وتعلقهم بما تركه الأجداد من أعمال ترجع إلى أقدم العصور, خاصة أن هذا الاهتمام الإماراتي بحماية التراث، أسفر عن إصدار تشريعات تنظم التراث الثقافي وترسخ الماضي المجيد، فضلا عن ما تم في فترات سابقة من إجراءات أخرى مهمة على غرار إنشاء مركز بحوث التاريخ والتراث الشعبي في جامعة الإمارات، وتأسيس أندية وجمعيات تهتم بإحياء التراث الشعبي القديم والمحافظة عليه. كما أن جلسات النقاش بمشاركة خبراء في مجال حماية التراث الثقافي، الذين قدموا شرحاً توضيحيا للتحديات التي تواجه جهود الحفاظ على التراث الثقافي في مناطق النزاعات المسلحة، وعوامل النجاح التي تضمن التغلب عليها دليل يؤرخ للعمل الإنساني الذي يدعو إليه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، باعتبار أن ما تم من اختلاس للتراث الإنساني، في الحروب في منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، قد يؤثر بشكل خطير على الهوية والحضارة العربية.

وأضاف أن مؤتمر أبوظبي هو تحريك لهمم المجتمع الدولي على المستوى الرسمي والمجتمعي للدفع بجهود حماية التراث الثقافي وترميمه في المناطق التي تهددها الصراعات المسلحة والأنشطة الإرهابية، ووضع تدابير عاجلة لإنقاذ التراث العالمي المهدد في المناطق الخطرة ومواجهة الظلامية والبربرية التي تنتجها الحروب في بعض دول المنطقة، مثل سوريا والعراق التي أصبح وضعها يثير المخاوف العربية والدولية.

يؤكد الشاعر والكاتب المغربي ياسين حزكر أن دولة الإمارات العربية المتحدة صارت مركزاً حضارياً حديثاً أقله على مستوى العالم العربي والشرق الأوسط. ولم يعد هناك من شك أنه وجب إعادة النظر في مفهوم «الحضارة» من الناحية الجغرافية؛ إذ من الجلي أن الحضارة لم تعد حكراً على الإمبراطوريات الضخمة والدول المترامية الأطراف، فهذه الدولة الصغيرة مساحة الكبيرة قيمةً قد كسرت كل التوقعات ورفعت سقف التحديات على الدول المحيطة بها.

وإذا كانت القيادة الحضارية تفترض النظر بعينيْ «زرقاء اليمامة» إلى آفاق مستقبلية متوسطة ثم بعيدة؛ فإن الارتكاز على أرضية ثقافية تراثية صلبة يمهد الطريق إلى تحقيق الرهانات المستقبلية دون الانسلاخ عن الذاكرة الإنسانية المحلية والإقليمية.

ويضيف: يأتي مؤتمر أبوظبي للحفاظ على التراث الإنساني المهدد في بلدان الحروب لمساءلة الضمير العربي والإنساني حول العنف الذي نمارسه تجاه مستقبلنا لحظة الضغط على الزناد واستهداف صدر الماضي!! إنه عنف مزدوج؛ موجه للأصول من جهة وللفروع من جهة أخرى؛ أصولنا القديمة «أجدانا» وفروعنا القادمة «أحفادنا».

ويوضح أن المؤتمرين من جميع أنحاء العالم أعربوا عن هذا القلق الوجودي الذي يمس ذاكرتنا الجمعية التراثية، ويهدد تواجدنا الحضاري الآني؛ من هنا تبرز ريادة دولة الإمارات العربية التي امتدت بالعمران إلى قمة العالم ببرج خليفة، ولكنها ترفض أن تنفض أيديها من غبار التاريخ، وترى أن من مسؤوليتها ترميم الذاكرة الثقافية العربية وحماية الموروث الحضاري من جرائم القذف والقصف والدمار الذي تمارسه ترسانة الحرب كما تمارسه ترسانة الإرهاب، مشيراً إلى أن في إحلال السلام في الدول المجاورة التي مسها ضرر الحرب هو حماية لموروثها المادي واللامادي، وحفاظ على المشتركات الثقافية وتوثيق للصلات الدينية والعرفية والعرقية. فلعل في صدر مخطوطة جلدية أو على نقش جدار معبد قديم حكاية لأجدادنا تنتظر أن نفكَّ شيفراتها ونفهمها لا أن ندكَّ وجهها ونهدمها !!

وأعتقد أن على جميع الدول العربية الانخراط في هذا المشروع الحضاري والاقتداء بدولة الإمارات العربية المتحدة لما تبديه من تشبث بالجذور الثقافية ورغبة في الانطلاق وتأسيس عالم خالٍ من الحروب ومملوء بالحب.

إيديولوجيا ترفض الحياة

يقول المفكر التونسي أنس الشابي، إن مؤتمر «الحفاظ على التراث الإنساني المهدد بالخطر»، الذي انعقد في أبوظبي بمشاركة مجموعة من الدول والمنظمات، جاء في وقته واستجاب إلى حاجة ضرورية فالمخاطر التي تتهدد الآثار تنقسم اليوم إلى نوعين اثنين: الأول خطر السرقة والمتاجرة في الآثار. والثاني خطر التخريب والهدم الذي يصدر عن إيديولوجيا ترفض الحياة وتحث على القضاء على كل مظاهرها ومن بينها الآثار، إذ عرفت العديد من البلدان العربية والإسلامية التي شهدت نزاعات مسلحة تخريبا ممنهجاً للآثار التاريخية استهدف الإتلاف والتحطيم مثلما شاهدنا ذلك لدى الدواعش في العراق وسوريا وقبلهما في أفغانستان.

ولا يجب أن يغيب عن الأذهان أن الآثار هي الحلقة الأضعف في كل النزاعات المسلحة لأنها غير محمية بالمعنى الحربي فحمايتها الوحيدة يوفرها لها الحس المدني والحضاري لدى جمهور الناس وهو حس يغيب لدى المتحاربين لمّا تصبح الحياة مهددة من هذا الطرف أو ذاك فقد شاهدنا استهداف مآذن ومساجد تاريخية لأن البعض احتمى بها، ورأينا أثريين وهم يبكون لما شاهدوا آثارهم معروضة بعد نهبها في متاحف الأعداء.

وتجاه هذا الخطر المزدوج جاءت هذه المبادرة التي تعتبر رد الفعل عبر هذا المؤتمر على ما شاهدنا من تدمير لِما لا يمكن أن يعوّض أو يُثمن كما أن المبادرة تصدر عن حس مرهف بضرورة المحافظة على كل التعابير التراثية مادية كانت أو معنوية، وهو المعنى الذي أشار إليه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في قوله: «إن التراث العالمي بات مهدداً من أكثر أي وقت مضى بفعل الحروب الأهلية والنزاعات وعبث الجماعات المتطرفة والإرهابية وعصابات تهريب الآثار والتراث بغرض القضاء على ذاكرة الشعوب وتدمير تراثها الإنساني، وهو سلوك ترفضه الديانات السماوية والأعراف البشرية وحتى المواثيق الدولية»، وبيّن أن هذا المؤتمر يستهدف تحقيق التواصل بين الحضارات الإنسانية، باعتبارها جهدا بشريا تجب المحافظة عليه أيا كانت لغته أو دينه أو الإطار الذي نشأ فيه. والمحافظة على الخصوصيات القومية والإثنية واللغوية والموسيقية من خلال المحافظة على تعبيراتها المختلفة ضمانا للتنوع وتأكيدا على وحدة النوع البشري. وإشعار مختلف الجهات السياسية والثقافية بأهمية السعي من أجل حماية التراث من الأخطار التي تتهدّده.

هذا الهدف المعلن بادر منظمو المؤتمر بالسعي إلى الوصول إليه ولعل عقد المؤتمر هو الخطوة الأولى التي نرجو أن تتلوها خطوات أخرى، فمن خلال ما تواتر من أنباء حيث نلحظ أن خطوات جريئة في طريقها للتنفيذ من بين أهمها: إنشاء صندوق عالمي يشارك فيه كل الخيرين من مؤسسات خاصة وعامة؛ بهدف توفير الأموال الضرورية لحماية الممتلكات الثقافية المهددة، و تفعيل التعاون الدولي في هذا الإطار على ألا يقع الاكتفاء بالمؤسسات الرسمية فقط بل يجب تشريك منظمات المجتمع المدني الناشطة في الميدان الثقافي والتاريخي،فشكرا لدولة الإمارات على هذه البادرة التي تصل الماضي بالحاضر.

الإمارات تولي اهتماماً مشهوداً بالتراث على كل المستويات

يؤكد الكاتب والباحث المغربي عزيز العرباوي أن دولة الإمارات العربية المتحدة تقدم في المجال الثقافي دوراً كبيراً وعظيماً في بلورة رؤية ثقافية وفكرية مهمة تساهم في تطوير الثقافة العربية عموماً وتجديدها في إطارها العام والشمولي، حيث نجحت في تحقيق غاية كبرى تتمثل في الاهتمام الوطني داخل الدولة بالثقافة المحلية والعربية، والإقليمي من خلال انخراطها الفعال في الحركية الثقافية العربية التي تعيشها الأمة العربية اليوم، والدولي من خلال تأسيسها مشاريع ثقافية ومؤسسات ثقافية متعددة آخرها إصدار مجلة «الموروث» التي تعنى بالموروث الثقافي الشعبي المحلي والوطني والعربي والإنساني أيضاً.

لقد نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة، كما أشرنا، في إغناء الثقافة الشعبية والتراث الشعبي العربي والإنساني من خلال دعمها مشاريع ثقافية تهتم بهذا المجال، وتنظيمها من خلال مؤسساتها الرسمية والشعبية، لملتقيات وندوات متعددة اشتغلت على التراث الشعبي والثقافي والإنساني.

أما «التراث الثقافي غير المادي» فيتألف من مجموع الأبنية ذات القيمة التاريخية والصفة الأثرية والمباني المعمارية وأعمال النحت والتصوير على المباني والكهوف وفي هذا الإطار يمكننا الحديث عن ما يوجد في الإمارات من مبانٍ أثرية أو تاريخية والتي تم تصنيف بعضها ضمن لائحة التراث العالمي. كما تقيم الدولة العديد من الفعاليات الثقافية التي تنظمها عدة جهات مثل: نادي تراث الإمارات الذي يُعنى بتنظيم سباقات القوارب الشراعية، وسباقات التجديف في المراكب الطويلة، وسباقات الهجن، وكلها تعبر عن الاهتمام بالتراث الإماراتي وثقافته التي توارثتها الأجيال. كما تعمل المهرجانات مثل مهرجان «قصر الحصن» في أبوظبي، والمهرجان الوطني للحرف والصناعات التقليدية في العين، ومهرجان ليوا للرُّطَب، ومعرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية على صون الثقافة التقليدية للاعتزاز بالحياة التي عاشها الأجداد والآباء في الماضي وصولاً إلى الحياة المتطورة، كل هذا يدل دلالة قاطعة على أن الدولة متقدمة في اهتمامها بالتراث الإنساني والثقافي سواء كان محلياً أم إقليمياً عربياً أو عامياً.

المبادرة الخلاقة تساهم في بناء الأجيال والأوطان

يؤكد الكاتب الكردي السوري زيد سفوك أن الكارثة البشرية التي باتت تهدد الدول التي تشهد صراعات وحروبا، هي حقيقة مؤلمة وواقعية نتيجة الحرب التي أصبحت لا ترحم أحداً، وبالتأكيد هذا يعني دمارا للإنسانية التي هي في حد ذاتها ثقافة باتت على حافة الانهيار في عقول بعض الأنظمة الديكتاتورية وتجار الحروب، ومن هذا المنطلق كانت دولة الإمارات العربية المتحدة ومن خلال رجاحة عقل حكامها وثقافتهم من السباقين دوما لنشر ثقافة الفكر التي تعطي للإنسان قيمته الحقيقية بكل معنى الكلمة.

وأضاف: ليس غريباً على صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد أن يطلق مبادرة كهذه المبادرات الخلاقة التي تساهم في بناء الأجيال والأوطان من خلال الحفاظ على التراث الذي هو بحد ذاته دلالة الوعي والإرث الحضاري، واهتمام سموه بالدول التي تشهد الحروب هو دليل على شعوره النبيل على الدوام بالحفاظ على السلم والمحبة بين شعوب المنطقة، فقد كانت الإمارات العربية المتحدة مستمرة بالعطاء ونشر الثقافة الحضارية، حيث بَنت ثقافة متحضرة لأجيالها فبناء هذا الجيل يعني بناء المستقبل، وبالتالي أصبحت منبراً للحرية واحتواء أصحاب الأفكار الهادفة، ودعمتهم بكل طاقاتها ليكونوا عوناً لبناء أوطانهم في أوقات عصيبة، فالغرب ليسوا أكثر إنسانية وتحضراً من شعوب الشرق، فالتعمق جيداً داخل دولة الاتحاد المتماسكة والقوية بصلابة ثقافتها الإنسانية، يوضح حضارة قيمة مكونها الإنسانية والحب والسلام، إضافة لعادات وتقاليد أصيلة كانت وما زالت تترسخ في عقول الشعب الإماراتي بفضل الله ثم بفضل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وسار على نهجه أبناؤه وقيادة الإمارات الرشيدة، فكانت دولة الإمارات حالة نادرة قَلبت موازين مخططات الدول ذات المطامع في الشرق الأوسط، وبرهنت لهم أن التطور والحضارة والثقافة ليست حكراً على الغرب وحده، وخير مثال على ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة التي أصبحت منبعاً لنشر ثقافة إنسانية واعية في جميع المجالات كافة، وهذا ما يدفعها إلى الاهتمام بالدول التي باتت شبه مهددة بالانهيار.

المصدر: الإتحاد