محمد بن راشد يبتهل إلى الله بمداد القلب

أخبار

ينسج صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله علاقة روحانية جمالية بين التضرع لله والقصيدة العربية، فاتحاً أمام اللغة فضاءً نورانياً تتعالى فيه المفردة لتحقق الابتهال لله تعالى، وتخرج اللغة من رصانة البناء، ودقة الصنعة إلى الكتابة بهيبة الخشوع، والامتثال لصوت القلب. 

يرسم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في قصيدته «ابتهال وقفت أمام بابك» نافذة واسعة على جملة من المفاهيم الصوفية الإسلامية، التي يبتهل فيها العبد لله، ويقترب إلى حضرته بالدعاء، والتضرع، فتنكشف قدرة اللغة، وجماليات الشعر على الكتابة من أعماق الذات الإسلامية الخالصة، الهائمة في حب الذات الإلهية والخاشعة أمام عظمته وجلاله. 

يكتب سموه تلك العلاقة الشعرية الروحانية، مستجيباً لبداية الشهر الكريم، وما يمثله في الذاكرة الروحانية عند المسلمين، فلا تظهر القصيدة نسيجاً من الشعر الخالص، بقدر ما هي ابتهال روحاني مكتوب بلغة الشاعر البليغ، العارف بدقة المفردة، وجماليات العبارة، ورزانة الوصف، وجزالة الصورة وأحكامها. 

تظهر سمات العابد المبتهل العارف بجلال الله عز وجل في الأبيات الثلاثة الأولى التي يستهل فيها سموه القصيدة، إذ يرسم صورة للعابد المتضرع، الواقف عند باب الله، يطلب رحمته، ومغفرته، والاستغراق في محبته الكاملة، فيقول: «وقفت أمام بابك يا قريب/ ومن يلجأ لبابك لا يخيب»، «ولست بمحدث أمراً غريباً/ ولست على الباب الغريب»، «أتيتك والهاً دنفاً مشوقاً/حبيبي أنتَ يا نعْم الحبيب».

ينكشف البعد الصوفي لمزاج القصيدة في القاموس اللغوي الروحاني الذي يوظفه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إذ تظهر مفردة «دنفاً»، و«قريب»، «وحبيب»، و«ولهاً» وغيرها من جماليات الوصف الشعري الصوفي المعبر عن نورانية علاقة العبد مع الله، وتوظيف طاقة اللغة في التقرب والكشف والتجلي.

ليس ذلك وحسب فالمعاين لفكرة الاستهلال في القصيدة يقف أمام نافذة واسعة لقراءة متن القصيدة وخاتمتها، إذ يمنح اللغة طاقة الابتهال النوراني القائم على سيرة العشق الخالص بين العبد وربه، فتكاد تكون القصيدة مناجاة في خلوة الشاعر، لا يرافقها سوى جلال الخشوع.

ويختار سموه واحدة من أكثر الصور التعبدية الراسخة في الثقافة الإسلامية، والمتمثلة في الاستجارة بالله تعالى، إذ ليس للمسلم إلا الله في السراء والضراء، فهو المدبر، والحكيم، والعزيز، والمجير، فيكتب سموه أبياتاً في التماس العفو، والاستجارة، والرحمة، تكشف صورة حب العبد لربه في أعلى درجات الابتهال والتشكي، يقول فيها: «وتعلم أنني بك مستجير/ وشعري دون ذكرك لا يطيب»، «وحسبي أن عفوك بي محيط/ ومن آثار جودك لي نصيب»، «فيامن خيره شمل البرايا/ لك التقديس باسمك يا مجيب». 

تتجلى علاقة العبد المبتهل في التصوف الإسلامي داخل أبيات سموه، فتنكشف عبارة مثل «وحسبي أن عفوك بي محيط»، و«لك التقديس باسمك يا مجيب»، إذ الاشتغال على أسماء الله الحسنى، ودلالاتها الموغلة في توصيف جلال الله، وسعة رحمته، وعزة مكانته، مقابل الضعف البشري، والتضرع القائم في المحبة الأعلى لله عز وجل.

مقابل ذلك يبني سموه علاقة بين محبته لله تعالى وكتابته للشعر، فيقول: «وشعري دون ذكرك لا يطيب»، مقدماً الشعر بوصفه رسالة من العشق الأبدي التي لا تكون فيه اللغة، وسيطاً جمالياً لنقل سيرة التجلي في وصف المحبة، والابتهال لله عز وجل.

ينتقل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم من تلك الأبيات إلى التوقف عند عظمة الخالق، ودقة صنعته، فيرسم صور شعرية باذخة في التوصيف، ومحكمة في البناء، ولها من اتزان المعنى ما يكفي لتكون بعذوبة الشعر، ودقة الوقوف عند عظمة الخالق سبحانه وتعالى، فتنكشف قدرة الشعر واللغة على التكثيف، والاختزال، لتصبح الأبيات نافذة قادرة على فتح الآفاق على مخلوقات الله بأكملها، وفي الوقت نفسه فرصة لتأمل حكمته، وعظمة خلقه.

يكتب سموه: «ومَن مِن أمره الأكوان تجري/ على نسق هو النسق العجيب»، «خلقت رزقت صنت وهبت جوداً/ غفرت رحمت فضلك لا يغيب»، فتظهر الأبيات أشبه بتكثيف قدرة الله تعالى، وحكمته في جريان الكون ووضع قوانينه، إذ يترك سموه الفضاء الشعري الجمالي واسعاً على تخيل حجم الكون، وقدرة الله العظيم على تسيير شؤونه بمنتهى الدقة، ويشير إلى نعم الله على العباد بما مَن الله عليهم بالرزق والخير والهبات. 

ولا يتوقف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عند ذلك بل يكرس كل ذلك في سياق النعمة الأكبر التي ينطلق منها سموه والمتمثلة في نعمة الإسلام، إذ يشير إلى بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأثر رسالته في تغير مسار الإنسانية بما قدمته رسالته للمحبة والسلام والعفو، والسماحة، فيقول في ختام القصيدة: «بعثت لنا محمد خير هادٍ/ ونحن إلى هدى الهادي ننيب»، «تخذنا الشرعة السمحاء نهجاً/ وحسبي أنتَ يا نعم الحسيب».

يظهر ختام القصيدة منفذاً لقراءة القصيدة من جديد في سياقها الإسلامي السمح، فالرسالة الروحانية التي حملها النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم تكن نهج المسلمين في دينهم ودنياهم وحسب، وإنما رسمت معالم عشقهم الإلهي الأزلي في حالة من التجلي المتعالي، التي يخرج فيها الإنسان من المحسوس المادي إلى الروحاني والنوراني، فيصبح على مقربة من الوصف والجمال والكمال على أعتاب عظمة الخالق بديع الكون، ومسير شؤونه. 

وتتجلى قدرة سموه الشعرية على تحقيق التجانس والانسجام الموضوعي لبناء القصيدة، فمن الابتهال الصوفي الخالص، إلى الاستجارة بعزة الله ورحمته، وصولاً إلى ذكر جلال خلقه وعظمة صنعه، ليختتم القصيدة في الثناء على الرسالة الإسلامية للنبي الهادي محمد صلى الله عليه وسلم، وشريعة الإسلام الجوهرية القائمة على السلام والمحبة.

رجاء المحب وتضرعه إلى الخالق

هو الموقف المهيب الذي يقف فيه المرء على باب الرجاء، يدعو ربه وتحمله مظنة خير ألا يخيب الرجاء، ومن يسأل ربه لا يخيب، ولا يرده الله عن بابه، فهو كريم رؤوف رحيم، وكان هذا موقف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، هو موقف مهيب إذ يتراءى للمرء أن لا حجاب بينه وبين ربه، ولعل تلك الابتهالات تكون دائما في ساعة يغتنمها المرء من بين زحام الحياة فيناجي ربه في هذا الشهر الكريم، فمن آداب الدعاء أن يتحرى المرء الأوقات الفاضلة، والأحوال الشريفة، وهل من وقت خير من رمضان، الذي تتوجه فيه القلوب صوب السماء، حيث الرحمة في أوله والمغفرة في أوسطه والعتق من النيران في ختامه، وحسن الدعاء والصدق فيه من شروط الاستجابة فجاءت قصيدة سموه وهي تحمل في أبياته التضرع والرجاء لرب العالمين:

وقفت أمام بابك يا قريب

ومن يلجأ لبابك لا يخيب

ولست بمحدث أمرا غريبا

ولست أنا على الباب الغريب

هذا الدعاء من واجبات المؤمن، هو ليس بالأمر الغريب، لكنّ قليلاً من العباد من يتذكر أن الإنسان بالدعاء أقوى إنسان، الإنسان بالدعاء أغنى إنسان، الإنسان بالدعاء أعلم إنسان، لأنه يكون في لحظة أمام ربه يستغني فيها عن الناس جميعا، يكتفي به في حضرته يقول الله تعالى: «ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»، وقصيدة سموه هي رسالة للمسلمين أن يكثروا من الدعاء، وألا يأنفوا منه وإلا صاروا من المعتدين، وأن عليهم أن يتذكروا أن «الدعاء هو العبادة» وهي العبادة التي يأنف منها المتكبرون يقول تعالى: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرينَ»، ولعل اختيار سموه لأيام شهر رمضان لم يكن صدفة، فهو الشهر الكريم وهو شهر العبادة، وكذلك اختيار سموه للأيام الأولى من رمضان فهي أيام الرحمة. إن القصيدة جاءت محتشدة بالعبر والدلالات ناصعة المعاني والبيان، وهي تصور مشهداً خاصاً، لحظة خاصة، هي تلك التي يقف فيها المرء في حضرة ربه مبتهلا، لحظة يحضر فيه الشوق والحب:

أتيتك والها دنفا مشوقا

حبيبي أنت يا نعم الحبيب

وتعلم أنني بك مستجير

وشعري دون ذكرك لا يطيب

وحسبي أن عفوك بي محيط

ومن آثار جودك لي نصيب

فيا من خيره شمل البرايا

لك التقديس باسمك يا مجيب

هذه اللحظة التي تبذل فيها القصائد والشعر، يصبح فيه الشعر وسيلة للتقرب من الله، وسيلة لمناجاته ودعوته، هو موقف تستنفر فيه الكلمات والمعاني من أجل التقرب إلى رب العالمين، إلى العفو الكريم الجواد، الذي لا ينضب معين جوده وكرمه سبحانه.وتطوف القصيدة حول هذه المعاني السامية السامقة، في تلك اللحظات المهيبة، وذلك الموقف العظيم، فتستدعي القصيدة في تناسق جميل بديع، نعم الله سبحانه وتعالى على العباد ومعجزاته، فهو الخالق والرازق والواهب والجواد، الغفور ذو الفضل الذي لا يغيب.

ثم تأتي القصيدة على ذكر حدث مفصلي في تاريخ البشرية، لحظة بعث محمد صلى الله عليه وسلم، رسولا لله من أجل البشرية جمعاء، من أجل هدايتها على منهاج النبوة والشرعة السمحاء:

بعثت لنا محمد خير هاد

ونحن إلى هدى الهادي ننيب

تخذنا الشرعة السمحاء نهجا

وحسبي أنت يا نعم الحسيب

وكان ختام القصيدة مسكاً إذ يجعل الله حسبه، وهو نعم الحسيب، وهو الكلم الذي كان حاضرا على لسان أولي العزم من الرسل، وهم أولى أن يقتدى بهم إذ كانوا يقولون: «حسبي الله ونعم الوكيل» وجاء القرآن الكريم ليجعل منها الملجأ عند الشدائد يقول تعالى: «الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» إن القصيدة جاءت متدبرة لتلك المعاني، ولذلك التسليم لرب العالمين.

المصدر: الخليج