وادي المالح و«المضارب».. كنز فلسطين المسلوب

أخبار

القادم إلى الأغوار الشمالية الفلسطينية، خصوصاً مناطق المالح والمضارب البدوية عليه أن يستعد ليملأ جعبته من الذاكرة الفلسطينية التي لا تنضب، وأن يتمكن من استيعاب مشاهد الطبيعة الخلابة التي تأسر كل زائر إلى الشريط الشرقي للأراضي المحتلة، حيث التلال وعيون الماء المتدفقة، وبقايا عيون هنا وهناك، وسماء لا تنازعها المباني السكنية، وأجواء قريبة من المناخ الاستوائي، وهدوء نسبي.

كما تعد المالح منطقة أثرية وسياحية جيدة، إذ تمتاز بمياهها العلاجية المفيدة للشفاء من أمراض عدة، فهذه المياه ذات صفة تؤهلها في الحفاظ على جسم الإنسان، ومعالجة أمراض الجلد وتخثر الدم وغيرها.

تعاقبت على منطقة المالح عصور كثيرة، وسكنتها قبائل عدة، خلفت وراءها معالم سياحية كثيرة، وأهمها، المعلقات الجبلية، وطريق اللصم، وطاحونة الحبوب التي كانت تدار على مياه الوادي والآبار كبيرة الحجم المحفورة في الصخور الصلبة.

هذه المشاهد الجمالية هي عنوان كبير لكنز فلسطين المسلوب، فرغم ما تحتويه المضارب البدوية والمالح من طبيعة خلابة، إلا آن السلام والحياة الكريمة ليسا الصفة العامة فيها، فمنذ أن احتلت إسرائيل المناطق الفلسطينية عام 1967 وضعت صوب أعينها الأغوار، هذه المنطقة التي يقع تحتها حوض مائي كبير، فيما تجثم على أراضي هذه القرى سبع مستوطنات معظم ساكنيها من الإسرائيليين المتطرفين، الذين جرى إجلاؤهم من مستوطنات قطاع غزة عام 2005، بالإضافة إلى ستة معسكرات تدريب.

منطقة وادي المالح والمضارب البدوية تقع إلى الشرق من محافظة طوباس، وفي قلب الأغوار الشمالية، وتمتد لمساحات شاسعة، وكان الاحتلال قد دمر جميع معالمها وشتت سكانها.

سيطرة كاملة

من وسط الأغوار الشمالية بدأت جولة «الإمارات اليوم» في قرية الفارسية الواقعة بالقرب من مجرى وادي المالح، التي تعد من أهم المناطق فيه، حيث تمتد أراضيها الواسعة لتغطي الأراضي الأكبر مساحة في منطقة المالح، إلا أن الاحتلال صادر معظم أراضيها، ليبني المستوطنات على قسم منها، وأوسعها مستوطنة روتم، التي سيطر مستعمروها على أراضي السكان بالقوة.

ويعمل أهالي الفارسية على تربية المواشي وزراعة أراضيهم بما تيسر من مياه الوادي، وتوجد في الفارسية ينابيع عدة دمر الاحتلال معظمها، فيما يعيش السكان في بيوت من الخيش والشعر والزينكو، ولا يوجد في المنطقة أي بناء اسمنتي، لعدم السماح للسكان بالبناء من قبل الاحتلال.

من جنوب الأغوار حيث تجمع رأس العوجا، استكملنا جولتنا التي رافقنا فيها رئيس مجلس منطقة المالح والمضارب البدوية عارف دراغمة، واستوقفنا مشهد النبع الشهير الذي يحمل اسم قرية العوجا، الذي يعد عبر التاريخ من أهم المصادر المائية في الأغوار.

ويقول دراغمة إن «عين العوجا كانت تهب المنطقة تنوعاً حيوياً وحياة برية غنية، ولكن اليوم وعلى الرغم من تدفق بعض المياه في نبعة العوجا إلا أن مستوى تدفق مياهها انخفض بشكل كبير، وتحول ما حولها إلى صحراء قاحلة بعد قيام قوات الاحتلال عبر شركة ميكروت للمياه بحفر آبار كبيرة عدة على الحوض الذي يغذي النبع، لتمد مستوطناتها بالمياه، وهي تحديدا (إيتاف)، و(نعماه)، و(نيران)».

وخلال وجودنا في العوجا استقبلتنا الطفلة حنان الضبابات، وهي تقف أمام خيمة صغيرة تعيش فيها مع أسرتها المكونة من ثمانية أفراد، فيما تحرم أبسط الخدمات الضرورية كتمديدات المياه وخطوط الكهرباء. وتقول الطفلة حنان من أمام خيمتها البسيطة التي تكاد تثير الدهشة من قدرة قاطنيها على تحمل حر الصيف وبرد الشتاء، إن «الحياة هنا صعبة، وفي الليل تصبح مخيفة ومرعبة، وهو ما يجعل الحركة بعد غروب الشمس مستحيلة ومحفوفة بالمخاطر».

وتضيف «سئمنا الحياة هنا في ظل وجود الاحتلال الذي سلب منا كل شيء جميل، فقد أصبحت أمنيتي أن أعيش وأستمتع بطبيعة بلدتي كما بقية سكان العالم».

حياة معدومة

تفتقر منطقة المالح لأي بنية أساسية في جميع ضواحي منطقتها، حيث لا تتوافر فيها مراكز صحية، حيث يضطر السكان لقطع مسافات للذهاب إلى عيادات منطقة طوباس للعلاج، وقد حدثت وفيات عدة وحالات إجهاض بسبب الحواجز العسكرية وبعد أماكن العلاج، بالإضافة إلى حرمانها أبسط الخدمات التي تتوافر في كل مكان، حيث لا يوجد فيها شبكات مياه وكهرباء.

ويعيش معظم سكان المالح، في بيوت من الشعر والخيش والزينكو في بيوت متناثرة هنا وهناك، بينما تفتقر هذه المساكن البدائية لأبسط مقومات الحياه.

وأقام الاحتلال عدداً من المستوطنات ومعسكرات التدريب على أرض المالح والمضاربة البدوية، ومنها مستوطنة «روتم» التي أقيمت على أراضي الفارسية في السبعينات، ومازالت تبتلع آلاف الدونمات.

المصدر: الإمارات اليوم