160 قطعة أثرية تروي قصة كروية العالم

أخبار

عبر 160 قطعة أثرية تتنوّع بين أعمال المجسمات والمخطوطات والخرائط الأثرية، يحمل معرض «العالم برؤية كروية»، الذي يستضيفه متحف اللوفر أبوظبي في الفترة من 23 مارس إلى الثاني من يونيو 2018، بتنظيم من المكتبة الوطنية الفرنسية، زواره إلى مغامرة استكشافية نادرة في الفكر عبر 2500 عام، متتبعاً تطور تصورات الإنسان حول الأرض، والكون الذي يعيش فيه منذ العصور القديمة وحتى الآن. يكشف المعرض أن فكرة كروية الأرض تبدو بديهية حالياً، إلا أن اكتشاف هذه الفكرة التي تبدو بسيطة للكثيرين احتاج قروناً من التفكير والدراسة والبحث من علماء من مختلف حضارات العالم، وهي رحلة طويلة تمثل محور المعرض الذي استلهمت تصميمه لورانس فونتين من عنوانه وموضوعه، فجاءت قاعاته وأقسامه كروية الشكل، وتروي كل قاعة من هذه القاعات مرحلة زمنية من تطور الفكر الإنساني وتطور تصويره للأرض، منطلقاً من بداية مبهرة، حيث يجد الزائر نفسه أمام مجسمين لكرة أرضية هائلة لفينشينزو ماريا كورونيلّي، أحدهما يعود إلى 1693 والآخر إلى 1688، ومجسم كرة ذات حلق لجيروم مارتينو وفق نظام بطليموس، التي تتحرك بفضل نظام عمل الساعة، وقد صُنعت هذه الكرات الثلاث في عهد الملك لويس الـ14 (1715-1643)، وهي عبارة عن نماذج مصغرة تمثل مفهوم الكون الكروي بحسب المبادئ الموروثة عن العصور القديمة.

رحلة تطوّر

يركز القسم الأول من المعرض على العالم القديم، حين تصور العلماء والفلاسفة اليونان في القرن السادس قبل الميلاد عالماً كروياً من الكواكب والنجوم. فقد أشار أرسطو إلى الظل الدائري للأرض، ما يؤكد فرضية كون العالم كروياً. وتم إنتاج أولى الكرات الأرضية والسماوية في القرن الرابع قبل الميلاد. ومن أقدم القطع في المعرض كرة سماوية صغيرة، لا يزيد قطرها على 6.4 سم، يعود تاريخها إلى 200 عام قبل الميلاد، وقد سادت هذه الرؤية العالم في مجال العلوم الكونية على مدى أكثر من 1500 سنة، في العالم الروماني، وكذلك في المناطق الإسلامية والمسيحية الغربية، بعد أن استلهمت من ثقافات مصر القديمة وبلاد فارس وبابل، وانتشرت من خلال الفلاسفة من العالم الهلنستي مثل أفلاطون وأرسطو، لتتعزز بعد ذلك من خلال العلماء مثل كلوديوس بطليموس (مصر، القرن الثاني الميلادي). كما يقدم المعرض للزائر فرصة الاطلاع على بقايا أثرية نادرة مثل الكرة السماوية الشهيرة لبيانشيني من متحف اللوفر باريس.

قصة الرؤى الكروية للكون

أوضح منسقا المعرض كاثرين هوفمان وفرانسوا ناوروكي خلال المؤتمر الصحافي الذي سبق الجولة في المعرض، أن «العالم برؤية كروية» لا يشكل فقط فرصة استثنائية لعرض الكرات السماوية والأرضية الأثمن والأندر في المجموعات الفرنسية، بل يروي أيضاً قصة جوهرية طويلة المدى: قصة الرؤى الكروية للكون، من منظور العلوم الفلكية والجغرافية، والدين والفلسفة. هذه النظريات، التي ولدت في بلاد الرافدين ومنطقة البحر الأبيض المتوسط في ذلك الوقت، انتشرت وتطورت عبر حوار العلماء من جميع مناطق العالم، لتتجسد في قطع وصور تطورت أشكالها بشكل مستمر.

• 200 عام قبل الميلاد تاريخ بعض القطع.

العلماء المسلمون

ينتقل المعرض إلى إسهامات علماء الفلك المسلمين في هذا المجال، متوقفاً في الفترة من القرن الثامن وحتى القرن الـ15، حيث كان علماء الفلك المسلمون رواد البحوث الفلكية، فقد كانت الاسطرلابات والكرات السماوية من أكثر الأدوات العلمية المستخدمة في العالم الإسلامي، من الأندلس وحتى سلطنة مغول الهند، ويبرز المعرض بعض أقدم هذه الأدوات التي عرفها التاريخ، مثل اسطرلاب أحمد بن خلف (العراق، القرن العاشر)، والكرات السماوية لكل من إبراهيم بن سعيد السهلي الوزان (إسبانيا، القرن الـ11)، ويونس بن الحسين الأسطرلابي (إيران، 1144)، مع شرح لاستخدامات هذه الأدوات والمعارف التي كانت توظف حركة النجوم لتحديد التقويم القمري، وتحديد أوقات الصلوات الخمس واتجاه القبلة وغيرها من المعارف الأخرى.

ويشير المعرض إلى استفادة الغرب المسيحي من العلوم العربية في مجال الفلك بدءاً من الأندلس (قرطبة، طليطلة) في القرن العاشر عبر ترجمتها، بما سهل له تطوير ذاته وإعادة اكتشاف العلم القديم، ففي القرن الـ12، ونظراً إلى إعادة اكتشاف أعمال أرسطو و«كتاب المجسطي» لبطليموس، والترجمات اللاتينية لكتاب «صور الكواكب الثابتة» لعبدالرحمن الصوفي، بدأ تجديد العلوم الفلكية الغربية.

انتصار النموذج الكروي

ويحمل القسم الخامس من المعرض عنوان «انتصار النموذج الكروي» حيث برهنت الرحلات الكبرى في القرن الـ16 والاكتشافات الجديدة على كروية الأرض منذ رحلة وفرناندو ماجلان 1519، ويضم القسم كرة أرضية فريدة من نوعها ونادرة من زمن رحلات كريستوفر كولومبوس وفرناندو ماجلان. كما يبرز كيف وسعت الرحلات والتجارة آفاق الأوروبيين وأغنت رؤيتهم للعالم، وأتاحت لهم أيضاً تصدير هذه الرؤية إلى قارات أخرى، مثل السجادة المنسوجة على نول أفقي والمصنوعة من الصوف والحرير من مصانع بوفيه بعنوان «الفلكيون»، سجاد جداري من سلسلة «قصة إمبراطور الصين» ولوحة نامبان تصور خريطة العالم من مجموعة اللوفر أبوظبي الدائمة. بالتالي، باتت الكرات الأرضية والسماوية على حد سواء مجسمات من الحياة اليومية وتم تمثيلها في الفنون بمجموعة متنوعة من الأشكال والمعاني الرمزية.

ويختتم المعرض بالأشكال الكروية ورمزيتها في الثورات في القرنين الـ17 والـ18، حيث شكك المثقفون في الأسس التقليدية لنظرياته، فأخذت الشمس مكان الأرض في مركز الكرات السماوية. ومع الاكتشافات الجديدة لعلماء الفلك من خلال المناظير العملاقة والفعّالة، وقانون نيوتن، وعلماء عصر التنوير، والنظريات الرائدة التي أدت إلى الفيزياء الفلكية، ما أحدث تغييرات جذرية في هذا المجال. في هذا النطاق، أدت حملات موبيرتويس إلى لابلاند وكوندامين إلى بيرو، وبعد ذلك لابيروس في أوقيانوسيا، والتي خلدتها اللوحة الشهيرة لمونسياو من مجموعات قصر فرساي، إلى الكشف عن الشكل الحقيقي لكوكبنا ومقاييسه الفعلية، في حين تم تطوير المعارف حول أكثر المناطق النائية في العالم. وفي القرن الـ19، تحسنت طرق الإنتاج، فأصبحت الكرات الأرضية موجودة في الحياة اليومية بأحجام مختلفة، من كرة الجيب الصغيرة إلى المباني الضخمة مثل «الكرة السماوية الضخمة».

المصدر: الإمارات اليوم