محمد الحمادي
محمد الحمادي
رئيس تحرير صحيفة الرؤية

آسيا الشرقية وآسيا الغربية

آراء

شهدت دول آسيا تطوراً في قطاعات جديدة خلال العقود الماضية ففي منتصف القرن العشرين كانت العديد من دول جنوب شرق آسيا ودول جنوب غرب آسيا تبني نفسها أو تعيد صياغة نفسها… فخرجت النمور الآسيوية ومن ثم برزت بعض العواصم والمدن العربية ككيانات لها ثقل اقتصادي في العالم، وأصبحت بعض دول آسيا رقماً مهماً في المعادلة الدولية، ومن المتوقع أن تنال آسيا أدواراً جديدة في المجتمع الدولي، لما تمتلكه دولها من متطلبات الاقتصاد العالمي.

وتعتبر قمة حوار التعاون الأول الذي احتضنته دولة الكويت خلال الأيام الماضية نقطة تحول مهمة لدول آسيا إذا ما استمرت بحماسها في هذا المشروع فرغم أن هذه ليست القمة الآسيوية الأولى، والحوار ليس هو الوحيد من نوعه في آسيا إلا أنه الأهم… فهناك الحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة الآسيان، والحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون الخليجي وروسيا، والحوار الاستراتيجي بين رابطة الآسيان والصين وغيرها، لكن ما يميز هذا الحوار هو أن 32 دولة من دول آسيا تشارك فيه.

لقد بدأ حوار التعاون الآسيوي منذ عشر سنوات تقريباً في يونيو 2001 بمبادرة من مملكة تايلند من أجل وضع دول آسيا في إطار تعاوني يقود إلى التفكير الإيجابي ويقوم ذلك على عدة مبادئ منها السعي من أجل النهوض بالمجتمعات الآسيوية في مختلف المجالات الاقتصادية والمعيشية والثقافية، وصولاً إلى تحقيق مفهوم المجتمع الآسيوي المتقارب، وتعزيز ودعم المصادر المتنوعة والغنية في قارة آسيا والتنسيق فيما بينها من أجل القدرة على التنافس مع غيرها من التجمعات.

وقد تكلم المشاركون في هذه القمة حول ضرورة العمل من أجل انسياب الحركة التجارية بين دول القارة، كما أكدوا على أهمية إنشاء بنية تحتية حديثة وقوية بشكل يمكن دول القارة من بعث طريق الحرير من جديد. وهذا حلم كبير وسيكون إنجازاً يقلب موازين العالم لو تم تحقيقه، وسيساعد على تحريك الأموال والأعمال بسهولة بين دول آسيا.

والمتميز في هذه القمة أن المشاركين فيها وضعوا خلافاتهم السياسية خارج قاعة الاجتماع -وهي خلافات عميقة لا يمكن إنجاز أي مشروع ولو صغير في وجودها- لذا فإن تركيز المؤتمرات على القضايا الاقتصادية والاستراتيجية كان موفقاً من قبل منظمي الاجتماع والنقاش حول العمل في مجال الأمن الغذائي لدول وشعوب قارة آسيا، كما أن الحديث عن أمن الطاقة والعمل على المحافظة على ضمان توافرها… كان موفقاً. كما يبدو البحث في سبل التبادل العلمي ونقل الخبرات في المجالين التعليمي والصحي من بلد لآخر، منطقياً هو أيضاً، فقارة آسيا باتساعها الجغرافي وتنوعها الطبيعي والبيئي والإثني تقدم خيارات متميزة لدولها حين تقبل على التعاون.

ويعكس هذا الاجتماع مدى الثقة التي أصبحت تتمتع بها دول آسيا بعد أن ظلت لسنوات طويلة مرتهنة لما يحدث في الغرب وتابعة للتطورات في دوله. تبدو دول آسيا اليوم أكثر قدرة على الاعتماد على نفسها، وهي بحاجة في المرحلة المقبلة أن تبدي إلى أي قدر هي قادرة على خلق التعاون فيما بينها.

إن دول آسيا بحاجة إلى أمر في غاية الأهمية ولا يقل أهمية عن وضع الخطط الاقتصادية والتنموية، وهو الانفتاح الثقافي والإعلامي على بعضها البعض… فمن الواضح أن هناك جهلاً كبيراً لدى دول وشعوب آسيا بعضها ببعض. والملفت أن الصورة الذهنية لدى المسؤولين وشعوب آسيا عن بعضهم البعض قاموا بتكوينها من خلال الإعلام الغربي الذي يقدم صورة نمطية مكررة وغالباً ما تكون سطحيةً عن شعوب شرق آسيا أو وسط آسيا أو غرب آسيا والعرب. ينبغي أن يكون هناك مشروع آسيوي للتعريف بثقافات القارة، خصوصاً أن حاجز اللغة يعتبر حاجزاً معرقلاً بشكل كبير لكن من الممكن تجاوزه من خلال عمل يليق بمستوى قارة آسيا.

ولابد من الإشارة إلى أمر تميزت به هذه القمة ونتمنى أن يكون جزءاً من الاجتماعات العربية والخليجية في المستقبل، وهو أنه سبق قمة القادة وسبق اجتماعات وزراء الخارجية ملتقى للأكاديميين والمتخصصين في الشأن الآسيوي يدلون من خلاله بدلوهم في موضوع التعاون الآسيوي. ومثل هذه اللقاءات الأكاديمية مفيدة جداً وتعطي بعداً إضافياً للعمل السياسي فالأخذ بنقاط ووجهات نظر أخرى من غير السياسيين لاشك أنه يعتبر إضافة نوعية ستفيد المجتمعين وتعطيهم بعداً آخر في عملهم ومشروعاته المستقبلية.

صحيح أن نقاط الاختلاف بين دول آسيا كثيرة ولكن تبقى المصالح المشتركة هي الأكثر والأقوى. والحقيقة الأهم في هذه القمة وفي كل ما يحدث في آسيا اليوم وما يلمسه كل من يتابع الشأن الآسيوي هي أن دول آسيا تتغير بشكل واضح وملموس وسريع في بعض الأحيان ويمكنها خلال خمسين سنة المقبلة أن تكون رقماً مهماً في المعادلة الدولية وفي الاقتصاد العالمي. ويبدو أن جيراننا في شرق آسيا وجنوب شرقها عازمون على مواصلة السير قدماً إلى الأمام نحو التقدم وبناء دول قوية وعصرية تنافس الغرب وكذلك عازمون على بناء الإنسان المتعلم والمتميز، الأمر الذي يفرض على الدول العربية في آسيا، وخصوصاً دول الخليج، أن تتخذ قرارها من اليوم وأن تعلن إن كانت مستعدة لأن تكون من ضمن ركب الدول الآسيوية المتقدمة أم لا. فقد يأتي يوم تقسم فيه آسيا إلى “آسيا الشرقية” المتقدمة و”آسيا الغربية” المتخلفة… كما هي الحال في “أوروبا الغربية” و”أوروبا الشرقية”.

المصدر: جريدة الاتحاد