د. ميثاء سيف الهاملي
د. ميثاء سيف الهاملي
كاتبة و شاعرة إماراتية

أزمة حوار!

آراء

على هذه الأرض الطيبة، ومنها، تعلمنا الطيب ودماثة الأخلاق والكرم واللطافة مع محدثنا، ومهما اختلفنا في وجهات النظر، ومهما تباينت الآراء تبقى القيم العليا للحوار إحدى أهم مؤشرات احترام الذات.

تربينا على (لبيه، عونك، غنيمة)، وكبرنا على الرد الجميل والذوق في اختيار مفرداتنا حين نحاور الآخر، بغض النظر عن جنسه أو دينه، أو حتى معتقده، فالمهم أن نوصل رأينا له بمنتهى التحضر وبأعلى ما جاد به سمو الطرح والحوار.

نبرة الحدة والسباب، والصوت العالي والنشاز، تُفزع هدأة القلوب، وتسلب الأرواح المطمئنة نورها وتروعها بشكل ظالم، وأصحابها لا يملكون أي عذر في ذلك، عدا أن أكثرهم لا يملك الحق في أن ينعق بين سرب حمائم السلام، فبلادنا لم تعهد ضجيج الصراخ وأهلها لا يجيدون إلا لغة الحب والرفق والتؤدة، وذلك ديدنهم والشواهد كثيرة.

كلنا يعلم أن الصوت العالي لا يمثل قوة شخصية صاحبه، بل على العكس هو دليل واضح على شخصيته المهزوزة غير الواثقة من موقفها، ودليل أيضاً على الحجة الواهية وغياب الوعي الفكري الذي عادة يكون سبباً في تهذيب وتشذيب النفوس قبل الكلمات.

(المرء مخبوء تحت لسانه) كما يقول علي ابن أبي طالب، كرم الله وجهه. فاللسان ترجمان ما يعتمل في النفس البشرية، فإن كانت نفس الإنسان قد جبلت على نور الفجر وعطر البيادر، وتمازجت حروفها بشذاها عطرت الكون الذي يحيطها وأضاءت العالم، وإن كانت قد جبلت على نفخ الكير، فلن تُصدّر للعالم سوى الرائحة النتنة والشرر المتطاير، الذي يكون سبباً رئيساً لأبشع الحرائق كتلك التي أبادت أجزاء عظيمة من العالم.

هدوء الطرح يعطي للنفوس مساحة للتعاطي مع ما تناقشهم فيه، ويجعل لك قبولاً لديهم، يسمح بأن يستمعوا لك ويناقشوك بكل حب وود، “فما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه” كما علمنا حبيبنا ومعلمنا الأول محمد صلى الله عليه وسلم.

اللباقة في الحوار فن لا يجيده إلا من لديه القدرة والاستعداد الطبيعي والفطري لاستخدام المفردة الأنيقة والعبارة العذبة والنبرة المتسامحة، للوصول أولاً لقلب الآخر ثم فكره، سواء اتفق معه أو لم يتفق، حيث تكون الركيزة الأساسية في القاعدة الشهيرة (اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية)، وهو ما لا نراه للأسف حيث أصبحنا نرى من أخذ على عاتقه التصدي وتصدر الصفوف الأمامية لكل قضية، ممن لا يحمل إلا فأس القدح والذم والاستفزاز.

الإمارات تحمل قلب خليفة ورؤيته، وتتكئ على فكر عميق، فكر الوالد المؤسس الراحل زايد طيب الله ثراه، الذي جعل من الإمارات واحة للسلام والخير والعطاء والمحبة، حتى أضحت دولة تقود عجلة التنمية في المنطقة، وفي المصاف الأولى، متقدمة بذلك على كثير من الدول التي سبقتها زمنياً واقتصادياً، فهي إذن لا تستحق الا السمو والرقي في التعامل مع قضاياها، ولعل تعاطي الحكومة سياسياً وفكرياً مع قضية الجزر الثلاث هو الدرس الأكثر وضوحاً في خطاب ونهج الإمارات السلمي والأنيق في مناقشة قضاياها.

لا توجعوا قلبها، واجعلوها في قلوبكم.

المصدر: جريدة الاتحاد