زياد الدريس
زياد الدريس
كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو

أسئلة للتفجير!

آراء

الأجوبة السليمة ليست وليدة ذكاء المجيب، بل وذكاء السائل أيضاً.

لذا فتوليد الأسئلة لا يقل أهمية، في خوضنا لحل المشكلات، عن استدرار الأجوبة. وهو الأمر الذي نغفل عنه كثيراً حين نواجه مشكلات طارئة فننطلق بانفعال وحماس للبحث عن حلول عبر أسئلة خاطئة لا يمكن أن تنتج حلولاً صائبة.

هذا ما تبدّى في أعقاب التفجيرين الإجراميين في مسجدي القديح والعنود، على التوالي. ارتبك الناس، وحُقّ لنا أن نرتبك، من الألم والخوف… الألم من قتل المصلين الأبرياء والخوف على أمن وطننا المتماسك.

تركزت أسئلة التفجير حول المشكل الطائفي، عطفاً على أن القاتل سنّي والمقتول شيعي. من دون شك أن الطائفية داء مستشرٍ الآن ولا يمكن لأحدٍ أن ينكره أو يستصغره، والتأجيج والتحريض الطائفي موجود في الخارج والداخل ببشاعة متناهية، ويجب تجفيف منابعه التي يمكن الوصول إليها، على الأقل داخل الوطن الواحد. لكن سؤال الطائفية وحده لا يكفي لتوصيف دوافع منفذ الجريمة واختياره مسرحها ووقائعها، فـ «الدواعش» الذين صنعوا القاتل قد تجاوزوا مرحلة الفرز بين السنّة والشيعة والمصلي وغير المصلي والمسجد والكباريه، فهم يرون كفر كل من سواهم ومشروعية قتله، لكنهم يُفرّعون في مبررات جرائمهم، وإن كان الأصل التبريري واحداً ومشتركاً لكل مستحقي الموت خارج دائرتهم.

لو كانت دوافعهم الإجرامية في التفجيرين طائفية بحتة، إذاً:

لماذا قاموا بتفجيراتهم الإرهابية في تجمعات سنيّة خارج السعودية؟

لماذا لم يوجهوا تهديداتهم وتفجيراتهم إلى الدولة المكتظة بالشيعة والتي تريد أن تصنع من نفسها مرجعاً لهم وملاذاً؟

لماذا التفجيرات ضد الشيعة الآن تحديداً، عندما دخلت المملكة في المواجهة مع الحوثيين؟ هل يثأر الانتحاريون السنّة للحوثيين الشيعة؟!

«الدواعش» الذين تطاردهم كاميرات التحالف الدولي الليلية وتصطادهم كالأرانب، هم الذين يبنون في وضح النهار مسرحاً مهيباً على الشاطئ لينظموا فيه حفلة إعدام مع التصوير والإخراج المتكامل، بينما مناظير التحالف الليلية تغط في سبات بعد تعب مطاردة الأرانب البارحة. فما تفسير ذلك؟

أعود وأجدد بأن الاحتقان الطائفي القبيح موجود ولا بد من تخفيفه، إن تعذّر تجفيفه، عند الجهتين. لكن الذي يعبث بالاستقرار في منطقتنا الآن، وفي بلادنا خصوصاً، هو صراع سياسي/ انتهازي يلبس تارةً ثوباً دينياً مزركشاً بالطائفية والحزبية، وتارة ثوباً عنصرياً مطرزاً بالوطنية والقومية.

يجب أن لا تربكنا مقاومة الأعداء الصغار، وهي ضرورية، عن مقاومة العدو الأكبر الذي يصنعهم ويؤججهم ضدنا… بوعي منهم أو من دون وعي.

عدونا الأكبر هم (الانتهازيون بلا حدود).

والمعادلة الصحيحة لما يجري هي:

الانتحاريون يدفع بهم تجار الدين، وتجار الدين يدفع لهم تجار الأسلحة!

المصدر: الحياة