أسبوع الإمام البخاري

آراء

أقامت دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي أسبوعاً ثقافياً، جرياً على سَنن عادتها في إقامة الأسابيع الثقافية في السنين الخوالي للأئمة الفقهاء الأربعة، وكان أسبوع هذا العام عن أمير المؤمنين في الحديث، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري الجعفي (ت 256هـ) صاحب «الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه» المعروف اختصاراً بـ«صحيح البخاري» الذي قال فيه الإمام ابن خزيمة رحمه الله: «ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من البخاري»، وقال عنه الحافظ ابن حجر: إنه جبل الحفظ وإمام الدنيا في فقه الحديث، والذي شهدت له الدنيا بأسرها بالإمامة المطلقة في الحديث رواية ودراية، وأجمعت على قبول مصنفه الصحيح، لما جمع فيه من أحاديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بشروط قاسية في الرواية، مع إمامة في الحفظ والإتقان، وفقه تام لما يروي، وأطلقوا عليه أنه أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى.

هذا الكتاب الذي حظي بالعناية الفائقة من علماء الإسلام من لَدُن أظهره مؤلفه للناس في بداية القرن الثالث الهجري إلى يومنا هذا، فكم من مستدرك عليه، وشارح له، ومستخرج على رواياته، ومتتبع لمروياته، ومنتقد له، ومدافع عنه ؟! عدد لا يحصى، فالمكتبة الإسلامية تغُص بنسخ صحيحِه وشروحِه، والكتب المؤلفة فيه لما ذكرتُ من أنواع، وكما قال المثل المشهور: الموردُ العذب شديدُ الزحام.. فما وسع الناس إلا أن يُذعنوا ويقروا بأنه أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، وأن من أخرج له البخاري فهو الثقة العدل، قد جاوز القَنطرة، فلا يوثق بأكثر من قولهم: أخرج له البخاري في الصحيح، وأن ما يسطره البخاري في صحيحه من تراجم وموقوفات ومعلقات، وأسلوبه الفذ في سياق الأحاديث، وانتزاع مواضع الدلالة منها.. توضح مكانته العظيمة في الفقه كمكانته في الرواية، هكذا يقول الناس ويرون

والناسُ أكيسُ من أن يحمدوا رجلاً …

حتى يروا عنده آثار إحسانِ

لقد وفقت دائرة الشؤون الإسلامية توفيقاً عظيماً في إقامة هذا الأسبوع الثقافي عن الإمام البخاري الذي تنوع الطرح فيه بين ترجمة موسعة له، وبيان لجهوده في خدمة السنة النبوية، وبيان لدقة فقهه في صحيحه، وبيان لمكانته في التفسير من خلال الصحيح، وبيان منزلة الجامع الصحيح بين كتب السنة، ومنزلة شرحه فتح الباري بين شروح الصحيح الأخرى، وقُدمت أبحاث جيدة راقية في هذه الموضوعات المتنوعة، قدمها علماء الدائرة وبعض من غيرهم، وحضرها منتسبو الدائرة من المشايخ المفتين والوعاظ وغيرهم.

وكان القصد من إقامة هذا الأسبوع بيان منزلة هذا الكتاب العظيم «صحيح البخاري» في حياة المسلمين، في وقت بدأت أنياب الإلحاد، وغوغائيو الإعلام؛ بدأت تنهش في أصول الإسلام وعظمائه؛ بقصد تشكيك المسلمين في ثوابتهم، ظناً من أولئك أنهم سينالون نيلاً، يصرفون به وجه الحق الذي عليه أمة الهدى والهداية، وما علموا أن أنيابهم الواهية ستتكسر في صخرة صماء لا تقبل النهش، وكان حسبها أن تتعظ بقول الأول:

يا ناطح الجبل العالي بهامتِه

أشفق على الرأس لا تُشفق على الجبل

أو قول الآخر:

كناطحٍ صخرةً يوماً ليُوهنها

فلم يُضرها وأوهى قرنه الوعلُ

نعم، لقد تكسرت تلك الأنياب، وسمجت تلك الأقوال التي أرادت أن تنال من كتب الإسلام العظيمة، لأنها هرفت بما لا تعرف، ومن جهل شيئاً عاداه، وسرعان ما كانت تلك المحاولات البائسة اليائسة، قديمها وحديثها، تزيَّف بمثل هذه الجهود التي يقدمها العلماء.

إن هذا الجامع الصحيح سيبقى شامة بين كتب الإسلام عموماً، وكتب السنة خصوصاً؛ لما فيه من نور الهداية النبوية الذي يضيء للأمة معالم دينها وسماحة شرعها، وصدق الله إذ يقول: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}.

المصدر: الإمارات اليوم