أصبح مجدنا أمامنا لا خلفنا

آراء

في كل مرة أقرأ عن إيران أتذكر سنغافورة فتتضح لي صورة الواقع الإنساني، باب السلام مفتوح وباب القلاقل مفتوح أيضاً، يستطيع الإنسان أن يسير نحو السلام ويستطيع أن يسير نحو الاقتتال والكراهية.

كانت سنغافورة جزيرة ضعيفة صغيرة غاطسة في المستنقعات، أصبحت في المدة التي حكمت فيها ثورة الخميني إيران من أجمل وأثرى وآمن بلاد العالم، إيران أمة كبيرة متعددة الأعراق تمتلك مخزوناً نفطياً كبيراً وثروات طبيعية وصناعات تقليدية عريقة وتاريخاً عريقاً أصبحت مرتعاً للمخدرات وتتمتع بمرتبة متقدمة في العالم بكثرة الأعداء ودولة فاشلة اقتصادياً. عدد من مواطنيها ينشد الرزق في سنغافورة.

جميعنا دون استثناء نعرف السبب. سنغافورة استقلت طريق البناء الاقتصادي والازدهار وإيران قررت أن تذهب إلى الجهاد والتبشير وأن تصطحب معها من يريد ومن لا يريد من الشعوب. كما فعل الاتحاد السوفييتي عندما قرر الذهاب لليوتوبيا قرر أن يأخذ معه من يريد ومن لا يريد. في النهاية ذهب وحده.

طريق الازدهار لا يمر بالأيديولوجيا وطريق الأيديولوجيا لا يمر بالازدهار. مشروعان متناقضان. في طريق الازدهار لن يصادفك أعداء، يصطف الأصدقاء على جنباته، كل من تمر عليه يتمنى مشاركتك وصحبتك أما طريق الأيديولوجيا فسيكون مليئاً بالأعداء، وكل من تمر عليه يتربص بك كما تتربص به.

لا يمكن لأحد أن يدعي أن هناك دولة أو شعباً يكره سنغافورة، رغم ضعف جيشها، إذا كان عندها جيش أصلاً، لم يحاول أحد غزوها أو الأضرار بها أو زراعة الفتنة بين طوائفها وأعراقها أو إفساد نسائها، ما حدث هو العكس، تسابقت الدول والشركات والأمم للاستثمار فيها وتعزيز اقتصادها، لم نسمع أن شعبها شكا من مؤامرة على دينه أو عقيدته، أصبحت جزيرة المستنقعات دولة عظمى. تتجه دولة إيران العظمى ذات التاريخ العريق أن تأخذ مكانها في المستنقعات.

الأيديولوجيا تصنيفية، منذ اللحظة التي يتحكم زعماؤها في البلاد تبدأ في تصنيف الآخرين بناء على دينهم وعقائدهم وأساليب حياتهم، ولأن جوهرها إقصائي تصبح الكراهية أسمى عواطفها وتدرس في مدارسها.

جرب العرب تشكيلة من الأيديولوجيا، الأيديولوجيا العروبية والأيديولوجيا الاشتراكية في بعض الدول وها نحن نخرج بعد أربعين عاماً مثخنين من الأيديولوجيا الدينية.

أعظم نصر تحققه المملكة يتمثل في الخروج الجاد من ثقافة الأيديولوجيا (الماضي) والانتقال إلى ثقافة الازدهار (المستقبل)، أصبح لدينا شيء ننتظره، نتوق لعام 22 نتوق لعام 30. أصبح مجدنا أمامنا لا خلفنا، تبقى خطوتنا المقبلة التخلص النهائي من تأثير بعض جيراننا في المنطقة الغارقين في مستنقع الأيديولوجيا.

المصدر: الرياض