أهلاً بك يا صاحب الفخامة

آراء

عندما تفجرت الأزمة المالية العالمية عام 2008م، وبدأت بعض البنوك العملاقة، وبعض شركات التأمين الكُبرى، وبعض المؤسسات الشهيرة، تتهاوى على ذلك النحو السريع اللافت، كانت شركات الطيران هي الأخرى تُواجه الصِعاب الشديدة، فبعضها أفلس، وبعضُها ظل يمشي وهو يعرج، وكان لافتاً آنذاك أنه في ظل ذلك الوضع الاقتصادي السيئ على مستوى المؤسسات، وعلى مستوى الأفراد، برزت شركة طيران جديدة، فاستطاعت أن تبدأ العمل، وتلفت الانتباه، وتصمد وتنجح وتواصل الصعود، وأتذكر أن إحدى شركات السياحة أقامت آنذاك حفلاً تكريمياً لها، وفي الحفل سُئل رئيسها عن السر الذي مكّن الشركة من معاكسة التيّار بنجاح، فقال لهم اسألوا الراكب.

الأمر بالنسبة لصحيفة «الشرق» أغربُ من ذلك بكثير، فبالإضافة للمصاعب المالية على كل المستويات كان كل راكبٍ عندما بدأت الشرق نشاطها يستطيع أن يفتح «اللابتوب» أو حتى «الموبايل» ويسحب منه جناحين فيرتديهما ويطير بسرعة مُذهلة نحو الوجهة التي يبتغيها، فما حاجته والأمر كذلك لهذا الطيران التقليدي عبر الصحافة الورقية..؟

لذلك كنتُ أتساءل- عندما علمتُ بـ «الشرق» كمشروع -عن هذه الشجاعة الكبيرة، التي واتت القائمين عليها ليُقدِموا على هذه المغامرة، وبدأت أسئلتي تتكاثر وتتعدد أنواعها وأحجامها وأنا أرى «الشرق» تمشي على قدميها في أيامها الأولى على ذلك النحو الجميل، ثم ازدادت الأسئلة وتضخَّمت وأنا أرفع رأسي وأتابع تحليقها في الأشهر الأولى. وفي غمرة اندهاشي وتكاثر أسئلتي تذكَّرت إجابة مدير شركة الطيران وتخيَّلت أنه يقول اسألوا القارئ فتوقَّفت أسئلتي.

لم أكتب هذا المقال الاستهلالي لأُجيب عن السؤال أو لأتطلَّع إلى إجابة من أحد، ولكن كتبته لأشكر القارئ الكريم، الذي دعم «الشرق» في هذا الوقت العصيب، وجعلها تصمُد وتمشي على قدميها، ثم تحلِّق على ذلك النحو الجميل، ولأشكر جميع الأخوة القائمين عليها، الذين أقدموا على هذه المهمة الشاقّة، واستمروا في دعمها لتصمُد وتنجح، ولأشكر أيضاً هؤلاء العصافير من الشباب وغير الشباب الذين انتشروا على أغصان الشرق، ليُطربونا بأغانيهم الجميلة.

كما أني كتبتُ هذا المقال الاستهلالي لأعبّر عن سروري بأن تكون عودتي للكتابة في صحيفة «الشرق» بعد انقطاعٍ قارب العامين، فأكون أحد ملَّاحيها بجانب قُبطانها القدير الصديق الأستاذ قينان الغامدي صاحب الصولات والجولات في مناصب رئاسات التحرير، الذي يُشعر العاملين معه أنه ليس إمبراطور تحرير يطرد العصافير ببندقيته، بل قائد فرقة موسيقية تعزف الألحان الجديدة، وإذا كان قد نجح سابقاً في الصعود بطائرةٍ جديدة نحو المدارات العُليا، فأعتقد أنه يُباشر المهمة نفسها من جديد، وسينجح إن شاء الله، وستُحسب له هذه أكثر من غيرها لاختلاف الظروف والصعوبات.

لن أقول لإخوتي القراء في عيد ميلاد «الشرق» الأول، تعالوا نُطفئ الشمعة الأولى، بل أقول تعالوا نُشعل الشمعة الثانية.. أرجوكم تعالوا وساهموا في العمل النبيل، فما أروع أن نُساهم في إشعال الشموع الجديدة، لأن هذا يعني زيادة أنوار الساحات والطرق، وهذا يجعلنا أكثر قُدرة في وطننا على المشي والعمل بل والركض السريع، وأنا واثقٌ إن شاء الله أن شمعات «الشرق» سيتوالى إشراقها لتُساهم بهذا في إضاءة طُرقات الوطن الذي سيتوالى إشراق شمعاته هو الآخر، ليحفل بالإنجازات والمسرات.

منذُ ما يزيد على العشر سنوات كنتُ أحد الملاحين مع أخي القُبطان «أبو عبدالله» في صحيفة تشرق من جديد؛ إذ كنا واقفيْن على عتبة قطار صحيفة «الوطن» وهو يستعد للانطلاق للمرة الأولى، وكنا نستقبل القراء ونرحب بهم وندعوهم للدخول، وها أنا ذا أشارك أخي قينان مرة أخرى في موقفٍ مشابه «يالـ الصدف السعيدة» فأقفُ على عتبة قطار «الشرق» مستقبلاً ومرحباً بالقارئ الكريم.. فأهلاً وسهلاً بك يا صاحب الفخامة القارئ.

المصدر: صحيفة الشرق