ياسر حارب
ياسر حارب
كاتب إماراتي

إنجازات الإمارات

آراء

على تخوم الربع الخالي، في واحة صغيرة كانت ملاذاً للقوافل العابرة لإحدى أقسى صحاري العالم؛ يمتد مشروع «ستراتا» لتصنيع أجزاء الطائرات على مساحة 25 كيلومتراً مربعاً بالقرب من مطار مدينة العين. عندما تسمع عن المشروع لأول مرة تظن أنه حملة دعائية للإمارات، أو مصنعاً مملوكا لبوينج أو إيرباص، تقومان من خلاله بصيانة الطائرات الصغيرة في المنطقة. ولكن الحقيقة تقول إنه مصنع إماراتي، يديره إماراتيون ويعمل به إماراتيون وإماراتيات. يُصنّعون فيه، ولا يجمعون، قطعاً من أجنحة طائرات الإيرباص، ويعكفون حالياً على تصنيع أجزاء لطائرات الـ A380 العملاقة. ليصبح قريباً المصنع الوحيد في العالم الذي يُصنّع تلك الأجزاء.

وعندما سُئل رئيس مجلس إدارة ستراتا عن سر إقامة مشروع كهذا في الإمارات، قال إنه يمكن الوصول إلى 75% من سُكّان العالم بالطائرة من الإمارات خلال ثماني ساعات فقط. أي إن هذه المنطقة هي إحدى أكثر مناطق العالم تهيئة لصناعة الطائرات.

وعلى بعد ساعة واحدة إلى الشمال، يمكن لمن يسكن دبي أن يشهد إقلاع وهبوط طائرات طيران الإمارات على مدار الساعة، حيث ورد في تقرير الشركة عام 2007 أنه في كل ست دقائق تقلع أو تهبط إحدى طائرات طيران الإمارات حول العالم. وأخبرني أبي أنه كان مرة واقفاً في طابور التذاكر في إحدى المطارات العربية، وكان الرجل الواقف أمامه يسأل الموظف عن طريقة لبلوغ مدينة إفريقية خلال أربع وعشرين ساعة، فقال له الموظف: «اذهب إلى دبي وانطلق من هناك، فمطار دبي هو المكان الوحيد الذي يوصلك إلى أي بقعة على وجه الأرض من خلال توقف واحد فقط». ولم يكن إنجاز طيران الإمارات مقتصراً على أسطولها البالغ مائتي طائرة، أو التقنية العالية التي توفرها، حيث تقوم شركة «ميركاتور» التابعة لها، والتي تُعد من أكبر الشركات التي تقدم حلولاً تقنية في عالم الطيران، بإدارة الأنظمة الإلكترونية للطيران البريطاني والنيوزيلندي والماليزي والكوانتس الأسترالي والطيران السنغافوري والسريلانكي والجنوب إفريقي وغيرها من الشركات. بل تجاوز الإنجاز لتأسيس بنية تحتية متكاملة بدئاً بمطار دبي الذي يُعد أحد أكبر وأحدث مطارات العالم، وانتهاء بمطار آل مكتوم الدولي الذي يعد بتغيير خارطة الشحن الجوي لينافس قريباً مطار ممفيس في الولايات المتحدة، وهو مقر شركة فيدكس للشحن.

ويُطلَقُ اليوم على طيران الإمارات لقب «طريق الحرير الجديد» حيث كانت أول شركة تصل أستراليا بأمريكا في توقف واحد فقط.

وإن اتجهت إلى العاصمة أبوظبي، استقبلتك عند مشارفها مدينة مصدر لطاقة المستقبل. المشروع الذي استقطب الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)، وأسس صناديق استثمارية لتطوير مشاريع للطاقة النظيفة والمتجددة في الإمارات وحول العالم. وتقوم مصدر حالياً بإنشاء محطة «شمس 1» في المنطقة الغربية لتوليد الطاقة النظيفة، التي ستكون أكبر محطة من نوعها في العالم، والتي ستَحُول دون إطلاق 175 ألف طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون سنوياً، أي ما يعادل زرع 1.5 مليون شجرة أو إزالة 15 ألف سيارة من الطرقات، وستولد المحطة طاقة كهربائية تكفي لتغذية 20 ألف منزل.

حيث تسعى أبوظبي لتوفير 7% من حاجتها للطاقة في عام 2020 من خلال الطاقة النظيفة.
وأسست معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا، كأول جامعة من نوعها في المنطقة للدراسات العليا والبحث والتطوير في مجالي الطاقة المتقدمة والاستدامة. وتممت مصدر مشاريعها الحضارية بجائزة زايد لطاقة المستقبل التي تُكرّم أصحاب الإنجازات العالمية في مجال إيجاد بدائل نظيفة للطاقة.

وفي داخل العاصمة ينبض المشروع الإماراتي الأقرب إلى قلبي «كلمة» الذي قدم للثقافة العربية أجمل ما كُتِب من مؤلفات الشعوب، في حلة جميلة، وترجمات دقيقة ومنتقاة، تُشعرك وكأنك تقرأ النصوص بلغتها الأصلية. ولم تكتف هيئة أبوظبي للثقافة والفنون عند «كلمة»، بل شكلت منظومة متكاملة للكتاب العربي عبر جائزة البوكر العربية التي أصبحت أشهر جائزة للرواية العربية، ولا تكاد تفوز بها رواية ما حتى تتصدر قائمة أفضل الكتب مبيعاً. ثم جائزة الشيخ زايد للكِتاب التي تعد الأكبر من نوعها في العالم للاحتفاء بالكُتّاب والأدباء في المنطقة العربية. كل ذلك من خلال منصة ثقافية هي معرض أبوظبي للكتاب الذي خرج من إطار (سوق الكتب) ليصبح احتفالية ثقافية كبرى تحتفي بالإنتاج الفكري والثقافي العربي.

عندما أتحدث عن إنجازات الإمارات فإنني أفعل ذلك لسببين: أولاً، لأذكّر أبناء بلدي بأن لديهم منجزات حضارية يحق لهم أن يفخروا بها.

وثانياً، لأقول للعالم إن الإمارات ليست مبانٍ جميلة وأسواقاً حديثة وبنية تحتية عملاقة فقط، بل هي إلى جانب ذلك، وطن حضاري يدرك أنه لا يمكن لأي أمة أن تنهض إلا إذا آمنت بنفسها، وأخلصت في عملها، وقدمت المصلحة العامة على الخاصة، واستثمرت في الإنسان والمكان معاً.

نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٣٠٠) صفحة (١٢) بتاريخ (٢٩-٠٩-٢٠١٢)