رضوان السيد
رضوان السيد
عميد الدراسات العليا بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية - أبوظبي

إيران ومواجهة العرب والقمة الإسلامية

آراء

جاء سعيد جليلي مدير مجلس الأمن القومي الإيراني، إلى لبنان وسوريا. وذهب في الوقت نفسه وزير الخارجية الإيراني إلى تركيا. في لبنان تظاهر جليلي بمحاولة إقناع المسؤولين، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية اللبنانية، بحضور الاجتماع الذي تعقده طهران «للدول المؤثرة»، من أجل التشاور في ابتداع حل للأزمة في سوريا. لكن الغرض الحقيقي من ذهابه إلى لبنان كان الاجتماع بحسن نصر الله لبحث ما يمكن فعله، لتقديم المزيد من المساعدات للنظام السوري. رئيس الجمهورية اللبنانية قال لجليلي إن لبنان لن يحضر اجتماع طهران، بناء على سياسته في النأي بالنفس عما يحدث في سوريا حماية للبلاد من التداعيات الداخلية لتلك الأزمة. وبالطبع ما كان ذلك موقف نصر الله، الذي كان – وبناء على طلب إيران – قد أرسل قبل أسبوعين قوات لحماية جبهة النظام فيما بين الحدود اللبنانية وحمص. لكي تتفرغ القوات السورية في الشمال لمعركة حلب مع الجيش الحر، والكتائب المسلحة الأخرى. ولأن التهديدات الإيرانية تصاعدت ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، فقد ظن محللون أن طهران يمكن أن تطلب من نصر الله التحرش بإسرائيل، وهذه المرة ليس بذريعة تحرير الأرض اللبنانية أو الفلسطينية، بل لمنع كسر النظام السوري (من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل طبعا!) الذي يلعب دورا محوريا في منظومة «المقاومة» التي بنتها إيران خلال العقد الماضي على الخصوص.

وسبقت وصول صالحي وزير الخارجية إلى تركيا تصريحات إيرانية تتهمها بتسعير النيران في سوريا، وهو الأمر الذي نفته تركيا بشدة. أما مباحثات وزير الخارجية الإيراني في تركيا فكان لها موضوع رئيسي وآخر فرعي. الموضوع الرئيسي هو حث تركيا على حضور اجتماع طهران يوم الخميس للتشاور في اقتراح حل. وقد ناقشه وزير الخارجية التركي مطوَّلا في معالم ذلك الحل. وذكره بأن تركيا عن طريق رئيس وزرائها، وعن طريق وزير خارجيتها، وفي عشرات الزيارات، حاولت إقناع طهران بإقناع الأسد بحل سياسي انتقالي يبدأ فورا عبر حوار وحكومة توافقية تنهي العنف. وتجري انتخابات، وتنتهي بذهاب الأسد عام 2014. وقد رفض الإيرانيون دائما (رغم تأييدهم الظاهر لمبادرة كوفي أنان ونقاطه الست التي تنتهي إلى نفس النتيجة!) التفكير في سوريا من دون الأسد ونظامه.

الإيرانيون الآن مستعدون، بحسب ما قالوا للوزير التركي، للتفكير في حل على هذه الشاكلة، وإن كانوا لا يقبلون أن يسلم الأسد السلطة الآن لحكومة توافقية! وقال الوزير التركي إنهم أيضا ما عادوا يقبلون بأي شيء قبل توقف العنف فورا وعودة الجيش والشبيحة إلى ثكناتهم، شرطا للدخول في أي حوار. وقد لفت انتباهه إلى إقدام نظام الأسد على التلاعب بالملف الكردي، ونشر مسلحي حزب العمال الكردستاني على الحدود مع تركيا. كما ذكره بأن إيران تملك إمكانيات كبرى ومؤثرة على الأرض السورية عبر «فيلق الجنرال سليماني»، وحزب الله عبر مسلحيه الموالين لإيران وسوريا. ونبهه أخيرا إلى أنه لو أراد الإيرانيون والنظام السوري إبقاء مساحة للحل لما أمعنوا في المذابح، ولما اتجهوا لإشعال حرب طائفية يمكن أن تؤدي إلى خراب هائل في سوريا وما حولها. وفي النهاية ما اتفق الطرفان إلا على أن تبذل تركيا مساعيها الحميدة لإطلاق سراح الإيرانيين الذين أسرهم الجيش الحر بضواحي دمشق قبل أيام، وقال الإيرانيون إنهم زوار للسيدة زينب، وقال الآسرون إنهم ضباط في الحرس الثوري الإيراني!

ماذا تريد طهران، من وراء اجتماع الخميس، الذي قالت عنه إنه تحضره عشر من الدول المؤثرة في الأزمة السورية؟ يريدون أمرين اثنين: الأول مواجهة ما يمكن أن يصدر عن مؤتمر القمة الإسلامية الذي دعا إليه الملك عبد الله بن عبد العزيز بشأن سوريا. والثاني محاولة استنهاض «جبهة» لمواجهة جبهة أصدقاء سوريا، وقرار الأمم المتحدة الأخير بشأن المرحلة الانتقالية، أو مرحلة ما بعد الأسد هناك.

يريد الإيرانيون في الظاهر إقناع المجتمع الدولي بأن النظام السوري قوي، وأنهم سيدعمونه بشتى الوسائل إلى النهاية. ولا تقل كل من روسيا والصين عنهم في التصميم على ذلك. ولذا فالأفضل العودة إلى تجديد مبادرة كوفي أنان أو ما يشبهها. لكنهم يعرفون أن شيئا من ذلك لم يعد نافعا لأكثر من شهرين أو ثلاثة. ولذا فالواقع أنهم لا يزالون يراهنون على دخول الولايات المتحدة في مفاوضات معهم على أزمتيهم: أزمة الحصار بسبب الملف النووي، وأزمة تزعزع مناطق نفوذهم، وفي سوريا والعراق معا. وقد بدأوا يفكرون – أو أن بعضهم يفكر – بإمكان التأجيل في النووي بالفعل، وإمكان المهادنة نتيجة لذلك بشأن مناطق النفوذ. وقد ضغطوا كثيرا لزعزعة التحالف الكردي – السني المتكون ضد المالكي، بعد أن أخرجوا منه مقتدى الصدر بالقوة. وهم لا يملكون الجرأة على التحرش مباشرة أو من طريق غير مباشر (من طريق حزب الله) بإسرائيل. كما أنهم لا يجرؤون بالطبع على إحداث اضطراب في مضيق هرمز أو في الخليج. ولذلك ستكون وسيلتهم للضغط في الشهور المقبلة: الدخول بكل قوة وعلنا للقتال مع النظام السوري. وتهديد الأتراك بالملف الكردي في سوريا والعراق، ومحاولة نشر الاضطراب في المشرق العربي والخليج عن طريق الجماعات الشيعية، والجماعات الجهادية التي يدعمونها بغزة وخارجها. فالظواهري عندهم أو على مقربة منهم، لكنهم على علاقة مباشرة أيضا بالجهاديين في غزة وغيرها، وما كانوا بعيدين عن الهجوم الذي حصل بسيناء قبل أيام.

إنما هل يعتقدون حقا (وقد صارت هذه الطرائق معروفة لأكثر من عقد من الزمان) أنها ستفيد، سواء في دفع الأميركيين للتفاوض، أو في الإبقاء على النظام السوري؟! قد لا يعتقد عقلاؤهم ذلك. وتصريحات رفسنجاني الأخيرة دليل على ذلك. إنما يكون علينا أن نتنبه للتركيبة الحالية لسلطة الحرس الثوري بطهران، التي انتظمت سطوتها وانتظم نفوذها العسكري والاقتصادي والإداري خلال السنوات الماضية بعد الغزو الأميركي للعراق. إن سطوتها تقوم على تحقيق «انتصارات» بالخارج، من خلال الامتدادات بالعراق وسوريا ولبنان وبعض أقطار الجزيرة العربية، والاستمرار في تهديد إسرائيل مثلما قال لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإيراني، أخيرا: إن النار المشتعلة في سوريا بفعل التدخل الخارجي، يمكن أن تحرق إسرائيل! وما كانت لتلك السياسة؛ سياسة الحروب بالواسطة، ونشر الانقسامات بالدول العربية، نتائج باقية أو مجدية للمصالح الوطنية الإيرانية. لكن تغييرها يعني سقوط التركيبة كلها، ومجيء نخبة أخرى تكون لها نتائج مدمرة عليها. ولذا فإن الاستماتة في التعبد للنوويات، والاستماتة في مواجهة الظروف الجديدة التي أحدثتها الثورات العربية، كل ذلك هو الذي يسمح لها باستدامة السطوة والبقاء في السلطة استعدادا لانتخابات الرئاسة، والانتخابات البرلمانية بإيران، وربما إلى أبد الآبدين من وجهة نظرها. ولذا فإنه لا مجال لتغيير السياسات الإيرانية تجاه العرب وفي المنطقة، إلا إذا حدث تغيير بالداخل الإيراني، يشبه ذاك التغيير الذي عرفته الجمهوريات العربية الخالدة، أو التي كانت كذلك!
لقد شهدت الأعوام الماضية مبادرات عربية انطلقت جميعا من السعودية للمصالحة معهم، ومع حلفائهم في العراق وفلسطين، وقد ردوا على كل المبادرات بالخديعة أو عدم الاهتمام. وما اقتصر ذلك على إيران بل تعدى الأمر ذلك إلى بشار الأسد على الخصوص، وإلى المالكي، وإلى حزب الله. ومؤتمر القمة الإسلامية الاستثنائي الذي دعا إليه الملك عبد الله بن عبد العزيز هو فرصة أخيرة لهم لحفظ ماء الوجه، وليس في منطقة المشرق العربي والخليج فقط، وعلى مستوى العلاقات الدولية. لكن في تحركاتهم العنترية، وإعداداتهم لمواجهة العرب والمسلمين، يدللون للمرة المائة على أنهم لا يزالون يأملون عن طريق الفتن والانقسامات والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور – وهي طرائق قديمة تجاوزتها الأحداث – أن يحفظوا رؤوسهم فوق الموج، وأن يضحكوا على القريب والبعيد بالشعارات البهلوانية. وآخِر طرائفهم غير الظريفة أن الشعب السوري يثور على طاغيته، فيهددون العرب والأميركيين والإسرائيليين والأتراك أنهم سيدمرون العالم الذي صنع هذه «المؤامرة» ضد نظام المقاومة العظيم!

قبل أيام، قال نجاد إن الإمام المهدي يقاتل مع الرئيس الأسد! والحقيقة أنه لا يقاتل معه غير الجنرال سليماني والجنرال بوتين. إيران تتجه للمواجهة، وعساها تكون المواجهة الأخيرة بنجاد ومن دون نجاد!

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط