اتركا بعض الفسحات لترقص فيها رياح السماوات

آراء

هكذا يقول جبران خليل جبران، لابد من فسحة بين الناس حتى لا تضيق الأرض بما رحبت. المتطرف، والمنعزل، والانطوائي، والمرتجف، يريد أن يكون كل الناس يشبهونه، في الصفات، والتصرفات، ما يجعل الحب غير ممكن. الزوج يريد من الزوجة والأولاد، وكل من يحيطون به أن يشبهونه. الزوجة كذلك تفعل بالمثل، ما يجعل الحياة مستحيلة، ومرة. العلاقة بين الأفراد مثل مجرى النهر إن سددت طريقه، فإنه يفيض، ويغرق ما حوله، ويؤدي إلى كوارث لا يحمد عقباها. نحن بحاجة إلى الفسح كي يمر الهواء من خلالها، ونستفيد من الهواء النقي. الانغلاق يؤدي إلى العتمة، وهذه تقود إلى العمى، والعمى يدفع إلى التعثر، وأحياناً قد تكون

العثرات مهلكة، وهذا ما يحصل لكل متطرف، فإنه يريد الناس أن يحذو حذوه، وطريقه شائك ومميت، الأمر الذي يجعل الناس يتعوذون منه، وينفضون عنه، نائين بأنفسهم عن شروره. ولكن المتطرف المحتقن يتحول فجأة من متزمت

إلى بغيض، وناقم، وإرهابي، لأنه لا يملك أداة أخرى غير أداة التخلص من الآخر.

هذا الكائن المتعجرف، أشبه بقط شرس، محبوس في زاوية مغلقة، فهو لن يسالم بل سيهاجم، ويستخدم مخالبه الفتاكة ليقضي على خصمه. لأنه لا يملك الفسحة العقلية، التي تبيح له التفكير برصانة، ورزانة، هو كائن مفلس، وقد فرغت جعبته من الحلول المنطقية، فلجأ إلى اللا عقل ليفض اشتباكه مع الآخر. المتطرف، والإرهابي بالخصوص، هو إنسان تعلق بفكرة، وأغلق عليه الأبواب، لكي لا يرى النور، لأن الشمس، تفضح عورته العقائدية، وتكشف كم هو ضئيل أمام العالم، وهو لا يعترف بذلك، لكونه اقتنع أنه المثال، والنموذج للعالم الحقيقي. هذه مشكلتنا مع كل متطرف جبان، إنه يخاف من الآخر، لأنه لا يملك ما يعطيه، لأنه فاقد العطاء هو

شخص تقاعد عن الحياة، وأصبح مجرد أحفورة تراكم عليها الغبار ونسي العالم تاريخ منشأها، فلا جدوى منها ولا نفع. الإرهابي جبان، هو خائف من نفسه، ولذلك عندما يقدم على الانتحار، وتفجير نفسه، فإنه يهرب من نفسه، ويختبئ في الغياب الأبدي، ليحل مشكلة السؤال من أنا؟ هذه العدمية هي مربط الفرس، وهذه العبثية

هي مهبط الوهم التاريخي الذي يعيشه، كل كاره ومرتد عن الحياة، ومغتصب الفرح من عيون الناس.

المصدر: الاتحاد