علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

اختلافهم لم يعد رحمة

آراء

أنهت الجمعية العمومية لما يُدعى «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» دورتها الرابعة، التي عُقِدت في العاصمة التركية إسطنبول أواخر شهر أغسطس الماضي، بإصدار بيان ختامي، كان أبرز ما فيه، مهاجمة الاتحاد للجماعات الإسلامية غير المنضوية تحته.

والتحريم القاطع لما تفعله من قتل الأبرياء، تارة تحت ذريعة الطائفية البغيضة، وأخرى باسم دولة الخلافة الإسلامية المزعومة ومحاربة الطواغيت، والتأكيد على أن زعم قيام الخلافة الإسلامية ليس لأي فئة أن تدعيه، وإنما هو حق موكول إلى الأمة وعلمائها وممثليها.

وتوجيه النصيحة الخالصة لشباب الأمة ألا يغتر بمثل هذه الدعاوى التي لا تستند إلى أصل شرعي صحيح، ولا إلى فقه مقاصدي معتبر، وألا يلقوا ربهم ورقابهم معلقة بدم الأبرياء، وأن يرجعوا إلى أهل العلم الثقات لبيان الحكم الشرعي.

دعوة كان يمكن أن تكون خالصة لوجه الله تعالى، لولا كلمة رئيس الاتحاد الدكتور يوسف القرضاوي أمام الجمعية العامة، التي شبه فيها أردوغان بموسى عليه السلام، واعتبر تركيا دولة الخلافة، وإسطنبول عاصمتها، عندما وجه القرضاوي خطابه أمام الجمعية العمومية الرابعة للاتحاد إلى الشعب التركي، قائلاً: «أردوغان رجل الدولة القوي الأمين، والقائد الذي يعرف ربه، وتركيا هي دولة الخلافة، وإسطنبول عاصمتها، فهي تجمع بين الدين والدنيا والعربي والعجمي، وينبغي أن تقوم عليها الأمة».

ودعا القرضاوي الأتراك إلى دعم أردوغان قائلاً: «من واجب الأمة والشعب أن يكونوا مع أردوغان، وهو سينجح، لأن الله وسيدنا جبريل ومحمداً عليه السلام يدعمون أردوغان، والملائكة بعد ذلك ظهير»! ولم يفت البيان الختامي للمؤتمر أن يوجه الشكر إلى «تركيا رئيساً وحكومة وشعباً»، وإلى «قطر أميراً وحكومة وشعباً».

وأن يهاجم مصر التي تخلصت من حكم الإخوان المسلمين، ويصف ما يجري فيها بأنه «انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان»، وأن يصنف ما جرى يوم 3 يوليو 2013 من ثورة على حكم الإخوان، على أنه انقلاب عسكري.

في مقابل هذا المعسكر الإخواني، ينتصب معسكر آخر، يقوم على الفكر القاعدي الذي تأسس أواخر القرن العشرين، خلال فترة الجهاد ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، وتحديداً عام 1988، على أصول جهادية إسلامية منبثقة من الفكر الإخواني الذي جاء منه عدد من مؤسسي تنظيم «القاعدة»، أمثال الدكتور أيمن الظواهري، والدكتور عبد الله عزام.

وقد اكتسب هذا المعسكر شعبيته من الدعوة إلى إنهاء النفوذ الأجنبي في البلدان الإسلامية، وإنشاء خلافة إسلامية جديدة، وإعلانه الحرب على اليهود والصليبيين، وقيام المنتسبين إليه بهجمات على أهداف مدنية وعسكرية في العديد من البلدان، كان أبرزها هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، وتفجيرات 7 يوليو 2007 في لندن، وتفجيرات 11 مارس 2004 في مدريد.

لكن قيادة هذا التنظيم أصبحت معزولة جغرافياً، بعد تفجيرات 11 سبتمبر، والحرب على الإرهاب التي تولت قيادتها الولايات المتحدة، الأمر الذي أدى إلى ظهور قيادات إقليمية لمجموعات مختلفة، تدين للقيادة المركزية بالولاء والانتماء، وتعمل تحت اسم التنظيم، لكنها مستقلة في تنفيذ عملياتها.

من هذه المجموعات الإقليمية، انبعث المعسكر الثالث، الذي بدأ مرتبطاً بتنظيم القاعدة، ثم استقل عنه، معتبراً نفسه مرحلة متقدمة من الجهاد، وكانت الخلافة الإسلامية حاضرة أيضاً في فكره، مثلما هي حاضرة في فكر جماعة «الإخوان المسلمين» التي فقدت فرصة كبيرة بفشلها في مصر، بعد إزاحتها من خلال ثورة شعبية ساندها الجيش، قضت على كل آمالها في الحكم والتمدد إلى بقية البلدان العربية والإسلامية.

كما أنها حاضرة في فكر تنظيم «القاعدة»، الذي فقد الكثير من نفوذه وتأثيره، بعد إزاحة حكومة «طالبان» في أفغانستان، ومقتل قائده أسامة بن لادن، والقضاء على الكثير من قياداته، إما بالقتل أو الاعتقال أو التشريد في الأراضي الأفغانية والباكستانية المجاورة.

وقد استفاد هذا المعسكر من الظروف التي سادت بعد احتلال العراق والقضاء على نظام صدام حسين، وحل جيشه وتفتيت وحدته، كما استفاد من الحرب القائمة في سوريا منذ أكثر من ثلاث سنوات، فأصبح له جيش وسلاح وأرض وموارد مالية، وغدا حلم الخلافة الإسلامية واقعاً على الأرض، حتى لو كان هذا الواقع محدوداً ومهدداً من الداخل والخارج.

خاصة بعد إعلان الولايات المتحدة تشكيل تحالف دولي لمكافحة تنظيم «داعش» والقضاء على دولته، وبعد تصريح الرئيس الأميركي باراك أوباما في ختام قمة «الناتو» الأخيرة، بأن وزير خارجيته سيطلب من شركاء الولايات المتحدة العرب ذوي الأغلبية السنية، المساهمة في مواجهة «داعش»، لإقناع العالم بأنه ليس الصورة الصحيحة للإسلام.

في مواجهة هذه المعسكرات الثلاثة، يبرز معسكر رابع، يمثله علماء دول الخليج التي تعمل لحماية نفسها من تأثيرات ما يحدث في المنطقة، وتحارب هذه المعسكرات الثلاثة التي تحلم بمد نفوذها إلى دول الخليج المعتدلة، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.

يتمثل موقف علماء هذه الدول في محاربة كل هذه الأفكار، والدعوة إلى الالتزام بالإسلام الوسطي المعتدل، وهو ما صرح به مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، عندما قال إن الأعمال الإرهابية التي ينفذها تنظيما «داعش» و«القاعدة» هي العدو الأول للإسلام، واعتبر الجماعات المتطرفة امتداداً للخوارج، لا تحسب على الإسلام، ولا على أهله المتمسكين بهديه.

 لهذا، فنحن لا نجانب الصواب حين نقول، إن هذا الاختلاف ليس رحمة، بل هو نقمة على الأمة، وتهديد لمستقبلها الذي لا تبشر ملامحه بخير، ما دام هذا الاختلاف قائماً ومستمراً.

المصدر: البيان

http://www.albayan.ae/opinions/articles/2014-09-08-1.2197252