علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

استفتاء على حب مصر

آراء

كنا نحتفل في ندوة الثقافة والعلوم، الأسبوع الماضي، بتأهل منتخب مصر وصعوده إلى نهائيات كأس العالم، المقرر إقامتها عام 2018 في روسيا، عندما همس لي صديقي المثقف، موجهاً الحدث والحديث ناحية أخرى: لماذا هذه الفرحة التي غمرت العالم العربي كله، وليس مصر وحدها، بصعود المنتخب المصري إلى نهائيات كأس العالم، رغم أن المنتخب السعودي قد أكد صعوده قبلها، ولم يحتفل بصعوده الأشقاء السعوديون أنفسهم بالطريقة نفسها، ورغم أن تونس والمغرب على مسافة نقطة واحدة فقط من التأهل، وسنرى كيف سيحتفلون بصعود منتخبيهم؟.

لم تلفت نظري المقارنات التي عقدها صديقي المثقف حسن النية، والتي تبدو ملغومة، بقدر ما أثارت اهتمامي مقدمة السؤال، فأخذت أبحث عن سر الفرح الغامر بفوز المنتخب المصري وتأكيد صعوده للنهائيات، ولماذا احتفل الشعب المصري والعرب جميعاً بصعود المنتخب المصري على النحو الذي شاهدناه في القنوات التلفزيونية المصرية والعربية، ولماذا تحتل مصر هذه المكانة لدينا، متربعة على عرش القلوب، رغم الأزمات التي تمر بها، والمؤامرات التي تحاك ضدها، والحرب الشرسة التي تُشَنّ عليها سياسياً وإعلامياً من قبل البعض، دون مبرر مفهوم، أو لمبرر نفهمه جيداً، وهو الإحساس بالهزيمة أمام إرادة شعبها، ورفضه لجماعات الإسلام السياسي التي تحاول السيطرة على مفاصل القرار والسلطة في مصر المعروفة باعتدالها، وعدم تطرف شعبها عبر العصور المختلفة؟.

نفيت لصديقي أولاً أن يكون «لوبي» الزملاء المصريين الذين يعملون في الندوة، يقف وراء «التورتة» الكبيرة، كما يطلق عليها الإخوة المصريون، التي تصدرت المجلس الأسبوعي لأعضاء ورواد ندوة الثقافة والعلوم، كما حاول أن يقنعني بذلك، وقلت له إن هذا الاتهام غير صحيح، بدليل أن كلاً من الأديب عبد الغفار حسين، وهو من عشاق مصر لكنه غير مهتم بالرياضة، والأديب محمد المر، وهو عاشق لمصر أيضاً، لكنه ذو اهتمامات رياضية، قد قاما بقطع «تورتة» الاحتفال، بالاشتراك مع مجلس إدارة الندوة والحضور، لكن طرح السؤال بهذا الشكل، في مناسبة رياضية، يستدعي البحث عن إجابة له، وأعتقد أن الإجابة حاضرة لدى الكثيرين منا.

أما لماذا احتفل الأشقاء المصريون بصعود منتخبهم على النحو الذي لم يفعله غيرهم، فيدل على أن المصريين محتاجون إلى ما يجمعهم، وإلى الفرح بعد كل هذه الأزمات التي عاشوها على مدى الأعوام السبعة الأخيرة. وليس أقدر من الرياضة على توحيد جميع فئات الشعب، وجعله ينصهر في بوتقة واحدة، متناسياً أزماته وأحزانه.

وأما لماذا فرح العرب جميعاً معهم، فلأن مصر تحتل منزلة القلب من الجسد العربي، وحين تحزن مصر تحزن الأمة العربية كلها، وحين تفرح مصر تفرح الأمة العربية كلها، وحين تنتكس مصر تنتكس الأمة العربية، وحين تنهض مصر تنهض الأمة.

هذا هو قدر مصر مع الأمة العربية، وقدر الأمة العربية مع مصر، شاء من شاء وأبى من أبى. لهذا تسابق العرب على التعبير عن فرحتهم بصعود المنتخب المصري إلى نهائيات كأس العالم، بل إن البعض بالغ في التعبير عن هذه الفرحة، رغم أنه لا يعرف حتى أسماء لاعبي المنتخب المصري، عدا اسم النجم محمد صلاح، الذي سجل هدفي الفوز، وكأننا في استفتاء على حب مصر، مع أن حب العرب لمصر لا يحتاج إلى استفتاء، فقد أثبتت التجارب خلال مراحل التاريخ المختلفة، أن مصر تحتل واسطة العقد من الأمة العربية، وأن دورها أساسي ومحوري في مسيرة الأمة.

وإذا كان هذا الدور قد تعثر في مرحلة ما في التاريخ، لأن البعض قد تصور أن مصر يمكن أن تعيش بمعزل عن العرب، أو أن البعض تصور أنه يستطيع أن يعزل مصر ويأخذ دورها، فقد أثبتت الأيام أن كلا التصورين كان مجرد وهم، وأن الذين انجرفوا وراء هذه الأوهام، وتصوروا أن يعزلوا مصر عن العرب، أو يزيحوها ليقوموا بقيادة الأمة بمعزل عنها، قد فشلوا فشلاً ذريعاً في ذلك، فذهبوا إلى مصائرهم المأساوية، بعد أن جروا بلدانهم إلى مغامرات دونكيشوتية، فدمروها، وأصبحت مرتعاً للغرباء والطامعين والمتطرفين من كل الأمم والدول والجماعات التي لم تحلم يوماً بموطئ قدم لها فيها.

مصر ينقصها الفرح بعد كل هذه الأزمات التي شهدتها، منذ أن دخلت النفق المظلم الذي وجدت نفسها فيه، سواء كان هذا بفعل فاعل، أو نتيجة ظروف داخلية، ساعدت عوامل خارجية ومؤامرات محبوكة على جعلها تحرك الشارع المصري، لتستغل جماعات الإسلام السياسي الفرصة، وتتصدر المشهد، ثم تقفز على الحكم في خطوة غير محسوبة، خانها التوقيت والتخطيط، ففشلت فشلاً ذريعاً، وفقدت ما كان لها من رصيد، إن كان لها رصيد قليل، ساعدت على تكوينه الظروف الاقتصادية التي كانت تعيشها مصر، والأزمات المعيشية التي كانت تعاني منها طبقات كثيرة، نتيجة الفساد وتغول الطبقة الاقتصادية، وسيطرتها على مفاصل الدولة.

لذلك، فإن مصر حين تعبر عن فرحها بانتصار رياضي مستحَق، فهي إنما تفعل ذلك لتخرج من دائرة الحزن التي وجدت نفسها فيها، خلافاً لطبيعة الشعب المصري، الذي لم يتخلَ عن المرح، حتى في أشد الأزمات التي عاشها خلال المراحل المختلفة، والتي كان يعبر عنها بالنكتة التي لم يعرفها شعب كما عرفها الشعب المصري، وإن كان صعود المنتخب المصري إلى نهائيات كأس العالم ليس نكتة، وإنما إنجاز يستحق أن يحتفل به العالم العربي كله، وكأنه استفتاء على حب مصر وأهلها الطيبين.

المصدر: البيان