عبدالله القمزي
عبدالله القمزي
كاتب إماراتي

اقتصاد الإدمان (2)

آراء

لا يدرك معظم الناس مقدار الوقت الذي يمضونه مع هواتفهم الذكية، وغالباً ما يقللون من شأن الأمر، وينفون عنهم صفة الإدمان، وهذا ما يسمى نقص الوعي الذاتي.

بعد اختراع تطبيقات احتساب الوقت «المحروق» على الهواتف الذكية، اتضح أننا بالمعدل العام نتفحص هواتفنا مرة كل ست دقائق، أو 150 مرة في اليوم. حتى عندما يكون جهازك بجانبك على طاولة، فإن انتباهك يتشتت بمجرد وجوده بقربك، حتى وأنت مشغول بأمر آخر. وما يضعف تركيزك أكثر هو سماعك لرنات التنبيهات، أو الاهتزازات في حال لم توقف خاصية تشغيلها.

وفي أقل من عقدين، هبطت نسبة تواصلنا الطبيعي وجهاً لوجه مع الأهل والأصدقاء بنسبة 30%. لا أريد أن يفهم كلامي بأني ضد التقنية، وأعرف تماماً مدى أهمية هذا الجهاز في حياتنا، ودوره في تسهيل أسلوب الحياة ودورة العمل. لكننا غير مدركين عواقب سلوكنا السلبي الجديد الناتج من وجود هذا الاختراع بين أيدينا، ومعظم مستخدمي الهواتف الذكية ينكر بشدة حقيقة تشتته بسبب هذا الجهاز.

هذا بالضبط سبب امتلاك شركات التقنية صناعة الإعلانات الرقمية، فهي تحصل على المليارات من المعلنين حول العالم، وتمتلك كل المعلومات التي تحتاج إليها عن المستخدمين وفي الوقت نفسه ابتكرت كل ما من شأنه أن يؤدي إلى ضمان التصاق المستخدم بهاتفه الذكي.

الإدمان انتقل حتى إلى أطفالنا، فمن يستطيع إطعام طفله أو إسكاته (بمعنى إرضائه)، من دون إعطائه جهاز «آي باد»؟ وللأسف لا نعلم ما العواقب طويلة الأمد التي ستحدث للأطفال الذين نشأوا على استخدام الجهاز، ففي الولايات المتحدة خرجت إلينا إحصاءات مخيفة:

%40 من الأطفال بين سن عام وثمانية أعوام يمتلكون جهاز «آي باد» خاصاً بهم.

معدل الوقت الذي أمضته هذه الشريحة على تلك الأجهزة زاد بمعدل 860% (من خمس دقائق إلى 48 دقيقة) من عام 2011 إلى 2017.

بالمعدل العام، صغار السن تحت 18 عاماً يستخدمون أجهزتهم ضعف الكبار.

خلصت تلك الإحصاءات إلى أن إدمان الأجهزة الذكية أسهم في تعقيد العلاقات بين أفراد الجيل الأصغر سناً وانتشار نسبة الاكتئاب.

«فيس بوك» و«غوغل» و«يوتيوب» و«نتفليكس» و«أمازون» و«تويتر» و«إانستغرام» و«سناب شات»، متهمة جميعاً بخلق حالة الإدمان الإلكتروني، وإني أرى تسطيحاً للمشكلة عندما نقصرها على تلك المنصات، وأرى أن ظهور جهاز «آي فون» عام 2007 وكل مقلديه، هو جزء من المشكلة، ويجب أن يتحملوا المسؤولية نفسها في إدخال الفرد حالة الإدمان الإلكتروني، لأن تلك المنصات أصبحت مغرية بظهور الهاتف الذكي أكثر مما كانت عليه أيام الكمبيوتر.

بالعربي: لن يتغير شيء مع استمرار الوضع الحالي، والمستخدم لا يستطيع التخلي عن التقنية وإلا توقفت حياته، التغيير يكون بتحمل تلك الشركات مسؤولياتها والتخلي عن النموذج الحالي للإعلانات الرقمية ووضع نموذج بديل. لكن ما حدث بنهاية عام 2017 زاد الطين بلة، فقد طرحت «فيس بوك» تطبيق تراسل فوري خاص للأطفال بين سن ستة و12 عاماً يسمى «ماسنجر كيدز»، ما أثار جدلاً كبيراً لأنه من الواضح أن الشركة لا تريد تغيير وضعٍ هي المستفيد الأكبر منه.

المصدر: الإمارات اليوم