الأمن الثقافي…!

آراء

تتقاطع الثقافات والعادات مع بعضها دون مقدمات وتحتل هذه مساحتها في حياتنا بشكل يعلن نفسه بشيء من النرجسية، فتجمعنا أخبار وتخيفنا الأخرى، يفرقنا خبر، ويسعدنا الآخر، هذه الثقافة العالمية الكونية التي تنقل لنا كل شيء دون تنقيح وتجعلنا نرغب بالتوقف عن اللهاث خلف هذه الجغرافية الهائلة والتي اتسعت مع التطور التكنولوجي المرعب، وفي عصر المعلومة السريعة السهلة، أصبح التداخل الثقافي وتضخم وتضارب المعلومات والأفكار وانتشارها بسرعة هائلة بحاجة إلى إعادة بناء مجتمعاتنا وعقول أبنائنا وحمايتها، ولكن كيف نحمي ثقافتنا؟ وكيف يكون لدينا أمن ثقافي بمعنى حماية النشاط الفكري والفني والعادات والآثار؟ وما دور المثقف؟

هذه الأسئلة تحيلنا إلى إعادة تعريف الثقافة؛ فهي حلقة الوصل بن أفراد المجتمع بمختلف فئاتهم وطبقاتهم، لذلك هي مسؤولية كبيرة وعظيمة، فالأمن الثقافي هو الحلقة المكملة للأمن الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وبالتالي الأمن الوطني. والمثقفون كما يعرفهم روبرت ميشيل: «هم أولئك الأشخاص الذين يمتلكون المعرفة، وعلى أساس هذه المعرفة الموضوعية وتأملاتهم الذاتية يصوغون أحكامهم على الواقع دون أن يستخدموا هذه الأحكام مباشرة أو بالضرورة من خبراتهم الحسية». وتختلف الآراء والاجتهادات حول ماهية المثقف، إلا أن المثقف لابد أن يكون له مواقف واضحة تخدم الشؤون الثقافية والاجتماعية عامة.

ويكمن دور المثقف في ترجمة الصراع الدائر مع كل ما حولنا من ثقافات وأفكار وآراء، وذلك «بقلب الساعة الرملية في الاتجاهين» أي من الحدث إلى تفسيره، ومن الهوية إلى الانتماء. نحن في خندق واحد لحماية أمننا الثقافي إلا أن المثقف هو من يعوّل عليه في التصدي لكل ما يمس ثقافتنا وتاريخنا، وكما يقول نعوم تشومسكي «من مسؤولية المثقفين قول الحقيقة وفضح الأكاذيب» وقول الحقيقة وفضح الأكاذيب يتطلب التغيير بالقول أو الفعل، فهو مطلوب منه تفسير لمعنى أي مصطلح جديد يهمنا ويخدمنا مثل الأمان الثقافي حيث يفسره تفسيراً حقيقياً وبموضوعية، فالتفسير الواضح والحقيقي هو المفتاح للمحافظة على هويتنا وأمننا الثقافي، ومن ثم وضع المساعدة في طرح الرؤى والاستراتيجيات لحلها. إن المثقف هو مرآة المجتمع وقلبه النابض، وإذا امتلك أدوات واقعية وفهماً واعياً للمجتمع ومعطياته والأحداث التي تسيره سوف يحدث التغيير بلا شك، وكما يقول عالم النفس الحديث د. ويليام جيمس: «أعمق المبادئ في الإنسان هو تلهفه على تقدير الآخرين له».

إن أحد أسباب الدعوة إلى البحث في أمننا الثقافي هو التغيير والعولمة التي اجتاحتنا في عقر دارنا وإذا لم نتكاتف ونقف بوجه هذا الإعصار سيقتلعنا لا محالة، وسنفقد الكثير من ثقافتنا وهويتنا، فلو عشنا مع الماضي فهذا بالتأكيد ما ستكون عليه حياتنا في المستقبل، وتحطيم الماضي الذي يجب أن نعترف أنه انتهى وللأبد هو مطلب طبيعي لنعيش بتفتح ذهن وسلام داخلي حتى لا ندع تأثيرات الماضي تفسد جمال الحاضر والمستقبل، فالحالة الذهنية التي نعيش بها هي ما ترتكز عليها حياتنا؛ لذلك الأمن الثقافي لا يتم إلا عندما يكون هناك علاقة متينة وقوية بيننا وبين ثقافتنا، وجعل الثقافة هي روح المجتمع بحيث تصل إلى كل أفراد المجتمع باستخدام جميع الطرق فهي مطلب ملح؛ لأنه ليس هدفاً ثقافياً فقط بل أصبح هدفاً حضارياً يحتوي على جوانب كثيرة اجتماعية ووطنية وسياسية.

المصدر: الرياض