الإلحاد في الحرم

آراء

تتكرر سيناريوهات الإلحاد في الحرم من لدن أبرهة الأشرم إلى «دواعش» العصر، مروراً بالقرامطة والجهيمانيين والصفويين، وفي كل حالة يرينا الله تعالى من عذابه الأليم في أولئك المجرمين ما يزيد القلب إيماناً ويقيناً بأن للبيت رباً يحميه، وأن الركّع السجود هم في حماية الله ولطفه، مهما اتخذ الله منهم شهداء، فإن العاقبة تكون للمتقين.

ومما يزيد ذلك جلاءً أن لطف الله بحرمه الآمن كان كبيراً في الإلحاد الأخير، وذلك بالنظر إلى الخطب الجسيم الذي كان سيحدث لو نجح الملحدون في تنفيذ مخططهم الإجرامي في شارع أو ساحة محيطة، فضلاً عن التوغل إلى المسجد الحرام أو صحن الطواف، مع تلك الزحمة البالغة الذروة، فإن نسج العنكبوت هو الذي أفسد عليهم خططهم الخطيرة {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}.

عناية الله أغنت عن مضاعفةٍ

من الدروع وعن عالٍ من الأُطمِ

ويتساءل عامة الناس – مسلمهم وكافرهم – فضلاً عن عقلائهم، عن مأرب الملحدين في استهداف حرم الله وهم يعلمون أن الرب سبحانه بالمرصاد لمن ألحد في حرمه؟

والجواب لعله خافٍ على كثير من المتسائلين؛ ولعلّي أسعفهم بطرفٍ منه؛ وهو أن استهداف حرم الله يعبّر عن مكنون صدورهم البغيض من العداوة لله ورسوله والمؤمنين، فها هي ألسنتهم تنفث غيضاً، تهديداً ووعيداً للمؤمنين، وما تخفي صدورهم أكبر، ولا يجدون لها متنفساً إلا أن يلحدوا في الحرم، ويظنون أن ذلكم الإجرام سيشفي صدورهم ويروي غليلهم، إنْ هم نالوا نيلاً من المؤمنين، وهم يجهلون أن عذاب الله أليم وعقابه شديد في الدنيا قبل الآخرة، فهم في الحقيقة صمّ بكم عمي لا يعقلون.

إن تكرار هذه السيناريوهات يدل على أن العداوة البغضاء للإسلام ومقدساته والمسلمين مستحكمة فيهم، وهي جزء من آيديولوجياتهم البغيضة، فلا مطمع أن يتخلوا عنها، فهل ينتظر المسلمون الكثير من إجرامهم حتى يقلقوا الناس أجمعين؟ وأما نور الله فلا طاقة لهم بإطفائه، فإلى متى هذا السُّبات والعفوية في التعامل مع هذا النهج الإجرامي المتلوِّن في الظهور المتخفي في التنفيذ؟!

لقد كانت حادثة جهيمان الإرهابية المنكرة في غرة القرن الـ14 الهجري، التي استبيح فيها الحرم المكي أياماً ليست قلائل، كانت كافية للقضاء المبرم على ذلكم المنهج التكفيري للراعي والرعية، فقد أثبتت الأيام أن الحلم لا ينفع مع هؤلاء بحال، وأن التأويل الحسن لم يكن صائباً، فكفى الأمة ويلات من هذا الإجرام.

إن الإلحاد في الحرم ليس كالإجرام في غيره، فإنه محادة لله تعالى كفاحاً، فليس من يعصي الملك في بلاط مملكته كمن يعصيه متخفياً في أدغال الصحراء، كما قال الإمام الشافعي:

لقد أطاعكَ منْ يرضيك ظاهرهُ

وقد أجلَّكَ من يعصيكَ مستترا

وقد روى البخاري من حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، أن رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحدٌ في الحرم، ومبتغٍ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطَّلبُ دم امرئ بغير حق ليهريق دمه». فهؤلاء بغضاء لله ورسوله والمؤمنين، ومن أبغضه الله فهو عدو له، وللمؤمنين، فهل يرجى منهم صلاح أو ينفع معهم حوار؟

وقد آذن الله تعالى من همَّ بسيئة بالحرم بالعذاب الأليم كما قال سبحانه {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}، وهو ما يريه الله عباده عند كل مكر وكيد للحرم وأهله، حتى قال ابن مسعود، رضي الله عنه: من همَّ بسيئة فلم يعملها لم يكتب عليه شيء، وإن هم بعدَنِ أَبين أن يقتل في المسجد الحرام، أذاقه الله من عذاب أليم. ثم قرأ الآية.

ولكن إنما يخوف الله بهذا عباده الذين في قلوبهم حياة يمكن أن تتعظ، أما القلوب الميتة فلا يخوفها إلا القول الحازم، والسيف الصارم. وعلى الله التكلان وهو حسبنا ونعم الوكيل.

المصدر: الإمارات اليوم