د. عبد الحميد الأنصاري
د. عبد الحميد الأنصاري
كاتب قطري متخصص في حقوق الإنسان والحوار الحضاري والفكر السياسي

الإمارات و«محمد بن راشد للتسامح»

آراء

أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، مبادرتين لتعزيز التسامح والتعايش والتعارف في العالم العربي، ولترسيخ هذه القيم السامية في نفوس الناشئة والشباب وبين الأجيال، الأولى: مبادرة عالمية للتسامح، تشمل تكريم كل إبداع فكري أو أدبي أو جمالي أو مشروع شبابي، يدعو إلى قيم التسامح والانفتاح بين الشعوب، باسم «جائزة محمد بن راشد للتسامح»، تعمل على التواصل مع الشباب، وتشجيع إنتاجهم الفني والثقافي، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي. أما المبادرة الثانية، فهي إنشاء «المعهد الدولي للتسامح»، كأول معهد للتسامح في العالم العربي، يعنى بتقديم المشورة والخبرات اللازمة لترسيخ قيم التسامح، ويعمل على تطوير الدراسات المعنية بتفكيك جذور ظواهر التعصب والتطرف والكراهية، والتعاون مع المؤسسات الثقافية العربية المعنية بنشر مبادئ التسامح لدى الأجيال الجديدة.

هاتان المبادرتان المتميزتان، وغير المسبوقتين، تأتيان -بعد إنشاء وزارة للتسامح- كإفراز بنيوي متقدم لمجتمع متطور ومتسامح، ينعم أفراده بمناخ اجتماعي متقبِّل للآخر، بل جاذب له. لقد نجحت دولة الإمارات في ما لم تنجح فيه دول كثيرة، وها هي تستقطب الكفاءات العربية المهاجرة التي وجدت على أرضها أجواء اجتماعية ملائمة لاستثمار طاقاتها، في إطار من الشفافية والعدالة وحكم القانون وجودة الحياة.

التسامح قيمة أخلاقية وإنسانية ودينية عليا، وديننا دين التسامح، ينبذ التعصب والغلو والعنف والكراهية، ويدعو للتعاون والسلام، والبشرية في نظره أسرة إنسانية واحدة مكرمة من قبل الخالق عز وجل. وجميعنا نعلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام ضرب أروع الأمثلة في التسامح حتى مع أشد أعدائه الذين سعوا لقتله، كما يحفظ تاريخنا مواقف مجيدة لتسامح قادة المسلمين مع أهالي البلاد المفتوحة، وأصحاب الديانات والأقليات المختلفة الذين عاشوا في ظل حضارة الإسلام آمنين.

ما أحوجنا اليوم، في ظل تنامي طروحات التعصب والتطرف والعنف والكراهية، إلى تعزيز قيم التسامح وقبول الآخر في البنية المجتمعية: في البيت، والمدرسة، والجامع، والجامعة، ومنظمات المجتمع المدني.. ممارسةً وتعاملاً وسلوكاً عاماً وثقافة مجتمعية..! ما أحوجنا إلى حماية شبابنا ومستقبلهم من أمراض التطرف والكراهية، عبر استراتيجيات تحصينية، تفعِّل ثقافة التسامح الديني والاجتماعي والسياسي، وتشحن طاقات الشباب بقيم التسامح وحب الحياة والتفاني في العمل والإبداع! هذا واجبنا جميعاً، واجب المسؤولين والمثقفين وعلماء الدين، والمؤسسات المجتمعية كافة.

مبادرتا الشيخ محمد بن راشد تشحنان الطاقات، وتستنفران الجهود، وتحمِّسان للعمل على زرع وترسيخ القيم السامية في مجال التسامح والانفتاح والاعتراف بالآخر.

دعونا نتساءل: كيف نجحت دولة الإمارات في تفعيل ثقافة التسامح في مجتمعها؟

إن شجرة التسامح شجرة مباركة، زرعها المؤسس «زايد الخير» في التربة المجتمعية لدولة الإمارات، وقام، طيب الله ثراه، برعايتها أفضل رعاية، واستمراراً لهذا المنهج من بعده، تعهدها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وأحسن العناية بها، حتى آتت ثمارها الطيبة: محبةً وعدلاً وعطاءً وقبولاً للآخر، واحتراماً للأديان والمعتقدات، وتعايشاً بنّاءً.

وأخيراً، ليس المقصود بـ «التسامح» هنا، التنازل عن الحق أو العفو عن الإساءة.. فهذا مفهوم تراثي تجاوزه التصور الحديث للتسامح، والذي يعرفه بـ «قبول الآخر بما هو عليه، والاعتراف بحقوقه وحرياته وكرامته».

ولن يتحقق التسامح بمجرد اتخاذه شعاراً يتم التغني به، بل يتحقق عبر عمل دؤوب تتعاون فيه مؤسسات الدولة والمجتمع كافة، بدءاً بالبيت، مروراً بمنابر التثقيف والتوجيه، وانتهاءً بالسلطة السياسية.

المصدر: الإتحاد