محمد الحمادي
محمد الحمادي
رئيس تحرير صحيفة الرؤية

الاتحاد الخليجي وتطلعات الشعب الخليجي

آراء

الموقف العُماني الرافض للاتحاد الخليجي كان صادماً للشارع الخليجي على الرغم من أنه ليس أول اعتراض من دولة عضو في مجلس التعاون على مقترح أو مشروع خليجي، فطوال الثلاثين سنة الماضية، شهد المجلس العديد من الاعتراضات والاختلافات، بل وحتى التهديد بالانسحاب من المجلس بسبب عدم الاتفاق، أو التوافق على مشروع أو موقف ما. ولا يبدو هذا الأمر مقلقاً جداً، فهذا المجلس يضم ست دول مستقلة، تعمل بأساليب ورؤى مختلفة، وإنْ تشابهت في كثير من جوانبها، إلا أن لديها ما تُنافس به بعضها بعضاً، وأموراً تتميز بها عن الدول الأخرى، ومشاريع قد تقدم، وربما تتعارض ومصالحها القُطرية في ذلك الوقت الذي تطرح فيه الفكرة، لذا فإن وضوح الموقف وشفافية القرار، أمر في غاية الأهمية.

سواء اتفقنا أو اختلفنا مع الموقف العُماني من الاتحاد الخليجي، وسواء كان مقنعاً بالنسبة إلينا أم غير مقنع، فإن احترام موقف الشقيقة عُمان يجب ألا يتغير، فالموقف السياسي لعُمان ولغيرها من الدول لا يفترض أن يكون له تأثير على العلاقات مع عُمان، وما يدعو لهذا القول، أنه من خلال متابعتي خلال الأيام الماضية لردود الأفعال الشعبية لتصريحات وزير الدولة العُماني للشؤون الخارجية يوسف بن علوي التي أدلى بها خلال قمة الحوار في البحرين، هو مستوى وطريقة الانتقاد الخليجي الشعبي للقرار العُماني، وما قابله من دفاع شعبي عُماني لقرار عُمان رفض الاتحاد الخليجي والتلويح بالانسحاب من مجلس التعاون، فمؤيدو فكرة الاتحاد الخليجي كانوا مستاءين على شبكات التواصل الاجتماعي من عدم رغبة السلطنة الانضمام إلى الاتحاد، خصوصاً مع قرب انعقاد القمة الخليجية، لكن التصريح الكويتي الرسمي جاء ليطمئن الجميع، بأن موضوع الاتحاد الخليجي لن تتم مناقشته في قمة الكويت، وإنما سيتم تخصيص قمة استثنائية لمناقشته في الرياض.

لا يبدو أن هذا هو الوقت المناسب لإثارة الخلافات، أو التركيز على الخلافات الخليجية، فالمرحلة تتطلب كثيراً من العمل والتعاون الحقيقي لمواجهة التحديات وتجاوز العقبات، والوصول إلى مستوى آمال وتوقعات الشعوب.

انضمام سلطنة عُمان إلى الاتحاد الخليجي أم لا يعتبر خياراً عُمانياً، وإن كان لا يخلو من إشكالات، إلا أن من المهم أن لا يكون لهذه الحسابات تأثيرات على بقية دول المنطقة. فقد أثبتت لنا الأيام والأحداث أن هذه الجزيرة العربية يربطها مصير واحد مشترك، ومهما اعتقدت أية دولة كبيرة في المنطقة أو صغيرة في المساحة أنها يمكن أن تكون منعزلة، فإنها ستكون خاطئة، وإنْ بدت الأوضاع كذلك.

ما يجب أن تنشغل به دول الخليج في هذه المرحلة، هو التغييرات التي تشهدها المنطقة، وتركز على الموقف والسياسة الأميركية الجديدة في المنطقة، وتجاهل الولايات المتحدة الأميركية لحلفائها الخليجيين فيما يتعلق بالمفاوضات المتعلقة بالملف النووي الإيراني، ومن ثم إعلان الاتفاق بين الغرب وطهران دون إشراك أو حتى عِلم دول الخليج بهذه الاتفاقية، فضلاً عن تسرب معلومات عن وجود جوانب سرية في هذا الاتفاق، الأمر الذي يفترض أن يؤدي إلى قلق خليجي حقيقي، خصوصاً في ظل تغير المواقف الأميركية في المنطقة واستبدالها لحلفائها بشكل يدعو إلى إعادة تقييم العلاقة مع الولايات المتحدة، والنظر طويلاً في مدى السير في علاقات عميقة وبعيدة المدى معها.

أمن الخليج لا يمكن الاستهانة به، كما ولا يمكن أن يستأثر به طرف واحد دون بقية الأطراف في المنطقة، فالاعتقاد بأن إيران قادرة على حماية أمن الخليج غير صحيح، والاعتقاد أيضاً بأن الولايات المتحدة يمكن أن تتحكم في خيوط اللعبة وحدها أيضاً غير صحيح، كما أن دول الخليج العربي مقتنعة بأنها لا يمكن أن تستأثر وحدها بأمن الخليج، فلا أحد يمكنه أن يقفز على الجغرافيا، كما أن أي طرف لن يقبل بأن يستهين طرف آخر بأمنه أو بأمن المنطقة، هذا ما يدعو واشنطن إلى أن تعيد النظر في سياستها في المنطقة، وألا تتجاهل أي طرف على حساب أطراف أخرى، ولا تراهن على طرف واحد، فتكتشف أنها وضعت بيضها في سلة واحدة، فتخسر كما حدث مؤخراً عندما راهنت على «الإخوان» في مصر ودول «الربيع العربي»، فخسر «الإخوان» وفقدت الولايات المتحدة كثيراً من مصداقيتها ورصيدها في المنطقة، الأمر الذي كانت في غنى عنه لو تعاملت مع الأوضاع بواقعية.

القمة الخليجية الـ 34 التي تعقد اليوم وغداً في الكويت، هي بين أيدٍ أمينة، وتحت إدارة حكيمة لسمو الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت الذي يعمل دائماً على إنجاح أعمال القمة واختتامها بقرارات مهمة.. وفي هذه الدورة، من المهم أن تركز دول الخليج على تطلعات الشعوب الخليجية، سواء تطلعاتها فيما يتعلق بالمجلس وبالتعاون الخليجي المشترك أو ما يتعلق بمتطلبات الشعوب في كل دولة، ففي هذا الوقت لم يعد من الحكمة تجاهل متطلبات الشعوب، سواء الاجتماعية أو المعيشية أو السياسية، فالحكمة تقتضي التجاوب معها بالشكل الصحيح… أما التطلعات والطموحات القُطْرية للدول وإنْ بدت مهمة للبعض، إلا أنه من المهم ألا تطغى على الطموحات الإقليمية ومصلحة المنطقة وشعوبها ومستقبلها.

المصدر: صحيفة الاتحاد