الانحياز المجاني

آراء

في عام 1982 اندلع نزاع مسلح بين بريطانيا وبين الأرجنتين حول جزر الفوكلاند. تدعي الأرجنتين ملكيتها لهذه الجزر بوصفها الوريث الشرعي للتركة الأسبانية المحيطة بأراضيها. كانت المرة الأولى التي سمع معظم البشر عن هذه الجزر. في ذلك الزمان كان العالم منقسماً سياسياً إلى معسكرين. معسكر يتبع أو يتعاطف مع الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية، ومعسكر يتبع الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين. فكان كل شيء ينقسم على هذا الانقسام. أي قضية سياسية أو ثقافية تحدث يستدني الناس معيارهم هذا. سوّق الاتحاد السوفيتي نفسه على أساس أنه محرر الشعوب ونصير الضعفاء ورائد الحرية في هذا العالم ومن جهة أخرى كانت سمعة الولايات المتحدة وحلفائها سيئة. ضج الإعلام بأخبار هذه الحرب ولأن الناس لا تملك أي معلومات عن جزر الفوكلاند استخدم كثير من المراقبين معيار انقسام المعسكرين. أصبح الموقف محسوماً في الإعلام العربي. بريطانيا استعمارية والأرجنتين تريد تحرير أرضها.

عندما تراجع الموقف الذي اتخذه الإعلام العربي والمثقفون من تلك الحرب آنذاك ستفهم كيف تضللك العواطف لتقودك للانحياز المجاني. وقفَ معظم الإعلام العربي مع الأرجنتين. على خلفية أن الأرجنتين دولة من العالم الثالث وبريطانيا دولة استعمارية على هذه المعادلة السهلة تم حسم الأمر عاطفياً. اطلاع أولي على تاريخ الجزر سينبئك أن ادعاءات الأرجنتين ملكية الجزر تقوم على أسس ضعيفة ومثلها بريطانيا. تناوب على الجزر عدة دول بينها فرنسا ولكنها استقرت أخيراً تحت الحكم البريطاني حوالي مئتي سنة.

قصة الصراع الأرجنتيني البريطاني تتكرر حتى الآن في ثقافتنا السياسية والإعلام العربي. ثمة مواقف مسبقة وعواطف تجعلنا ننحاز إلى درجة أن نكون أعداءً لأنفسنا. عندما تعود إلى التاريخ سترى أن حكام الأرجنتين كانوا مجموعة من العسكر اغتصبوا السلطة وأداروا سلطتهم على القمع وأن أسباب احتلالهم للجزر ليس بينها سبب وطني. كان هدفهم صرف أنظار المواطن الأرجنتيني عن سوء إدارتهم للبلاد والفساد المستشري إلخ.. كان انحياز الإعلام العربي مع الأرجنتين شعاراتي فقط. سعى إلى تبسيط المشكلة لكي يقف ضد بريطانيا فقط. حتى على مستوى مصالح البلاد العربية الوقوف مع حكام الأرجنتين كان أقرب إلى السذاجة.

في عام 2006 اندلعت حرب بين حزب الله وبين إسرائيل. معظم الإعلام العربي وقف مع حزب الله. لا لشيء ولكن لأن العدو هو إسرائيل. التبسيطية تقول طالما إسرائيل طرف في حرب فأنا ضد إسرائيل مع الطرف الآخر كأنك تقول طالما داعش ضد نظام بشار فأنا مع داعش. معادلة ساذجة وفاسدة وخطيرة. غياب المعلومة والمعرفة الحقيقية بطبيعة أي صراع يجعلنا أسرى الشعارات العاطفية.

المصدر: الرياض