علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

التأثير الإيجابي لنموذج الإمارات

آراء

«كان واحداً من أكثر الآثار التي تركتها إقامتي في الإمارات تحسن مفهومي للدين والتسامح الديني، إذ أصبح الدين بالنسبة لي شأناً خاصاً أكثر منه تعبيراً عاماً، الأمر الذي جعلني أشعر براحة أكبر».

كانت هذه واحدة من الشهادات التي قالها الباحث الهندي الدكتور «جناردين» في ورقته التي قدمها خلال المؤتمر السنوي الثالث الذي نظمته «ندوة الثقافة والعلوم في دبي» عام 2013، تحت عنوان «الإمارات في عيون الجاليات»، وتناول فيها التأثير الإيجابي لنموذج الإمارات على الأجيال الآسيوية الجديدة وغيرها، من خلال تحويلهم إلى مواطنين عالميين، قادرين على استيعاب مختلف أنواع الثقافات، وقدم نفسه مثالاً للتغيير الذي أحدثته الإمارات فيه، بعد 13 عاماً من العيش فيها، قائلاً: «يقولون إن الوطن حيث القلب، لكنني أقول، من خلال واقع عملي، إن الوطن حيث العمل».

هذه نظرة مواطن هندي قدم بلده، ولا يزال يقدم، للعالم كله «دروساً عميقة في التعايش والتسامح» كما وصفه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو يحل ضيفاً رئيساً على الهند في احتفالاتها بيوم الجمهورية.

فرغم الفارق الكبير في عدد السكان والمساحة، بين دولة الإمارات والجمهورية الهندية، إلا أن حجم الدول لا يقاس بالمساحة وعدد السكان، وإنما بالتأثير الذي تحدثه على القيم التي يؤمن بها البشر.

وهذا هو ما فعلته وتفعله دولة الإمارات منذ تأسيسها، الأمر الذي أكسبها احترام العالم كله وتقديره. لذلك كانت العلاقات بين الإمارات والهند، حتى قبل أن يبزغ فجر الاتحاد، متينة وقوية، ولم تكن هذه العلاقة في يوم من الأيام علاقات إمارات صغيرة بدولة كبيرة تحتل المرتبة السابعة بين دول العالم من حيث المساحة الجغرافية، والثانية من حيث عدد السكان.

وقد ضربت هذه العلاقة جذورها في عمق التاريخ، وكانت التجارة المتبادلة هي العامل الذي ربط بين إمارات الخليج والهند. ونظراً للعلاقات التي توطدت بين الشعبين على مدى العقود الماضية، فقد كانت الهند واحدة من الوجهات التي حظيت باهتمام القائد المؤسس، المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فكانت زيارته الأولى لها في شهر يناير من عام 1975، ثم أعقبتها زيارة ثانية في شهر أبريل من عام 1992. وعلى درب القائد المؤسس مضى الأبناء، فوطدوا العلاقة مع الهند، وتكررت زياراتهم لها، كما زار العديد من المسؤولين الهنود دولة الإمارات، وأبدوا إعجابهم بالنموذج الإماراتي.

ولذلك فإن جمهورية الهند عندما احتفت بصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، واختارته ضيف شرف رئيساً في احتفالها بيوم الجمهورية الثامن والستين، فهي إنما كانت تحتفي بتاريخ طويل من العلاقات الطيبة بين الدولتين والشعبين الصديقين، وتكرم رمزاً مشرفاً من الرموز التي يفخر بها شعب دولة الإمارات، ويحمل لها حباً عميقاً، لما يقوم به سموه من دور عظيم في ترسيخ مكانة الدولة بين الأمم والشعوب، ولما يمثله من قيادة واعية، تحظى بمكانة رفيعة بين قادة العالم. ولذلك فإن دولة الإمارات عندما تعمل على بناء شراكة استراتيجية بينها وبين الدول الأخرى، فإنها تفعل هذا من موقف الدولة القوية التي تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع الدول الأخرى، مثلما تسعى الدول الأخرى إلى تعزيز علاقاتها مع دولة الإمارات، وتبني شراكات استراتيجية معها.

خلال حلول صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ضيف شرف رئيساً في احتفالات الهند بيوم الجمهورية، تجلت الروابط العميقة التي تجمع قيادة البلدين وشعبيهما، وهي روابط لا تقوم على المصالح السياسية والاقتصادية فقط، وإنما على التشابه في القيم الإنسانية والثقافية، فدولة الإمارات، كما قالت صحيفة «تايمز أوف إنديا» الهندية، هي البلد الذي تنصهر فيه كل الثقافات والأعراف، الأمر الذي وجه أنظار الهند إليها، لتصبحا شريكين استراتيجيين في العديد من المجالات.

والهند كما تؤكد الصحيفة، تحتاج إلى الإمارات أكثر من حاجة الإمارات إليها، نظراً للتطور والمكانة الكبيرة التي تحظى بها دولة الإمارات على الساحة الدولية، حيث إنها تستثمر بقوة في المستقبل والقطاعات المستدامة، التي تضمن استمرارية التقدم والنمو فيها. لذلك كان حضور دولة الإمارات في احتفالات الهند بيوم تفعيل العمل بدستورها قوياً ومبهراً، يليق بالمكانة التي تحتلها قيادة الإمارات لدى القيادة الهندية، ولدى الشعب الهندي الذي يعيش أكثر من مليون و600 ألف منه في دولة الإمارات.

ولأن البعد الشعبي والثقافي يكتسب أهمية خاصة في العلاقات الإماراتية الهندية، فقد ركز صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، على هذا البعد في الكلمة التي استهل بها زيارته للهند، حين قال إن العلاقات الإماراتية الهندية ليست علاقات سياسية أو اقتصادية فحسب، وإنما لها بُعدها الشعبي والثقافي العميق، حيث ارتبط الشعب الهندي منذ القِدم بروابط متينة مع شعوب منطقة الخليج العربي بشكل عام، والشعب الإماراتي بشكل خاص. وقد أسهمت الجالية الهندية في التنمية بدولة الإمارات العربية المتحدة، وهي محل تقدير وترحيب واحترام من قبل القيادة والشعب في الإمارات، حيث تمثل جسراً حضارياً بين الشعبين والبلدين الصديقين.

قيم التعايش والتسامح هي ما يجمع بين الإمارات وشعوب العالم أجمع. هذه هي الرسالة التي ينشرها قادة دولة الإمارات وشعبها حيثما حلوا، وهي رسالة لا يفهمها إلا أولئك الذين يعرفون قيمة هذه القيم ويقدّرونها.

المصدر: البيان