هاني الظاهري
هاني الظاهري
كاتب ومستشار إعلامي.. مؤسس مجموعة تسويق الشرق الأوسط للاستثمار.. رئيس مركز الإعلام والتطوير للدراسات

التاسعة بتوقيت «حلة القصمان»

آراء

من أقدم الأحياء السكنية التجارية في الرياض «حلة القصمان»، أو «صندوق الذكريات» كما يسميه جاري السبعيني أبوسليمان، عندما ينهمك في سرد قصص بطولاته ورومانسيته، قافزاً خمسة عقود زمنية للخلف.

يتذكر أبوسليمان كيف كان السعوديون في ذلك الحي ينامون تزامناً مع تسليمتي صلاة العشاء، لتتوقف الحياة تماماً عقب يوم حافل، بدأ بضجيج أصوات الباعة و«البائعات أيضاً»، ويؤكد جاري السبعيني أن أبناء جيله هم أكثر الناس حماسة اليوم؛ لتطبيق القرار المرتقب بإجبار المحال التجارية في السعودية على الإغلاق عند التاسعة مساءً، وفق ما أعلنه وزير العمل في تصريحات صحافية أخيراً.

مرجعية جاري السبعيني الأساسية، التي يستمد منها آراءه ومواقفه في كل شؤون حياته هي «الماضي البعيد الجميل»، متجاهلاً ما استجد في حياة السعوديين من تغيرات اقتصادية واجتماعية وزيادة سكانية كبيرة وصعوبات معيشية، تغير معها نمط حياتهم كلياً، من النمط القروي الكلاسيكي إلى الحياة المدنية الحديثة، التي أصبحت معها التاسعة مساءً تمثل الوقت الحقيقي للذروة في الشوارع والأسواق؛ لصعوبة إنهاء مشاغلهم وتسوقهم خلال فترات فتح المحال وإغلاقها بين الصلوات، بجانب توقف الحياة التجارية تماماً بين صلاتي الظهر والعصر؛ لارتفاع درجات الحرارة صيفاً، والعرف السائد باعتبارها فترة راحة وغداء، أما فترة الصباح فهي مقتولة بالدوام في حياة الموظفين، أي أن الوقت الفعلي للتسوق في حياة الموظف السعودي قبل التاسعة مساء، لا يتجاوز 3 ساعات متقطعة، وإن كان يعيش في المدن الكبرى فإنه سيستغرق ثلثها -غالباً- في مشوار الذهاب إلى المتجر الذي يريد التسوق منه.

مبررات مختلفة يستند إليها مؤيدو القرار المرتقب (باستثناء الماضويين كجاري السبعيني)، في مقدمها التحجج بأن هذا المعمول به في الدول المتقدمة، وهي حجة مضحكة ومخالفة للواقع، فالمحال التجارية في معظم الولايات الأميركية على سبيل المثال لا تغلق قبل العاشرة مساءً، وبعضها يعمل 24 ساعة في اليوم، إضافة إلى أنها لا تغلق أبوابها ليتوجه العاملون فيها إلى الكنائس 5 مرات يومياً، ولا تعرف الإغلاق خلال فترة الظهيرة أيضاً.

حجة أخرى يسوقها المؤيدون للقرار، هي أن تقليل ساعات العمل في المحال التجارية سيحد من البطالة؛ لأن العاطلين والعاطلات سيتجهون إلى العمل فيها، وكأن كل ما ينقص العاطل ليجد عملاً هو «ساعتان» لمشاهدة مسلسل تلفزيوني قبل النوم.

قبل أشهر قليلة قررت حكومة دبي فتح أكبر مجمع تجاري في الإمارة «دبي مول» طوال 24 ساعة خدمة للحركة السياحية والاقتصادية فيها، والطريف أن معظم من يحضرون فيه بعد منتصف الليل هم أفراد العائلات السعودية، والغريب أن أحداً منهم لم يتقدم بنصائح للمسؤولين هناك تحثهم على الاقتداء بالدول المتقدمة.

الأكيد يا سادة يا كرام أن التاسعة مساءً بتوقيت «حلة القصمان» في سبعينات القرن الماضي مختلفة كلياً عن التاسعة مساءً بتوقيت شارع التحلية عام 2015، وكل ما في الأمر يمكن تلخيصه في «صراع العقلية الماضوية مع الحاضر»، وهذه تحديداً من عاداتنا المميزة جداً.

المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Hani-El-Dahari