التعصب لا دين له

آراء

يأتي اغتيال النائبة البريطانية عن حزب العمال، جوكوكس صرخة مدوية في وجه السلام النفسي وليعبر بوضوح وجلاء عن أن التعصب كائن أعمى، وأن الانحياز إلى الانغلاق وحش كاسر، يغوص في شرايين العشب الأخضر لاقتناص حياة الأبرياء، فلا دين ولا ملة ولا عرق ولا لون لهذا الكائن الناقم المتفاقم، المتعاظم في مجتمعات مختلفة ولا علاقة له بجغرافيا أو تضاريس لأنه موجود حيث توجد الاحتقانات، وحيث تتكاثف الأخلاق البذيئة والقيم الرذيلة، والمشاعر المبتذلة.

النائبة البريطانية لم تحمل سلاحاً، ولم تتخندق في ثغر العدوانية، وإنما عبرت عن رأي ومن حق كل إنسان أن يفصح عن رأيه مهما كان نوع هذا الرأي، وعلى من يخالفه أن يأتي بالحجة الدامغة، والدليل على معارضته، لا أن يتسلل من خلف الحجب، فيطلق رصاصة الموت لينهي حياة إنسان بدم بارد، وروح خامدة، وضمير تجمد في صقيع اللامبالاة.

في كل الأديان والأعراق، هناك شُذاذ الآفاق، وهناك ضيِّقو الصدور، وهناك عديمو الضمير، وهناك صغار العقول، هؤلاء الذين شيدوا حصوناً من الحقد، ونسجوا حبالاً من الكراهية، وبنوا أكواماً من العدوانية، وتسوروا خلف ركام من رماد الذات المتورطة في الكبت.

ففي أي مجتمع من مجتمعات الدنيا، سواء كانت ديمقراطية أو شمولية هناك من شذوا في نار الأهواء والأنواء والأرزاء، وأطاحوا بالقيم الإنسانية، وهزموا الحقيقة كما هزمهم الحق، وباتوا نتوءات شاذة في مجتمعاتهم ولا يعبرون بأي حال من الأحوال عن القيم العامة السائدة في المجتمع، هؤلاء اعتصموا بحبل الانحياز إلى الباطل، وسيّجوا أنفسهم بأفكار جهنمية لا تعرف الحق، ولا تقترب منه لأنهم ارتضوا أن يكونوا هكذا لأنهم يعانون من مركبات النقص الذاتية، ويقاسون من عقد النقص فحتى يثبتوا وجودهم لا يملكون إلا القضاء على الآخر المختلف، وإنهاء حياته بهذه الصورة الدموية المرعبة، والمشهد في بريطانيا يتكرر في كل مكان، لذلك فإن الجميع.. جميع الشرفاء في العالم تقع على عاتقهم مسؤولية مواجهة هذا الغدر، ومكافحته بمختلف الوسائل والأدوات، والتخلص من هذا الداء واجب إنساني يقتضيه الالتزام الأخلاقي والحضاري.. ويجب أن نؤمن تماماً بأن الحضارة البشرية، مهددة بمثل هذا السلوك، والخلاص منه يتطلب التكاتف والتضامن، فما يجري في بريطانيا أو أي مكان آخر هو في النهاية يهمنا وعلينا تقع مسؤولية المجابهة بحزم وإصرار وتصميم.

المصدر: الإتحاد