حمود أبو طالب
حمود أبو طالب
كاتب سعودي

التعليم بالبرسيم

آراء

وزير التربية والتعليم السابق الدكتور محمد بن أحمد الرشيد واحد من القلة الذين لم تصبهم أعراض مرض مغادرة كرسي الوزارة، فبدلا من الانزواء والتلاشي تمارس هذه القلة دور ما بعد الكرسي بنجاح ووهج وحضور مؤثر؛ لأنها تؤمن أن كل مرحلة في الحياة لها دورها المهم، وأن عطاء الإنسان لا يجب أن يتوقف عند أي منها. ولأن الدكتور الرشيد يعتبر قضية التعليم والتربية شغله وقدره، فإنه مستمر في طرح رؤاه وأفكاره حولها، وكان آخر ما أمتعنا به حديثه في خميسية النصار بحوطة سدير الذي نشرته بعض الصحف، ومما قال فيه:

** ما يتعلمه كثير من الطلاب في مراحل التعليم العام يمكن وصفه بالممل، وهو ما جعل بعض الطلاب لا يشعرون بالتجاوب معه، ولا الحاجة العلمية أو العملية إليه، كما دفع البعض لكراهية الدراسة بل وتركها أحيانا.

** لقد أقامت المدرسة أسوارا حولها، وعكفت على مهمة ليست مهمتها، وركزت على المعلومة نظريا أكثر من تركيزها على تطبيقاتها عمليا، وبحد أعلى بكثير من حاجة المتعلم لها، واستغرقت تلك المعلومات الوقت والجهد على أوراق الكتب أكثر من كتاب الحياة وخبرة الواقع.

** لن تتحقق غاية المؤسسة التربوية إلا حين يكون على رأس العملية التربوية التعليمية أناس نذروا حياتهم مخلصين لهذه المهمة الإنسانية الأولى، وشعروا بيقين في داخل أنفسهم أنها رسالة مقدسة.

يا دكتور محمد، يا رعاك الله، لن نقول لك إن التعليم ما زال على «حطة إيدك»، ولكن ــ وأنت أعرفنا ــ يصر على التقهقر والتخبط والتجريب العشوائي لتكون النتيجة ضياعا في ضياع وإفلاسا في إفلاس. لم نستفد من كل الجهود المزعومة لتطوير التعليم ولا من عشرات المليارات التي تصرفها الدولة بسخاء؛ لأن كل شيء يسير على غير هدى وبلا رؤية واضحة أو هدف محدد. إننا والله حزينون مثلك ونندب حظ أجيالنا التي تخرج من المدارس محشوة بكثير مما لا ينفع ولا يؤسس لمعرفة تهيئ إنسان المستقبل. هل نقول إن تعليمنا أصابته عين «ما سمت عليه»، أم نقول إننا بإرادتنا لا نريد تعليما مفيدا، أم نقول إن التعليم ما زال تحت سيطرة من يريدونه حسب مشيئتهم وفكرهم الغابر. التجارب مستمرة والفشل مستمر والضحية هذا الوطن الذي لا يستحق كل هذا العبث بمستقبله، وأخشى ما نخشاه أن نصل إلى مرحلة التعليم بالبرسيم، وإذا كنت لم تسمع بها، فيسعدني إطلاعكم عليها، فقد نشرت صحيفة الشرق الأوسط يوم الاثنين الماضي أن معلما بإحدى المدارس الابتدائية في مصر أجبر تلاميذه على أكل البرسيم كنوع من العقاب والإهانة على تقصيرهم الدراسي، ولك أن تتخيل نتيجة التعليم بالبرسيم، وأي كائنات ستكون محصلته!!

المصدر: عكاظ