الثقافة والصالونات النسائية

آراء

ورد في كتاب «الحياة الاجتماعية عند العرب» أن أقدم صالون أدبي عرفه العرب هو صالون «عَمْرة»، الذي تأسس على يد امرأة في النصف الأول من القرن الأول للهجرة، ولولا أن الشاعر، وهب بن زمعة، المكنى أبا دهبل، «وكان عفيفاً»، قد زعم الرواة أنه أحبّها، وقيل أعجب بها، لما عرفنا تاريخ هذا الصالون، ويذكر المصدر نفسه أن «عَمْرَة كانت امرأة جزلة أصيلة الرأي يجتمع إليها الرجال للمحادثة، وإنشاد الشعر والأخبار».

ولم تكن المرأة في تاريخ العرب بمعزل عن المشهد الثقافي، إذ كانت ولاتزال شريكة في تشكيل هذا المشهد والمساهمة فيه، وكان صالون مي زيادة أحد أهم الصالونات الثقافية العربية التي يشار إلى حضورها الثقافي المهم خلال القرن الماضي.

وفي التاريخ الإماراتي، وَجَدْتُ ذكراً لعدد من المجالس الثقافية القديمة التي كانت صاحباتها سيدات فاضلات في مجتمعنا، أذكر منها مجلساً في دبي لسيدة اسمها (سلامة)، وكان ممن يترددون على مجلسها شاعر الإمارات الكبير، سالم بن علي العويس، الذي أشار إليها في إحدى قصائده النبطية.

أما في عصرنا الحالي، فظهرت، أخيراً، في الإمارات صالونات أدبية مهمة وفعّالة، خرجت إلى النور، ونُفّذت ونجحت بسواعد وأفكار إماراتية نسائية، ومن المهم أن نشير هنا إلى أن هذه الصالونات جاءت بمبادرات فردية من سيدات فاضلات نذرن وقتهن وجهدهن لنشر الثقافة والوعي في المجتمع.

ففي عام 2004 أسست الشيخة روضة بنت محمد بن خالد آل نهيان، صالون بحر الثقافة، وكان فعالاً منذ انطلاقته، ثم تحول الصالون في عام 2013 إلى مؤسسة بحر الثقافة، وهي السنة نفسها التي شهدت مشاركته في معارض الكتب المحلية، بجناح يضم فعاليات يومية على مدار ساعات المعارض، واستضاف جناح المؤسسة طوال سنوات مشاركته في المعارض أسماء أدبية وإعلامية واجتماعية مهمة من داخل الدولة وخارجها، كما أديرت فيه ندوات ومحاضرات مهمة.

وأسست الشيخة الدكتورة شما بنت محمد بن خالد آل نهيان، صالوناً أدبياً حمل اسم «مجلس شما للفكر والمعرفة»، وهو صالون يضم عدداً كبيراً من العضوات الفاعلات، وله برنامج حافل طوال أشهر السنة، ونوقش فيه العديد من المؤلفات الأدبية المحلية والعربية والعالمية.

وعلى صعيد المبادرات الشخصية أيضاً، أسست السيدة أسماء صديق المطوع صالوناً ثقافياً يشهد فعاليات ثقافية طوال أشهر السنة، ويشارك الصالون بجناح خاص في معرض أبوظبي الدولي للكتاب منذ سنوات، واستضيف فيه أيضاً العديد من الأسماء الأدبية والإعلامية والاجتماعية المهمة من داخل الدولة وخارجها.

إن هذه المبادرات الثقافية ليست إلا نموذجاً على الدور الفعال الذي تقوم به المرأة الإماراتية في قطاع حيوي مهم، هو قطاع الثقافة، وجاء في صورة مبادرات مهمة تستحق الإشادة بها، وشكر القائمات عليها، خصوصاً أنها تسهم بصورة كبيرة في تعزيز حضور الإبداع الإماراتي، وإبرازه بكل أطيافه ومستوياته في المشهد الثقافي المحلي والعربي.

المصدر: الإمارات اليوم