علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

الجميلة والوحش

آراء

يحدث أن تعاف كل هذا الذي يحدث حولك، فتقرر الهرب من صور القتل والدماء والخراب والدمار التي تملأ الشاشات أمامك، وتلجأ إلى قصة خيالية تتحدث عن فتاة قروية شابة، أسرها وحش دميم داخل قصر مسحور، مقابل إطلاق سراح والدها.

وبالرغم من محنة الفتاة، إلا أنها تصبح صديقة لخدم القصر الذين حولتهم ساحرة إلى أدوات منزلية، بعد أن طرقت سيدة عجوز باب القصر في ليلة شتاء قارسة البرودة، طالبةً المبيت في القصر، فرفض الأمير طلبها، حتى بعد أن حاولت إقناعه بإهدائه وردة حمراء مقابل مبيتها تلك الليلة، لتتحول تلك السيدة العجوز إلى فتاة باهرة الجمال، وتُحوِّل الأمير الوسيم إلى وحش دميم، وتعطيه الوردة الحمراء، وتبلغه أن أوراق الوردة ستستمر في التساقط إلى أن يبلغ عامه الواحد والعشرين، عندها سوف تذبل الوردة، ويثبت السحر على الأمير وخدمه، ما لم يتمكن من محبة شخص، ويبادله هذا الشخص القدر نفسه من الحب، لتكون الفتاة القروية «بل» هي هذا الشخص الذي يحس بقلب الوحش وروحه، ويكتشف ما وراء المظهر الخارجي له، فيخلصه من محنته، ويخوض معه معركته للقضاء على الشاب المتعجرف «جاستون» المغرور، الذي كان يحاول اصطياد الوحش بأي ثمن، واتخاذ الفتاة زوجة له.

هذه باختصار شديد، هي أحداث فيلم «الجميلة والوحش»، الذي أعادت شركة «والت ديزني بيكتشرز» إنتاجه في حلة جديدة، تمزج بين الرسوم المتحركة والتمثيل الحقيقي، بعد أن كانت قد أنتجته عام 1991 في نسخته الكارتونية الكاملة الأولى، وتم ترشيحه وقتها لجائزة «الأوسكار» في فئة أفضل فيلم، ليكون فيلم الرسوم المتحركة الوحيد في تاريخ السينما، الذي يرشح لهذه الجائزة، ويعتبره النقاد أنجح فيلم رسوم متحركة في التاريخ.

وقد تصدرت النسخة الجديدة من الفيلم، التي بدأ عرضها منتصف شهر مارس الماضي، قائمة إيرادات السينما الأميركية خلال الأسبوعين الأولين من عرضه، وسجل المركز السابع من حيث الإيرادات في تاريخ الأفلام السينمائية حتى الآن.

يحدث أن تقرر مشاهدة فيلم سينمائي من هذا النوع، يقوم على قصة خيالية، لا أساس لها من الواقع، يتصور الكاتب حدوثها، وتتصور أنت، قبل أن تدخل الصالة التي يعرض فيها الفيلم، أنك ستجد نفسك محاطاً بالأطفال الذين يحبون هذا النوع من القصص الخيالية، وأنك ربما تكون الشخص الوحيد الكبير بينهم، لتفاجأ بأن أغلب الذي يشاهدون الفيلم معك هم في مثل سنك أو أكبر منك!، فتتساءل: لماذا يهرب الكبار إلى فيلم مثل هذا، يُفترَض أنه للصغار، يقوم على الخرافة، وينسج أحداثه خيال كاتب، ينسبه البعض إلى القرن الثامن العشر الميلادي، بينما ينسبه البعض الآخر إلى المئوية الثانية من الميلاد؟!

هنا، يجب أن تعترف أنك لست ذلك الكبير الذي يتصوره البعض محبّاً لمشاهد القتل والدماء، ومناظر الخراب والدمار، وأخبار الصراعات التي تحدث في كل الأنحاء بين البشر، وتكشف أن داخلك إنساناً يتوق إلى سنوات الطفولة الأولى، ويحن إلى خبز أمه، وتقرّ أنك تعشق البراءة التي تسربت من بين أصابعك بفعل مرور الأيام والأعوام، وتَعاقُبِ الأحداث عبر مراحل العمر المختلفة، وتكتشف أن ساعة تتكلم، أو إبريق شاي وفنجاناً يتحاوران، في فيلم من صنع الإنسان وخياله، مستمدة أحداثه من رواية خرافية لم تحدث إطلاقاً، أحبُّ إلى قلبك من خطبة عصماء استمعت إليها ذات يوم من رئيس أقنعك أنه قائد مُلهَم، ووضع لك الشمس في يد والقمر في يد، لتكتشف بعد حين، طال أو قصر، أنه قد باعك الوهم، وألقى بك في هوة سحيقة، لا سبيل إلى النجاة منها، وتتأكد أن أميراً مسحوراً على هيئة وحش دميم، أقرب إلى قلبك من الوحوش البشرية التي تتحرك على الأرض، حاملة البنادق والسيوف والسكاكين، تقطع بها رقاب البشر، وتنهي حياتهم، مبشرة بشريعة لم يأتِ بها دين، ولم تنزل بها رسالة، ولم يقرها كتاب، وتشعر أن حصاناً مثل «فيليب» الذي عاد ليخبر الفتاة «بل» عن مكان والدها المفقود، هو أكثر وفاء وإنسانية من أولئك الذين يحملون في قلوبهم حقداً أسود، ويدّعون أنهم بشر، وهم أبعد ما يكونون عن المشاعر الإنسانية.

إنها ليست التقنية السينمائية ولا الحبكة الدرامية وحدهما يدفعانك إلى مشاهدة فيلم سينمائي مثل «الجميلة والوحش» المغرق في الخيال، وإنما هي المشاعر الداخلية التي تحرضك على الهرب من الواقع الذي تعيشه، محاطاً بمشاهد القتل والدماء، والخواء الإنساني المرعب، وتدفعك إلى البحث عن واقع افتراضي، قد لا يخلو هو الآخر من صراع، لكن هذا الصراع ينتهي بانتصار الخير على الشر، وهو اليقين بأن الخير هو الأصل، وأن الشر طارئ، وأن مآله إلى زوال مهما طال أمده.

وهذا ما تأمل أن تراه على أرض الواقع، التي تميد تحت قدميك، وتهتز من أصوات المدافع والقنابل التي تقتل في كل الأركان، والطائرات التي تقصف كل مكان، والضحايا الذين يسقطون كل جزء من الثانية، والنازحين الذي يتكدسون في المخيمات، وينامون على أرصفة محطات القطارات، ويتمددون فوق القضبان الحديدية، وتغلق في وجوههم حدود البلدان الشرقية والغربية.

حين يتجرد البشر من إنسانيتهم، يصبح الهرب من الواقع وسيلة للعودة إلى طبيعتهم، وحين يعودون إلى طبيعتهم، يدركون أن الخيال ليس أكثر من أمنيات كامنة. لذلك، حقق «الجميلة والوحش» هذه الأرقام، وتفوق على الكثير من الأفلام التي تكرس العنف والقتل والانتقام.

المصدر: البيان